الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن كائنات المآزق

محمد طه حسين
أكاديمي وكاتب

(Mohammad Taha Hussein)

2013 / 11 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


نحن كائنات المآزق
محمد طه حسين
نحن ولدنا و المازق قائم، كائنات المآزق نحن، ورثنا اساليب العيش من ثقافة المآزق و البقاء في الاهوال تلذذا بالتنفس في هكذا اجواء. نحن و المآزق كالاسماك و الماء لا نبتعد عن بعضنا البعض الا لثواني معدودات فقط، اباءنا الاوائل كانوا باستمرار في حالات التاهب لاستقبال الويلات و المآسي حالة تلو الاخرى، انهم تعودو على ضربات الزمن الذي لم يكن لهم دور في تحريكه، بقدر ما هم كائنات تاخذ اماكنها بفعل قدر السيرورة الطبيعية للصراعات.
انتقلت عدوى التكيف مع المآسي و المآزق من النموذج الاول لشخصيتنا وفق التصور اليونغي الى الاحفاد و لهذا بقينا لحد الآن مستجيبين طبيعيين للتحولات حيث لا نرى اثر الايادي و الفعل المحلي عليها. بارادة القدر الكوني و بفعل الصدفة الحياتية ظهرنا هنا كالنباتات التي تظهر حيث لا حول لها ولا قوة في الصدفة البايولوجية تلك، فتحنا اعيننا و راينا جمال المكان و غناه ، سحر الطبيعة و سخائه، وعورة الارض من جبالها و وديانها، راينا نموذجا من الجنة الموعودة، حيث الانهار و الينابيع و المناخ المعتدل و الرزق المتوفر من الخضار و الفواكه و الحيوانات. كلما ادرنا وجهنا راينا شيئا صالحا للاكل و اشباع مطاليب البطن، لدينا من الكهوف ما تكفي لعباد الله المبعثرين و المتشرذمين بين الصخور و المضائق و الشقوق الجبلية ان يلجاؤا اليها عند الاخطار او للراحة و السكن .
عشنا وفق نظرية الانتخاب الطبيعي لداريون حيث التصاميم القروية للبيت من حيث الجدران و الالوان ينسجم كلية مع الالوان الترابية و الصخرية الموجودة ، الى يومنا هذا لا يرى العين بيوت القرى من بعد بضع كيلومترات بالعين المجردة نظرا لاختلاط الكتل و الوانها مع الكتل الطبيعية الموجودة اصلا، و هذا يدل على ستراتيجية الاحتماء البدائي لنا و القلق المغروس بداخلنا و الخوف المزمن من المتربصين و الوحوش البشرية المتشكلة ضمن الامبراطوريات الفارسية و التركية و العربية و حتى اليونانية ايام الاسكندر و قياصرة الرومان.
نحن دافعنا عن انفسنا لا بعلمنا و عقلنا و امكانياتنا القتالية و السياسية و الدبلوماسية على مر التاريخ، بل بجهلنا بكل هذه التي اشرنا اليها، الجهل يكون بعض المرات عاملا رئيسيا بل حاسما في البقاء، لا يعير المغتصب و المهاجم الشرس ايما اهتمام للانسان الخائف و الجاهل بفنون القتال و تشكيل الحضارة، لا يعتبرها خطرا لا على الافراد و لا على المشروع و المخطط التوسعي له. يتجاوز الاحتكاك البشري بهكذا اقوام و التجمعات البشرية، ريثما في النهاية هم يندمجون بسهولة ضمن المشروع الامبراطوري و يكونون الداعمون الاساس له.
هذه هي ستراتيجية البقاء البدائية و التي كبرت معنا و تماهت مع تقدم مجتمعاتنا في العمر ، نحن لحد الآن لم نصرف طاقاتنا في اى شيئ، بقينا على شبابنا ، المجتمعات الاوروبية كبروا و صرفوا كما يقول شبنغلر كل طاقاتهم و امكاناتهم العقلية و هم الآن يواجهون خطر الانحدار نحو هاوية التاريخ، و لكننا و على مر التاريخ لم نستعمل الجهد العقلي و الفكري و حتى الفيزيقي و لهذا بقينا على حالنا ، حيث اللغة بقت و الوجود الفيزيكي للامة موجود و الكيان الجيواثنيكى موجود حتى ولو كان موزع على دول الاقليم في الشرق الاوسط.
نحن لا نتأثر بالازمات، فالازمة مغروسة في البنيان النفسي لنا، الفرد الكردي يحس في كل لحظاته بانه يواجه ازمة ثم يعبرها و بعد ذلك يستعد لاستقبال ازمة اخرى.انه متازمة نفسيا الى درجة انه كائن متازم سواء مع ذاته الطائرة من اناه او مع محيطه البيئي او مع العالم كله، اغترب الكردي مع ذاته فالذات في وادى و هو ك(انا) لحظوي في وادى اخر، ذات متقطعة غير متصلة بزمن الانا كما يقول غاستون باشلار في جدلية الزمن، فكما يقول فيلسوفنا في كتابه المشار اليها : تارة يبدو زمن الانا يمشي بسرعة اكبر من سرعة زمن العالم، الامر الذي يجعلنا نشعر بان الزمن يمر بسرعة و ان الحياة تضحك لنا و اننا نشعر بالغبطة، و تارة تنعكس الاية فيبدو زمن الانا متاخرا من زمن العالم ، عندئذ يتأبد الزمن و يتخلد، فنحن ضائعون و السأم يستولي علينا.
نحن من النوع الثاني حيث ان زمن الفرد الكردي على مر الدهر متاخرا من زمن العالم ، و لهذا نحن لا نحس بانفسنا و تربعنا على المكان و غطينا اجسادنا بالسماء ننتظر منقذا الاهيا يفتح لنا الافق بدل ان نجهد و نتحرك بانفسنا نحو فتحات الزمن. تـأبد الزمن فعلا عندنا حيث العقول تراجعت بدل ان تتقدم و تصطدم بالجديد في العلوم و الافكار، نزلنا من الجبال و سكننا في المدن القينا بقيم الاصالة القروية و لم نتمكن ان ناخذ قيم المدينة و المدنية، اذا لم تكن هذه الحالة ضياع و سأم فأية وضعية تكون ضياعا؟.
نلبس ازياء الحداثة من الالبسة و النظارات و الاحذية، نسلك و نتصرف كمن لم يسمع عن الحداثة ابدا.نتحدث كثيرا عن المفاهيم الحداثوية من الديمقراطية الى المدنية و من التعددية الى الليبرالية، و لكن الديمقراطية تشمل الفئات العليا من السلطويين فقط و التعددية اختزلت في تعددية مصادر المال و التعددية الزوجية حيث العقدة الجنسية لديهم سيطرت على الايمان و الافكار و العقائد.
طال الدهر بنا ولا ننسجم مع المكان ، نحن نهرب من المكان و المكان يهرب منا، مشكلتنا مع المكان تحولت الى ازمة مزمنة حيث القلق المكانى تجذرت في شخصيتنا لا نميل الى الوطن الا عندما نبتعد عنه و نغادره، و عند احتضان المكان لنا لا نحس بضربات قلب الارض حيث يضيق بنا النفس و سرعان ما نفك اذرعتها من حولنا ، نهرب ثانية و نغادرها و من ثم لا يطال بنا الزمن حيث نرجع ، و يتجدد المشهد كالف ليلة و ليلة ، حيث ننام على حكايات الزمن و نصحى بصياح الديكة و نحن لا نشعر بجاذبية المكان.
كثيرا ما نسمع من السياسيين و اهل الدين و الجامعات و الاقتصاد كيفية تجاوز الازمات و ايجاد الحلول للازمات الشائكة؟، فلنسأل اهل التأريخ: هل وجدوا في دراساتهم للاحداث و الحقب الزمنية في الزمن الكردي يوما كانت النفوس فيه مطمئنة حيث لا يشعر فيه بالمخاطر و التهديدات؟، اذا وجدوها فانها اكيد لحظات هادئة تليها عواصف هوجاء تاكل الحابل و النابل و تعصف بما جمعوها من المستلزمات البدائية للعيش، حينها نؤكد بان الزمن يقلقنا كالمكان و لهذا نرى انفسنا و كاننا كائنات خارج الزمان و المكان.
نحن الآن خارجون عن الزمن حيث لا ندري في اية حقبة نحن و لا نستطيع ان نقيس احوالنا سواء بمعايير الغرب او الشرق او الشمال او الجنوب. و خارجون عن المكان حيث المكان يلاحقنا و يجر ايادي الغير و يثبت اقدامهم و لا يهمه من الآن فصاعدا ثقل اناس لا خير لهم غير الهموم.
لا تتوقعوا بعدئذ الخروج من المآزق و الازمات بل تنبوؤا ظهور ازمات و مآزق حديثة حيث تعودنا نحن معانقة الازمات ، فالسياسة عندنا في ازمة و الدين يتناول باستمرار الازمات الاخلاقية و المناهج التربوية و التعليمية تسرد لنا ظهورها و من ثم افولها، اكف من الآن و للابد عن الحديث و التفوأ بكلمة الازمة، فالازمة انا و انا الازمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا قررت مصر الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا في هذا التوقيت؟ |


.. بيسان ومحمود.. أجوبة صريحة في فقرة نعم أم لا ??????




.. دول أوروبية ستعترف بالدولة الفلسطينية في 21 مايو/أيار


.. -مطبخ مريم-.. مطعم مجاني ومفتوح للجميع في العاصمة اللبنانية




.. فيديو مرعب يظهر لحظة اجتياح فيضانات مدمرة شمال أفغانستان