الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


. .. تحولات في الحياة السياسية السورية

محمد سيد رصاص

2005 / 6 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


.أدت أحداث مفصلية إلى انقلاب تيارات سياسية سورية على نفسها أو إلى تشققها , مثلما حصل للقوميين ( حركة القوميين العرب – قسم كبير من كوادر حركة الاشتراكيين العرب – بعث 23 شباط بعد فقدانه للسلطة في عام 1970 ) عندما اتجهوا نحو الماركسية عقب هزيمة 5 حزيران , فيما رأينا أكثرية الشيوعيين السوريين بعد الهزيمة ينحون نحو التقرّب من الفكر القومي و للاستقلال عن السوفيات في القضايا المحلية والعربية ( فلسطين ) مما أدى إلى انشقاق الحزب الشيوعي في عام 1972 ونشوء ظاهرة ( المكتب السياسي ) , فيما أدت الحالة الأولى إلى انبثاق ( رابطة العمل الشيوعي ) و ( البعث الديمقراطي) .
أدى انهيار السوفيات إلى تخمر مفاعلات مماثلة ( انقلاب على الذات + التشقق ) عند التيار الماركسي السوري لم تظهر أبعادها إلا بعد سقوط بغداد : ظهرت ملامح المرحلة الانتقالية إلى الليبرالية , عند ماركسيين سوريين عديدين , عبر طروحات قدمت في عقد التسعينيات مثل ( حركة ذات برنامج سياسي واحد مع تعدد أيديولوجي ) , وهو طرح كان المبادر إلى تقديمه المرحوم جمال الأتاسي وقيادة ( المكتب السياسي ) في عام 1998 عبر وثيقة هدفت إلى توحيد (( التجمع الوطني الديمقراطي )) في حركة واحدة مما أدى إلى خلافات عاصفة داخل ( الحزب الشيوعي – المكتب السياسي ) لينتهي الأمر إلى إفشال ذلك الطرح , ومثل مقولة ( الحزب يقوم على البرنامج السياسي وليس على الهوية الفكرية – السياسية ) و أطروحة ( تعدد المصادر المعرفية في الحزب ) , إلى أن وصلت الأمور في مرحلة ( ما بعد بغداد ) إلى طروحات ليبرالية صريحة عند أصحاب تلك الطروحات , الذين يمتدون من ( الحزب الشيوعي – المكتب السياسي ) إلى كثيرين من الذين كانوا ينتمون إلى حزب العمل الشيوعي ( الذي ورث (( الرابطة )) ) وصولاً إلى التاركين لشيوعيي (( الجبهة )) .
بخلاف السبعينيات , عندما تحوّل قوميون إلى الماركسية أو اتجه الشيوعيون إلى الانفتاح على اليسار القومي وللاستقلال عن السوفيات , فإن اتجاه هؤلاء الماركسيين نحو الليبرالية يأخذ ملامح تحول سياسي بدون تأصيل معرفي , حيث لا نجد شيئاً مماثلاً لما قدمه الياس مرقص وياسين الحافظ أو لما أعطاه محسن إبراهيم ومحمد كشلي , بل ركوباً على موجة سياسية عاتية تجتاح المنطقة من الغرب و (( انسجاماً )) مع واقعة انتصار مركز عالمي على آخر , حيث يلاحظ أن هؤلاء , المفتقدين للجذور الاجتماعية , يعتمدون في تعويم أنفسهم على مركز عالمي , كان سابقاً موسكو وأصبح الآن في الغرب , فيما كان الكثيرون من المختلفين مع السوفيات في وضعية الابن المطرود و المغضوب عليه من الأب والطامح للعودة و الغفران.
لا تختلف وضعية الليبرالية , كموجة ظاهرة على السطح السياسي العربي , عن وضعية ( القومية ) و ( الاشتراكية ) في الخمسينيات و الستينيات , و هي لا تعتبر تعبيراً عن تعالي المطالب بالديمقراطية في سوريا , والتي بادر إليها الماركسيون و القوميون المعارضون في (( التجمع الوطني الديمقراطي )) منذ نهاية السبعينيات عندما لم يكن هناك لا ليبرالية ولا ليبراليون في سوريا بعد موت الليبرالية القديمة وأحزابها منذ عام 1958 , بقدر ما أنها انعكاساً محلياً لتطور عالمي , أكثر من كونها تعبيراً عن فرز قوى اجتماعية لاتجاه ليبرالي , هذا الأمر الأخير الذي من الممكن أن يؤدي إليه حراك سياسي مقبل لأثرياء النظام و للصناعيين والتجار وقسم كبير من الفئات الوسطى بعيداً عن ليبرالية أولئك الماركسيين السابقين الذين يعانون من تخلع أيديولوجي بعد انهيار مركزهم العالمي السابق .
بغض النظر عن هذا , فإن اتجاه هؤلاء الماركسيين السابقين نحو الليبرالية قد خلق واقعاً سياسياً جديداً في سوريا , بما أدى إليه ذلك من تشقق التيار الماركسي , والذي ظهرت ملامحه أخيراً عبر تأسيس( حزب الشعب الديمقراطي ) من قبل اللاماركسيين في ( الحزب الشيوعي – المكتب السياسي ) , فيما كان الماركسيون السابقون مسيطرين على ( لجان إحياء المجتمع المدني ) التي طغى مثقفيها على سطح الحراك السياسي السوري المعارض في الخمس سنوات الأخيرة .
أدى هذا التصدر السياسي إلى تعويم أطروحات ومناخات في الوسط السياسي السوري : انخفاض في منسوب ( العروبة ) و ( فلسطين ) ضمن خطاب هؤلاء , مع ميل إلى البحث عن(( وطنية سورية جديدة )) لا ترى مانعاً من حذف الهوية العربية عن اسم سورية لصالح الانسجام مع كونها (( لوحة فسيفسائية )) على حد تعبير الوثيقة التأسيسية لحركة النائب رياض سيف بدون الأخذ بالاعتبار واقع أن العرب والمسلمون يشكلون أكثر من تسع أعشار السكان , الشيئ الذي يترافق مع اقتراب الليبراليين الجدد من الأحزاب الكردية التي اتجهت مؤخراً إلى المعارضة بعد انفضاض تحالف ( البرزاني – الطالباني ) مع السلطة السورية وتخلي الأخيرة عن أوجلان وحزبه , فيما نرى على الصعيد الفكري وراثة الليبراليين الجدد لكثير من أمراض اليسار السوري القديمة تجاه الدين والمشايخ لتتحول تلك اليسارية إلى علمانية (( مناضلة )) وإن كانت تفتقد هذه إلى الكثير من العمق الفلسفي لنقد اليسار للدين .
إن قوة التيار الماركسي السوري , الذي كان أحد التيارات السياسية الرئيسية الثلاث المتصدرة للسياسة السورية منذ الخمسينيات والذي يملك وزناً ثقافياً يفوق التيارات السياسية الأخرى , قد بدأت تتفكك وتضعف عبر هذه التطورات الأخيرة التي يجتمع فيها التشقق مع الانقلاب على الذات عند العديد من قواه وأفراده ورموزه , مما يؤشر إلى بداية انزياحات جديدة في الخريطة السياسية الجديدة , لصالح احتلال الليبرالية مكاناً رئيسياً في تلك الخريطة بعد أربعة عقود من الغياب وخاصة إن أفرزت القوى الاجتماعية السورية حركة ليبرالية جديدة , فيما تشير الاصطفافات إلى أن القوميين والإسلاميين والمحتفظين بماركسيتهم سيكونوا في موقع مختلف ومتضاد ( حتى بعد نشؤء المشهد الديمقراطي السوري على إثر انتهاء مشهد ما بعد 8 آذار 1963 ) مع الليبرالين , المتحالفين مع الأحزاب الكردية , حيال مواضيع ( النظام العالمي الجديد ) و ( فلسطين ) و ( العراق ) و ( هوية سورية ) و ( القضايا الاقتصادية – الاجتماعية ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة ايريك سيوتي عضو اليمين الفائز بمقعد البرلمان عن نيس|#عا


.. قراءة عسكرية.. محور نتساريم بين دعم عمليات الاحتلال و تحوله




.. تفعيل المادة 25 قد يعزل بايدن.. وترمب لا يفضل استخدامها ضد خ


.. حملة بايدن تتعرض لضغوطات بعد استقالة مذيعة لاعتمادها أسئلة م




.. البيت الأبيض: المستوطنات الإسرائيلية تقوض عملية السلام والاس