الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أصبحت سافرة

سماح عادل

2013 / 11 / 3
الادب والفن


ركبت المترو وهي تحمل طفلها, لأنه مريض ستصطحبه معها إلى العمل , لن تتغيب , لا تحب جلوس المنزل جلست بما يكفي .رأتها فتاة في العشرينات فأشفقت عليها قالت لإحدى الجالسات :
- ممكن تقومي وتقعدي طنط؟
رنت الكلمة في أذنها, لم تستجب الجالسة ,كررت الفتاة نفس الكلمة "طنط ", تضخمت الكلمة في ذهنها ,ورغم أنها لم تجلس في النهاية ,إلا أن وقع الكلمة كان أقسي من ثقل الطفل .
لم تشأ تكثيف الموقف بأن تنظر لزجاج المترو, الذي يتحول في الظلام إلى مرآة , مر يوم العمل ولم تمر الكلمة , مرت أيام وهي غير متوازنة , ليس إنقاص الوزن كافيا لإرضاء الذات , تعلم جيدا أنها منذ التحقت بالعمل الجديد وهي تشعر أنها ليست هي. حينما كانت تتفرغ لتربية الأطفال في المنزل- كما برر لها زوجها إصراره على عزلها- كانت ارتضت منذ زمن بدور ربة المنزل البلهاء , تقوم بأعمال المنزل ,تشاهد الكرتون مع الأطفال في استرخاء ,تغرق في اكتئاب مزمن يصيبها بسكون ,وأحيانا بنوبات غضب تتحول لمشاجرات زوجية , تمنى نفسها بين الحين والآخر ببعض الأحلام , ستكتب يومياتها مع الأطفال- بدأت فيها ولم تستمر- , ستكتب رواية مميزة- بدأت فيها وأيضا لم تستمر- ستركز أكثر لتصبح كاتبة شهيرة ,وبذلك ستلتحق بقطار تصوراتها الأزلية عن نفسها ,وما كانت تتمنى أن تكون عليه ,قبل مرور آخر عربة .
في إحدى نوبات الإفاقة ,من تمثل دور ربة المنزل بكل تفاصيله, راسلت أصدقاء الفاس بوك بحثا عن عمل , في مفاجأة غير متوقعة حصلت عليه ..........عمل......... سرعة الالتحاق به لم تسمح لها بالاستعداد النفسي, ترى سترتدي الحجاب أم تخلعه, قررت خلعه .
بعد أن حملت بطفلها الثاني ترسخت داخلها الفكرة, ستكون أما ولن تستطيع الفكاك . لذا وبرضاها ارتدت الحجاب.وقتها لم تكن تستطيع تحمل انتباهة الناس لها , كانت تريد الاختباء , ليست شخصا يستحق الظهور , إذن فلتدخل ضمن الجموع, امرأة مغطاة بالكامل, ككل النساء في طبقتها ,ومنطقتها الشعبية, وديانتها أيضا , كما أنها لم تكن تذهب في الواقع إلا لشراء مستلزمات المنزل ,تتفاجيء في جولتها في السوق ببائع يناديها
- يا مقدسة تعالي اشتري سمك
أو أخرى تعبر عن محبتها للإخوة المسيحيين ,تتجاهل ,وإذا قررت أن ترد, وتقول أنها مسلمة تندم,لأن ذلك يستتبع نصائح حول فضائل الحجاب ,ووجوب ارتدائه بأمر الدين .
عند ارتدائه تغيرت معاملة البائعين لها كليا , أصبحوا يبتسمون ,ويتعاملون بود ,انخرطت تماما في الأمر ,حتى أنها أصبحت ترتدي ملابس واسعة ,وتملأ وجهها بوجه مموه لا انفعالات فيه . استغرب زوجها الأمر في البداية , لكنه اعتبره قبولا كاملا لدور ربة المنزل ,الذي لن يتركها تنفلت منه بسهولة .
عند الالتحاق بالعمل نصحها ألا تخلعه,استجابت, لم تمتلك جرأة مواجهة الناس ,فكرت في البائعين, الذين عقدت معهم علاقات الشراء الدورية , كيف سيستقبلون الأمر , هل ستستطيع تحمل استهجانهم الذي سيكون في الأغلب صامت , أو بضع كلمات لينة حول أن الحجاب أفضل.
قررت أن تتقبل فكرة أنها تستطيع أن ترتدي الحجاب ,وتبدو جذابة وشابة أيضا , ظلت تراقب الفتيات في الشارع , لفات الطرح المتنوعة , أنماط ملابسهن ,والتي تتناسب مع الحجاب , فكرت في فعل ذلك, وبدأت بالفعل في مجاراة الأمر, وشراء طرح بألوان مختلفة .
خروجها في الشارع دون ملازمة الأطفال , ووقت طويل بمفردها جعلها تشتاق إليها ..............ذاتها .............تلك التي تركتها, لا يهم بإرادتها أو رغما , المهم أنه حدث , تمثلت نفسها ,في تلك المرحلة التي كانت تعمل فيها في السابق ,فتاة متمردة, تعمل لساعات طويلة , تطمح لتطوير ذاتها , تفعل أشياء كثيرة, ولا تهتم لآراء الآخرين .تشتاق لعلاقة سوية تشارك فيها الرجل حياته, لا تتبع له , تكتب في جرأة , تكويناتها هذه سقطت بلا رجعة رغم تمثلها الآن ,وتصورها أنها تستطيع أن تعيشها .
لن تكتب في جرأة لأن زوجها يقبع داخل ذهنها ,بالإضافة إلى أطفالها الذين سيكبرون يوما ,وربما لا يرضون عن ما تكتب, ولن تعمل لساعات طويلة فما زالت ملتزمة كأم , ولن تجلس على مقاهي وسط البلد ,وإذا حدث فلن يكون بطعم حريتها السابقة . دخلت في صراع نفسي بين السابق والحالي حسمته داخلها رغبتها في الأمان, ولذة الشعور بالأمومة, وكبر السن الذي لن يسمح لها بتمثيل دور الشابة طويلا, فقررت التعقل.
لكن مع الحدث الكبير الذي ساهم في تصاعد الصراع ,والذي يتمثل في كلمة "طنط", اختلف الأمر , لن تكون طنط أبدا , ولن تكون أما طروب , هي شابة رغم كل شيء , حتى لو تراكمت التجاعيد ,وتكاثف الشعر الأبيض, هي كما هي .قررت خلعه ,ذلك الغطاء , وافق زوجها ,لأنه أحس بانفلاتها من قبضته, فقرر أن يقدم تنازلات .
خلعته في الشارع وهي معه , لتتقوى به , مر الأمر ,ربما لأن معظم الناس في الشارع ,الذي تسكن به ,مختبئون في بيوتهم لبرودة الجو . استيقظت في الصباح , لازالت رغبتها في استعادة ذاتها أقوى من تعودها على الاختباء . رأتها إحدى الجارات اللاتي يفترشن المساطب , لم تنظر لها حتى لا تهتم بردة فعلها , لم تلق التحية على بائعة الخبز ,والتي كانت تصر على تحيتها يوميا , حتى لا ترى في عينها أية دهشة , فكرت أنها ممكن أن تستغني عن البائعين المعتادين, وتشتري من بائعين جدد ,في النهاية هي أقوى بسلطة الشراء .
في عربة الأجرة أحست بملمس الهواء على خديها, وأذنيها ,وتخلل شعرها أيضا , اشتاقت لذلك ,طعم الهواء البارد يتلازم داخل ذهنها بطعم الحرية. أصبح الأمر أكثر سهولة , ترى هل هذا الغطاء هو ما كان يمنعها من تمثل ذاتها , أحست أنها هي بالفعل , لم تكن يوما أما تقليدية ولن تكون .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء


.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان




.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي


.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء




.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس