الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في البُعْد الرابع للمكان!

جواد البشيتي

2013 / 11 / 3
الطب , والعلوم



الكون، في نظريته الكوزمولوجية الحديثة، والمسمَّاة "الانفجار العظيم" Big Bang، والتي هي "المرجعية" في علوم الكون، لا يُمْكِنك فهمه وتصوُّره، مهما بَسَطوه وشرحوه لكَ في "تشبيهه الشهير"، وهو "البالون (في انتفاخه المتزايد)"، إلاَّ إذا سَلَّمْتَ معهم بفكرة "البُعْد (المكاني) الرابع"، غير المرئي، والذي ليس بجزء من كوننا، الذي يَقَع كله على "السطح (وعلى السطح فقط)" من "بالوننا الكوني".
كوننا هو هذا "السطح" فحسب؛ و"الفضاء (الكوني)" هو "مُعْظَم" هذا "السطح"؛ أمَّا "المجرَّات الموزَّعة في مجموعات" فهي كـ "النُّقَط الصغيرة" على سطح بالوننا الكوني؛ وكل "مجموعة (أو زُمْرة) مجرَّات" تدور مجرَّاتها حول مركز لهذه "المجموعة"؛ لكنَّ "المجموعة نفسها" لا تدور حول "مركز كوني"، ولا تسير (تتحرَّك) في الفضاء، مبتعدةً عن، أو مقتربةً من، "مجموعة (مجرَّات) أخرى". ومع تمدُّد (واستمرار، وتسارُع، تمدُّد) الفضاء نفسه، أيْ "الفضاء بين مجموعات المجرَّات"، "ترى" كل "مجموعة" نفسها "المركز (الثابت، الساكِن)" الذي ترتدُّ عنه، وتبتعد، في استمرار، سائر "مجموعات المجرَّات"؛ و"مجموعة المجرَّات" تَضُمُّ، على ما نعلم، آلاف الملايين من النجوم (الشموس). وكلُّ نجم يدور حول مركز مجموعته.
والآن، تخيَّل الكون "كُرَةً ضخمةً جوفاء، على سطحها فحسب يَقَع كل الكون"؛ وهذه الكرة (الكونية) يَكْبُر حجمها في استمرار؛ ولولا وجودها في، أو ضِمْن، "فراغ (أو فضاء)"، لاستحال أنْ يَكْبُر (يتمدَّد) حجمها.
وهذا "السطح" من "الكرة (الكونية)" يَضُمُّ "كل الفضاء (الكوني)"؛ يَضُمُّ كل شيء في الكون؛ يَضُمُّ كل "مجموعات المجرَّات"، بكل ما تشتمل عليه كل "مجموعة".
إنَّكَ لا تستطيع أنْ تتصوَّر "هذه الكرة في تمدُّدها" إلاَّ إذا وُجِدَ فراغ (فضاء) تتمدَّد فيه، وتَكْبُر حجماً؛ وكلَّما كَبُر حجمها اتَّسَع حجم الفراغ الذي تنطوي عليه.
القائلون بنظرية "الانفجار العظيم"، وبـ "تمدُّد (وتسارُع تمدُّد) الكون"، لا يُنْكِرون "الفراغ (أو الفضاء) الذي فيه تتمدَّد الكرة (الكونية)"؛ كما لا يُنْكِرون "الفراغ (أو الفضاء)" الذي تنطوي عليه، والذي يتَّسِع حجمه مع كلِّ تمدُّد للكون؛ لكنَّهم يقولون إنَّ هذا "الفضاء"، أو ذاك، ليس بجزءٍ من كوننا؛ لأنَّه لا يَقَع على "السطح" من "كُرَتِنا الكونية"؛ فالكون، كل الكون، لا وجود له إلاَّ على هذا السطح.
أنتَ الآن واقِفٌ على سطح كرة ضخمة هي كوكب الأرض؛ وإنِّي لأَدْعوكَ إلى السَّيْر على هذا السطح (الكروي) في "خطٍّ مستقيم". إنَّكَ تستطيع السَّيْر شمالاً، وجنوباً؛ شرقاً، وغرباً؛ إلى الأمام، وإلى الوراء؛ إلى اليمين، وإلى اليسار. وكل سَيْركَ هذا هو سَيْرٌ في "بُعْدَيْن اثنين (من أبعاد المكان الثلاثة)"، هما: الطول والعرض.
ما هي "النتيجة النهائية" لسَيْرِك (في "خطٍّ مستقيم") في أيِّ اتِّجاه من تلك الاتِّجاهات؟
إنَّها العودة إلى النقطة التي منها بدأتَ السَّيْر؛ فأنتَ (بسَيْرِك في كل تلك الاتِّجاهات) لن تُغادِر الأرض (لن تُغادِر سطح الأرض، ولا كوكب الأرض) أبداً.
سِرْ الآن (في "خطٍّ مستقيم") في "البُعْد (المكاني) الثالث"، أيْ إلى أعلى، أو إلى أسفل؛ فما هي "النتيجة النهائية"؟
إذا سِرْتَ إلى أعلى، فإنَّك ستُغادِر كوكب الأرض نهائياً؛ وإذا سِرْت إلى أسفل، فإنَّكَ ستَصِل، أوَّلاً، إلى مركز الكرة الأرضية؛ وستَصِل، بعد ذلك، إلى الجهة المقابلة من سطح الأرض؛ وستَجِد نفسكَ، أخيراً، في خارج الكرة الأرضية.
و"السطح" من "كُرِتِنا الكونية (التي يَكْبُر حجمها في استمرار)" لا يختلف عن "السطح" من "كُرَتِنا الأرضية" إلاَّ في كونه يتألَّف من "ثلاثة أبعاد (مكانية)"، لا من "بُعْدَيْن اثنين" فقط.
تخيَّل نفسكَ الآن موجوداً في داخل "كرة شَفَّافة (زجاجية)"، موجودة في موضعٍ ما من فضائنا الكوني.
أُنْظُرْ إلى أعلى، وإلى أسفل؛ إلى اليمين، وإلى اليسار؛ أُنْظُر في أيِّ اتِّجاه تريد؛ فماذا ترى؟
ترى الكون (بفضائه، ومجراته، ونجومه) محيطاً بكَ من كل الجهات؛ وكأنَّكَ قطرة في بحر الكون.
سِرْ الآن (في "خطٍّ مستقيم") في أيِّ اتِّجاه تريد (إلى الأمام، أو إلى الوراء؛ إلى اليمين، أو إلى اليسار؛ إلى أعلى، أو إلى أسفل) فإنَّ "النتيجة النهائية (ولو من الناحية النظرية)" هي عودتكَ إلى النقطة التي منها بدأتَ السَّيْر.
إنَّكَ لن تَخْرُج أبداً من الكون؛ لن تُغادِر أبداً سطح كُرَتِنا الكونية؛ ولن تَصِل أبداً إلى جوفها؛ فإنَّ سطح كرتنا الكونية هو دائماً نهاية سَيْرِكَ، مهما طال زمانه، ومهما عَظُمَت سرعته (ولا سرعة في الكون تفوق سرعة الضوء).
إذا أردتَ الخروج نهائياً من الكون (أيْ من كوننا) أو الوصول إلى جوف ومركز "كُرَتِنا الكونية"، فإنَّ عليكَ السَّيْر في "البُعْد (المكاني) الرابع"، وما أدراك ما "البعد (المكاني) الرابع".
لمغادرتكَ كرتنا الأرضية نهائياً، سِرْتَ في "البُعْد (المكاني) الثالث"، أيْ سِرْتَ (في "خطٍّ مستقيم") إلى أعلى؛ وإنَّ عليكَ السَّيْر في "البُعْد (المكاني) الرابع" إذا ما أردتَ مغادرة "كرتنا الكونية"!
تخيَّلْ أنَّكَ استطعتَ السَّيْر، أو السفر، في "البُعْد (المكاني) الرابع"، فما هي "النتيجة النهائية"؟
إنَّها أنْ تَجِد نفسك في الفضاء الذي تنطوي عليه "كُرَتِنا الكونية"، أو في الفضاء الذي فيه تتمدَّد "كُرَتنا الكونية". إذا وَجَدتَّ نفسكَ في نقطة ما، في الفضاء الذي فيه تتمدَّد "كرتنا الكونية"، بعيدة عن كوننا، فإنَّك، عندئذٍ، ترى كوننا كله، أيْ بكليِّته. وهذا الفضاء، أو ذاك، ليس بجزء من كوننا؛ ليس بجزء من سطح كُرتنا الكونية؛ ليس بجزء من فضائنا الكوني؛ ليس بجزء من مكاننا بأبعاده الثلاثة؛ إنَّه فضاء (Hyperspace) يَقَع بعيداً عن "السطح" من "كُرَتِنا الكونية"؛ مَنْفَصِلٌ عن كوننا، ولا يتَّصِل به؛ لا نراه، ولا ندركه.
"الخطأ" و"الصواب" لا وجود لهما في "الواقعة (أيْ ما حَدَثَ وَوُجِد)"؛ ولا يجوز لنا، ولا يصح، أنْ نقول عن "المعطيات (الواقعية)" إنها "خاطئة"، أو "صائبة"؛ لأنَّها يجب أنْ تكون المقياس الذي به نقيس منسوب الحقيقة الموضوعية في الفكر، أيْ في كلِّ فكرة أو نظرية..؛ فـ "النظرية" هي، في أصلها، "تفسير افتراضي" لواقعة أو ظاهرة أو حادث. وهذا إنَّما يعني أنَّ "النظرية"، لا "الواقعة"، هي التي يمكن ويجب وَزْنها بميزان "الخطأ والصواب".
"الواقعة" كانت، على ما شاهد هابل، ابتعاد المجرَّات (التي لا تنتمي إلى مجموعة المجرَّات التي إليها تنتمي مجرَّتنا) عنَّا (عن الأرض، وعن مجموعتنا الشمسية، وعن مجرَّتنا، وعن مجموعة المجرَّات التي تَضُم مجرَّتنا). ولاحظ هابل أنَّ المجرَّة الأكثر بُعْداً عنا هي الأسرع في ابتعادها (عنا).
وكان "التفسير الافتراضي"، الذي من رحمه خرجت نظرية "الانفجار العظيم"، هو أنَّ كوننا يتمدَّد. وهذا التمدُّد المستمر إنَّما يعني أنَّ الكون كان أصغر حجماً؛ لكنَّهم اشْتطُّوا وتطرَّفوا في تصغير حجمه حتى قالوا بانبثاقه (قبل نحو 14 بليون سنة) من "نقطة عديمة الحجم، لانهائية الكثافة (Singularity)"، ناسبين ولادة الكون إلى ما أسموه "الانفجار العظيم"، الذي خَلَق (بخلقه الكون) كل شيء (المادة والزمان والمكان والفضاء..).
ومن هذا "الخطأ الكبير" تفرَّعت "أخطاء"؛ ففي "الفضاء المخلوق (أيْ الذي خُلِق على يديِّ "الانفجار العظيم")" تتحرَّك "الأجسام (النجوم والكواكب..)"؛ لكن كيف للكون كله أنْ يتمدَّد إذا لم يتمدَّد "الفضاء (المخلوق) نفسه"؟
ولإجابة هذا السؤال، افترضوا افتراضين: أنَّ كل "مجموعة" من "مجموعات المجرَّات" لا تنتقل (لا تتحرَّك) في الفضاء، وأنَّ الفضاء (بين "مجموعات المجرَّات") هو نفسه الذي يتمدَّد، فيبدو لنا، من ثمَّ، أنَّ كل "مجموعات المجرَّات" ترتد وتبتعد عن بعضها بعضاً، وعن "مجموعتنا". ثمَّ افترضوا وجود "طاقة داكنة" تملأ الفضاء، ويكمن فيها سبب تمدُّد الفضاء بين "مجموعات المجرَّات".
ومع أنَّ تشبيه تمدُّد الكون بـ "البالون المتزايد انتفاخاً" أجاب عن بعض الأسئلة الكوزمولوجية، فإنَّه أثار كثيراً من الأسئلة التي استغلقت عليهم إجاباتها؛ وكان أهمها "إلى أين يتمدَّد الكون؟".
إنَّه يتمدَّد في "فضاءٍ"؛ لكنَّ الفضاء جزء من الكون، وخَلَقَه "الانفجار العظيم" مع خَلْقِه الكون؛ فكيف لـ "الكُلِّ"، وهو الكون، أنْ يتمدَّد في "الجزء"، وهو الفضاء؟!
لم يكن من حَلٍّ إلاَّ افتراض وجود "البُعْد (المكاني) الرابع"، أو "الفضاء الآخر"، غير المرئي، والذي ليس بجزء من كوننا (Hyperspace)!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بسبب نفاد الوقود.. انقطاع التيار الكهربائي في مجمع ناصر الطب


.. وسائل التواصل الاجتماعي أدت لأزمة في الصحة العقلية بين الشبا




.. جمال الطبيعة ورهبتها في آخر ثوران لبركان إتنا


.. تفاعلكم | مفاجأة.. هذه عمليات التجميل التي أجراها بايدن وترا




.. أوكرانيا تعلن نجاحها في مراقبة وتتبع وضرب القوات الروسية من