الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأصالة والمعاصرة في الممارسة التشكيلية

إبراهيم بن نبهان

2013 / 11 / 3
الادب والفن



إن مفهوم العمل الفني المعاصر لدى بعض الباحثين قد يحمل في مضمونه بعض الأفكار الخاطئة التي لا بد وأن نفصح عنها لنجنب القائمين بالدراسة والتحليل في هذا المجال الوقوع فيها وهذه الأفكار هي: التشبع بالتراث الفني القديم وتكراره دون تجديد.
فالتعمق في علوم العصر وأساليبه بمعزل عن التراث القديم لابد أن نبحث أولا ما الذي ننحيه جانبًا، وما الذي ننتقيه من هذا التراث ومن ثقافات العلوم الحديثة، والتطور التكنولوجي حتى ننجح في نسج منظومة فنية معاصرة ومستحدثة. ولهذا فإنه من الضروري تفهم أعمال التراث بما فيها من مقومات، وأبعاد، وقيم مجردة، تكشف عما بها من أساليب مختلفة في تناول العناصر التشكيلية التي تعكس حسًا متميزًا بالعصر الذي تنبع منه بهدف استحداث العديد من التصميمات الزخرفية المناسبة لزماننا إذ إ ن المعاصرة تعني متابعة التقدم والتطور والتجديد والإبداع، هذا التطور والتقدم الذي هو تطور للفكر الإنساني الذي يتجدد من عصر إلى آخر برزت وتبلورت معالمه في أواخر القرن العشرين من خلال منهج علمي خاص يرمي إلى تحقيق كيان متكامل للفنان بشكل خاص بمعنى: ارتباطها بمفهوم التقدم والتطور والإبداع، أو بمدى اقتران تطورها بالفكر الإنساني وتقدمه والمنهج الخاص به من عصر إلى آخر، أو بمدى ارتباط منهجها باستثمار أحد فنون التراث التي تتفق مع الأيدلوجية الفكرية للفنان والتعامل مع التراث. وهذا المنهج العلمي تناوله الكثير من الباحثين والفنانين من وجهات نظر متعددة وحيث تلوح الحاجة إلى دعم من التراث يصبح ميسورًا لدى الفنان البحث المطلق الذي يؤكد اتجاهه التعبيري، فقد يستفيد متعلم من الفن الروماني أو الكلاسيكي القديم وقد يستفيد آخر من الحديث وثالث من العصور البدائية إن طريقة تقديم التراث يجب أن تقوم على محاولة إدراك القيم الجمالية والابتكارية وتذوقها في تلك الفنون، كما يجب تقديم تحليل القيم الرمزية فيها لتعرف ما بها من منظور وعلاقات قيمة، حتى يمكن إدراك العديد من العلاقات وإصدار بعض الأحكام الجمالية والفنية بهدف تذوق القيم الأساسية في فنون التراث" .
إن هذا المفهوم يمكن الاستفادة منه في مجال التصميمات الفنية بضرورة تفهم الاتجاه الذي يطرقه المصمم في بناء العمل الفني، هل هو اتجاه فلسفي أو رياضي أو هندسي أو وجداني أو رمزي.
ومن هنا فإن الفنان المعاصر عليه بالاعتدال فلا يقبل التراث قبولا مطلقًا ولا يرفضه رفضًا تامًا، كما يجب ألا يقف دوره في قبول التراث عند حدود النقل أو التفسير أو التصنيف، وإّنما يتعداها إلى معالجة بعض المشكلات المعاصرة والممالة ولكن بمنظور خاص و متميز.
لذلك يمكننا العودة إلى المشهد الفني العربي لنتحدث مجددا عن خصوصية الفن المعاصر، لعله من الطبيعي أن تتداخل السبل لتتوضح أكثر حول أهمية الممارسة التشكيلية المعاصرة، يمكننا أن نستشف تنوع الإبداع التشكيلي بمختلف أساليبه و تقنياته داخل مجتمعات شرقية تشهد ثقافاتها تجاذب كبير بين خصوصية التراث والمعاصرة. فتعتبر الحركة التشكيلية العربية من بين أهم الممارسات التشكيلية التي تواجه انحدرات و أزمات تتكرر باستمرار في كل مستوياتها، لاسيما وأنها بدأت في الظهور والنشوء من خلال اللقاء الزمني بين المجتمعات العربية والحداثة الغربية. تستمد الفنون التشكيلية العربية المرئية والبصرية الحديثة منها والمعاصرة رموزها و هياكلها نتيجة الاحتكاك بالمدارس الغربية المختلفة التي زودت المبدعين العرب بالكثير من التقنيات و الأساليب ، حتى انتشرت خصوصية الفن التشكيلي العربي في اغلب البلدان العربية.
ان الثقافة الإنسانية التي تميز امة ما، تقتبس تجلياتها من مخزونها الادبي والفني و الفلسفي اكثر من أي نشاط إنساني أخر ، لذلك فان الإبداع التشكيلي هو تعبير و بحث مستمر عن الخصائص الجوهرية لوحدتها الثقافية المتجذرة بهوية الأنا العربي و كيفية حضوره على الساحة الفنية المعاصرة دون تهجيين و سلخ هوية الإنسان العربي الشرقي في جذوره الضاربة في أعماق الماضي.
نتيجة الزاد الحضاري الهائل الذي تكتسبه الثقافة العربية تمنح الفنان المبدع عبقرية الخلق لينتج إبداع تشكيلي يؤهلنا لدخول العصر بما يحتويه من اختلافات و ثقافات، ما يجعل الفنان العربي جديرا بمواجهة كل التحديات و الأزمات التي تواجهه في الراهن الفني سواء الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي. لان مخزوننا الحضاري يتمثل في ذلك الموروث الذي ينحصر بين ثنائية الأصالة والمعاصرة بما فيها من أساليب و تقنيات تقودنا إلى خلق إبداع فني خصوصي و متجاوز. هذه المفاهيم لم تنحصر في وحدة موضوع محددة، بل شملت امتداد يتجلى في الثقافات الأخرى بما فيها من فكر وفلسفة وعلوم. وإذا حصرنا القول حول مفاهيم الأصالة والمعاصرة أو الخصوصية و التجاوز، فإننا نسلط الضوء على الماضي بما يحتويه من منجزات إبداعية وقيم روحية ومعنوية، يمكن تطويعها في العصر الراهن بما فيه من تطورات تكنولوجية و أسلوبية و صناعية. ومن هنا تأتي أهمية معرفة المرتكزات والقواعد الأساسية التي انطلقنا منها نحو المعاصرة في ظاهرة الفن التشكيلي لمعرفة معيار التحديث والتغيير. إن أصالتنا وموروثنا الحضاري من خط عربي و معمار و شعر و أدب أثرت في عديد الفنانين الأجانب و أصبحت لهم منبعا رئسيا في الممارسة التشكيلية الغربية .
ابراهيم بن نبهان باحث في الفنون التشكيلية تونس 22 جانفي 1987








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-