الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيام زمان...شربت الرمان

رشيد كرمه

2005 / 6 / 2
كتابات ساخرة


لبغداد ومعالمها وشخوصها و أماكنها الأدبية فضل على الجميع. ولا ينكر أحد من الأدباء والسياسيين ما لبغداد من دور فاعل على الشعر والقصة والمقالة والأغنية والمسرح والرسم فبغداد عاصمة العراق وحاضنة جميع الفنون, ففيها التقى الفنانون العراقيون مع أقرانهم من مختلف دول العالم وأسسو مدارس وتجمعات رائدة في الفن الحديث وفي مختلف فنون المعرفة , ففي بغداد فـسـحا ً من الحرية التي تفتقدها أكثر ( ألوية ) العراق.
ومن يريد المستقبل الواعد والمشرف عليه الدراسة في بغداد , ليتعلم في معاهدها وجامعته ومن يريد الإستزادة في التعرف على الشعر والشعراء والقصة والرواة , والمسرح والمسرحيين والغناء والمغنيين عليه _ الهجرة _ الى بغداد, التي تحتضن الملعب الرسمي الوحيد سواء الملعب الرياضي او السياسي ومن هناك تخطط الإنقلابات ومن هناك يبدأ مصير الوطن ومن يسيطر على بغداد واذاعتها يسيطر على العراق وعلى الجميع.
وبغداد ومنذ تأسيسها تعانق دجلة الخير وتفخر بأبو نؤاس الشاعر والشارع, حيث تصطف على جانبيه حانات وبارات ومقاهي ومطاعم , وما ان تُخيم تباشير غروب الشمس حتى يتعالى من جرف دجلة صوت ام كلثوم .. أعطني حريتي وأطلق يدي .. وانت الحب ... وانت عمري ..... ولسة فاكر ,وو .. وتنفذ اليك روائح عبقة من التاريخ ومن الحاضر تختلط مع روائح شواء السمك( السمك المسقوف ) وشواء اللحم , وما ان تقترب من حانتها حتى تشم رائحة الأكل العراقي ورائحة ولا كل الروائح انها رائحة العرق العراقي بمستكيها وعصريها بأبيضها واسودها ولم لا ؟ فانه شارع أبو نؤاس الشاعر العباسي الذي نسجت حوله الكثير من الحكايات .
وكان أيام زمان في شارع ابو نؤاس ايضا ً .. محلا ً لبيع الشربت , شربت عصير الرمان وكأنما اسس هذا المحل لإشباع حاجة الناس ممن لا يتقربون الخمر والخمارين أ و انه نوع من تحقيق التوازن في هذا المًعلَََم المهم, رغم أن الخمارين وعند انتهاء حفلات الشرب يقصدون ( جبار ابو الشربت ) ليأتمنوه شارع ابو نؤاس كله وليودعوه على امل اللقاء بيوم جديد واعد بالحرية والحبيب .
ولم يكن أحد يعرف من هو جبار ابو الشربت قبل سنة1960 كما لم يكن شارع ابو نؤاس قد تعرف عليه , إذ كان جبار يكنى (بأبو الوطن ) فلقد عاش وترعرع في محلة المهدية في الحلة ولقد كان مساعدا ً لأبيه الحاج عبود الكاسب والقهواتي في آن واحد وكان حاج عبود قد مارس بيع المرطبات المثلجة في ايام صيف العراق اللاهب سيما وقد اُنشأت في عام 1952 في الحلة شركة مساهمة ّذات مسؤوليه محدده ذ .م .م اسمها ( الوطنية ) لبيع المرطبات المثلجة _ الدوندرمة _ . وكان المنادي خلف العربة الخاصة بحفظ المرطبات هو جبار الذي يجوب أزقة الحلة وأسواقها منادياً ( وطن ...وطن ..برد قلبك بالوطن ) وكان الأولاد يهرعون الى آبائهم وأُمهاتهم :لقد جاء ابو الوطن ..أريد وطن .. وربما يبدأ البكاء ,والصراخ والزعل والعويل( بشأن الوطن )ومن هنا و كعادة مجتمعاتنا أرتبط اسم جبار عبود بمهنته و بما يسهل المعرفة به وأصبح يكنى جبار ابو الوطن .....واصبح أولاده من بعده يحملون لقب ابو الوطن .
وبين عام 1952 الى عام 1960 الكثير من الأحداث منها ثورة 22 يوليو المصرية وانتفاضة تشرين في العراق والعدوان الثلاثي على مصر وبيان فاعلية الشيوعيين العراقيين بتعبئة الرأي العام أزاء ما يجري مما ساعد على الإسراع في قيام جبهة الإتحاد الوطني ومما عجل باسهام لجنة الضباط الأحرار في الثورة في 14 تموز 1958 وكان لابد أن تسمى الأشياء بمسمياتها ,, وماتت مثلجات الوطنية في أزقة الحلة وخرائب الجامعيين. وأتجه جبار ابو الوطن لمهنة أُخرى وهي عصر الرمان وبيعه بعد التعامل مع عصيره وتحويله الى شربت الرمان .
وازداد عدد افراد جبار ابوالوطن واثقل كاهله وتعددت المطالب , فكان لابد من التفكير في مصدر رزق جديد سيما وان الأقتصاد العراقي انتعش لتحرره من الأرتباط _بالإسترليني _ واصبحت عائدات النفط تدر للعراقيين دخلا ً مهما ً واصبحت التغذية المدرسية دليلا عمليا على ماقاله قادة الثورة بان لجميع العراقيين حصة بالنفط وعوائده وتحسنت العمله العراقية وتبدلت من _ عانه اربع فلوس _ الى عملة جمهورية وبقيمة خمس فلوس وترددت ترنيمة _ عاش الزعيم الزود العانه فلس _ على السنة الناس . وأزاء كل هذا وغيره كان لابد من التفتيش عن مكان ٍ ومنطقة ٍ أوفر حظا ً من الحلة ولكون جبار عاشق خمرٍ ويريد ان ينال من الحرية نصيبا ً, إذ لا زال يتحاشى شرب الخمر امام والده الصارم والمتزمت الحاج عبود رغم انه اصبح بالعرف الإجتماعي رجلا وابا لعدد من الأولاد والبنات فوقع اختياره على بغداد وفي محل صغير بجانب سينما السندباد وسرعان ما وجدت بضاعته سوقا رائجا ً مما جعله يستأجر محلا _ دكان صغير في شارع ابو نؤاس_تعتليه قطعة كبيرة ( شربت الرمان لصاحبه جبار ) ولم تمضي فترة طويلة حتى غَلب اسم جبار ابو الشربت على الإسم القديم جبار ابو الوطن..
ومرت الأيام ... ودارت الأيام .. وسهر الناس مع سيد مكاوي.. وكل يدعي هذه ليلتي .. وابو نؤاس يوزع لندمائه الكؤؤس وجبار ابو الشربت يغزو بغداد مع ابناءه الستة بشربت الرمان.ويتسلل في ظلمة ظلماء وحش كاسر,ويرتعب الجميع من دراكولا القرن العشرين , حيث بدأ بامتصاص دماء العمال متلذذاً ومنهم شقيق جبار ( ابراهيم عبود ) والذي لم يكن قد مضى على زواجه اكثر من ثلاثة أشهر, ولقد اعتقلته دوائر أمن النظام في معمل نسيج الحلة لتودعه في تراب الوطن الذي احاله البعثفاشيون الى مقبرة جماعية , ومن هناك ومن الحلة حشروا ما تبقى من عائلة ابو الوطن في سيارة عسكرية ليرموهم على الحدود الأيرانية ‘ ليصارعوا الزمن من عادياته بعدماخطف فرح العراق طوفان فريد لم يرى مثله نوح ومن عاصره , وتغرق الحانات والبارات والمطاعم والمركز الثقافي وابو نؤاس وتختنق الأصوات ويختفي البشر وتتلاشى الروائح العطرة لتحل محلها عوادم المجنزرات المتعددة الجنسيات لتنشر سمومها على ضفاف دجلة وتعود العوائل الأصيلة تبحث من جديد على اعشاشها ومنهم ( رحاب ابراهيم عبود ) لتتلمس ما سمعت عن تاريخ بغداد وحكايا اهلها ولتفاجئ بظهور جماعات همجية جاءوا ليثأروامن بلاد الف ليلة وليلة و من ابو نؤاس وندماءه وليغطوا شارعه بسواد مستورد ٍ من الخارج وتنتشر مفارز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باحثة عن الإبتسامة وألأمل التي أخذها معه جبار ابو الوطن أو جبار ابو الشربت حينما توفي كمدا ًوحيدا في بيت من بيوتات المشتل في بغداد ليلة 28 /5/2005 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن عن أدائه في المناظرة: كدت أغفو على المسرح بسبب السفر


.. فيلم ولاد رزق 3 يحقق أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية




.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال