الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإعجاز العلمي في بورصة التفسير العصري

محمد حمزة

2013 / 11 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي



اتسع نطاق التفكير الغيبي في بلادنا مع اكتساح ما سمي بفكر "الصحوة" للفضاء العمومي و بدأت ظاهرة هروب بعض المثقفين و أساتذة جامعيين إلى رحاب الغيبيات . و بدأت معها اجتهادات تحاول التوفيق بين هذا الفكر و العلم و التكنولوجيا .
فكر" الصحوة " الغيبي هو استخدام للمعايير المزدوجة في فهم الخرافة و الحقيقة خصوصا في مجتمع ما أيسر أن تتحول فيه الخرافات إلى حقائق و ما أيسر أن تنقلب فيه الحقائق إلى خرافات.
العلم الزائف ك "الإعجازا العلمي" هو الأخر رسخ المعاش الخرافي ، وما يستتبعه من ممارسات غير علمية. فالخرافة - بالعلم الزائف - تأتي الآن ومعها مؤيدون يربطون نصوصها بالعقل بأدلة واهية و بالدين حتى لا يتركوا مجالاً لأحد أن يشكك في دعواهم. وبهذا نخلق الخرافة ونقحمها على العقل ثم نجعل لها سنداً دينياً .فمع خرافة الإعجاز العلمي كعلم الزائف نعيد إنتاج الاعقلانية الأوربية للقرن 18.
و فكر " الإعجاز العلمي " المصاحب لفكر " الصحوة" " اختصاص جديد " بدون أداء معرفي -;- هو ابن شرعي للفلسفة اللاعقلانية المبنية على تراث الشك الابستمولوجي الذي نشأ في أوربا في القرنين 17 و 18 و الذي كانت تمثله الكنيسة الكاثوليكية في القرن التاسع عشر في حركة فلسفية بالغة الزخم يمثلها " لامينيه " و " دوبونال " في كتاب اشتهر كثيرا في أواخر القرن التاسع عشر تحت عنوان " دليل الطبيعة على وجود الله و الشريعة " .فقضية الإعجاز العلمي في الكتب المقدسة هي قضية قديمة , فكل ديانة تحاول أن تثبت أن كتابها الديني يتحدث عن " حقائق علمية ".
إن انتشار فكر " الإعجاز العلمي" يحرض على الكسل الثقافي, و يوهم الناس أنه بمقدورنا استخراج قوانين علمية من النص القرآني , بتحميل النص ما لا يطاق و إعادة إنتاج عدمية معرفية هوياتية سميت " اسلمة المعرفة " بإرداف النعت الإسلامي بمجالات شتى من الحياة لا يتبادر إلى العقل السليم إطلاق الصفة الإسلامية عليها , من الاشتراكية الإسلامية إلى المجتمع الإسلامي إلى الدولة الإسلامية مرورا بالطب الإسلامي و الاقتصاد الإسلامي و علم الاجتماع الإسلامي , ناهيك عن التوظيف الإسلامي للأموال. و كما أن الاقتصاد الإسلامي في فكر الصحوة اقتصادا ليس كالاقتصاد و المجتمع الإسلامي مجتمعا ليس كالمجتمع , و الدولة الإسلامية دولة ليست كالدولة , و أن جعل النعت الإسلامي لعاديات الحياة و لعمليات الحس و الوجدان نعتا يفوق صفات الحياة و العقل و يتعالى عليها و كأن هناك فائض معرفي يرجى من النعتين الإسلامي للمعرفة كما لفروعها كالطب و الاقتصاد .
إن تثبيت إسلامية المعرفة نتاج لفكر "صحوي" يفترض المجتمع كاملا متكاملا مكتملا منذ بدايته , مستقرا في قراءة كيانه على مطابقة المتطلبات الشرعية و أنه يمكن بالتالي قراءة المجتمع عن طريق قراءة مجتمع "يثرب" بحسب رواية خيالية لتجربة هذا المجتمع وبواسطة قراءة "الشريعة" التي يفترض وهميا أنها تمثل حقيقة ممارسة " الأمة " .إن نقض المعارف غير الإسلامية يقوم على ضرب من العدمية المعرفية تنفي الصفة العلمية عن العلوم الاجتماعية باستخدام مفهوم بدائي خلاصي للعلم و استخدام القرآن كمصدر للمعارف التاريخية بدون مراعاة الوقائع التاريخية للنص/ موضوع الاستخدام.
إن فكر "الإعجاز العلمي" المصاحب لفكر "الصحوة" يسقط التدين على العلم بالتوفيق الإرادي بين موضوع الدين الذي يرتبط بالإيمان في مقابل التجريب الخاضع لبناء علمي ولأسس علمية . ففي مجال الدين نجد رجل الدين ,الفقيه ,المفسر والمحدث و كل هؤلاء ينطلقون من نصوص واضحة سواء في مجال العقيدة أو في مجال الشريعة . أما في مجال البحث العلمي , فإننا نجد الباحث الذي لا يملك نصوصا و لا قضايا يجزم بأنها صحيحة , بقدر ما يمتلك أدوات منهجية يخضع من خلالها مجموعة من الظواهر الطبيعية للافتراض و التجريب , فهو لا يمتلك حقائق مسبقة بقدر ما أنه يبني هذه الحقائق بناءا علميا .
إن سلعة "الإعجاز العلمي" أصبحت تجارة رائجة في العالم كله , زادها نفط الخليج وفضائيات نفط الخليج (أو الفضاعيات حسب نعت صديقي الصحفي الصيدلاني مولاي إدريس أبو زيد) زادها رواجا .و أصبحت لهذه السلعة اللاعقلانية مؤتمرات ممولة بالريع النفطي ، هذه العدوى انتقلت إلى المغرب و كأن فكر الإعجاز العلمي هو الدواء الشافي لداء الأمة التي تعيش أسوء مراحلها التاريخية . فجميع التقارير الدولية تصنفها في المراتب الأخيرة , و خصوصا على مستوى التعليم و البحث العلمي . فتجاوز تأخرنا العلمي لن يتأتى بالعودة إلى الكتاب و السنة لاستخراج النظريات العلمية , و لا بنشر وهم لدى العامة بأن النظريات التي يستخلصها الغرب في مختبراته موجودة في القرآن والسنة .
ما هي إذ المجهودات التى سنجنيها علميا أو ستجنيها كليات العلوم من هذه المجهودات ونحن نستورد كل المنتوجات العلمية من الغرب و نتلقى المعارف منه و ندرس "نظرياته" من الابتدائي إلى العالي .و هل يمكننا المساهمة في بناء الصرح العلمي الحديث و الانخراط علميا في المتاح للبشرية جمعاء عبر تأصيل نظريات الغرب من خلال ربطها بآيات قرآنية و أحاديث نبوية ؟ فالعيب ليس في عقد مؤتمرات في فكر "الإعجاز العلمي" , و إنما في أن تعقد في مدارس للمهندسين و كليات العلوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صاروخ باليستي روسي يستهدف ميناء أوديسا


.. ما فاعلية سلاح الصواريخ والهاون التي تستخدمه القسام في قصف م




.. مراسل الجزيرة يرصد آثار القصف الإسرائيلي على منزل في حي الشي


.. خفر السواحل الصيني يطارد سفينة فلبينية في منطقة بحرية متنازع




.. كيف استغل ترمب الاحتجاجات الجامعية الأميركية؟