الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظاهرة ابن - القائد- في النظام السياسي العربي الحديث

فالح الحمراني

2013 / 11 / 4
مواضيع وابحاث سياسية




التصريح الذي اطلقه رئيس العراقية نوري المالكي اخيرا بصدد نجله احمد وشجاعته الفائقة في القضاء على جناة لم يتمكن رجال الامن من القضاء عليهم اثار الكثير من ردود الافعال في العراق وخارجه، وبعث على الكثير من الذكريات الحزينة والمؤلمة التي احتوتها حاضنة الذاكرة الجماعية والشخصية عن دور " ابن " او ابناء "القادة العرب" في تشكيلة النظام السياسي الحديث.
لقد ارتبطت ظاهرة تقديس ابن " القائد" وبروزه المفاجئ على الساحة السياسية العربية وليس وحدها،بصورة مفاجئة مع ميول ومخيلات هذا الزعيم او ذاك نحو احلال نظام استبدادي او ديكتاتوري، وراحت تحل محل مؤسسات الدولة مؤسسة العائلة والبطانة والعشيرة والنخبة التي تداهنه وتخضع لإرادته في سبيل تحقيق مصالحها الخاصة في الحزب الحاكم الذي عادة ما يترأسه. وعادة ما يتم البدء في دفع "الإبن" الى المقدمة بخطوات خجولة ومنحه مهام تبدو ثانوية وتروح وسائل الاعلام الحكومية تسلط الضوء على النجاحات الكبرى التي حقهها "إبن القائد" على صعيد المهام التي انيطت له. وغالبا ما تكون هذه المهام في مجال الرياضة والميدان العسكري او الشبابي... لإظهار " عبقريتهم" وكونهم " فلتة " زمانهم، ويتطوع رجال صحافة وثقافة ورياضة كرها او تملقا او بدوافع وصولية لرسم الصورة " البطولية" لابناء "القادة".
ولأن اؤلئك "القادة" منقطعين عن الواقع او متجاهلين وحتى محتقرين له وقانعين بواقعهم، فانهم يعربون علنا ودون خجل عن ان ابنائهم "فلته زمانهم" ويتميزون بصفات لا يتميز بها الضباط ولا الشعراء ولا الكتاب ولا المثقفين. وغالبا ما يكون هؤلاء القادة على عدم معرفة وثيقة بمواهب ابناءهم وقدراتهم وربما لم يشاركوا بشكل فعال في تربيتهم وتطوير شخصياتهم، نظرا لانشغالاتهم في الامور السياسية والحزبية وحياكة المؤامرات والمضاربات وغيرها من انشغالات السياسي الطامح للقمة.
وتتزامن ظاهرة " ابن القائد " على الساحة السياسية في هذا البلد او ذاك مع ممارسات الاستهانة بالدستور والقوانين المعمول بها والتجاوزات على الحريات السياسية ومحاولات تهميش المعارضة والتعامل معها ليس كمنافس سياسي مُشرعن قانونيا لطرح البديل للنظام القائم والبحث عن سياسات وبرامج اكثر بناءة وناجعة لتخليص البلد من السلبيات والصعوبات القائمة، بل كخصم للبلد باسره. ان " الزعيم " الذي يصور لنفسه وتوحي له البطانة المنتفعة " بانه الاوحد" وانه مستهدف "من قبل الخصوم" يبدأ بالبحث عن السند الذي يثق به لتعزيز مواقعه ويكون ايضا العين الحارسة " التي لا تغمض" لمراقبة الدوائر الحليفة وغير الحليفة، وقطع دابر من يعتقد بانهم يتحينون الفرصة للاطاحة به، وإضعاف مواقعه ،وبالتالي اعداد "ابن القائد) ليكون الخليفة له، متناسيا بذلك احكام وقواعد تداول السلطة التي نصت عليها القوانين والدستور. ان القائد الاوحد عادة ما يعاني من هواجس مستقبله حيا او ميتا، هاجس ان القوى الاخرى ستشهر به بعد رحيله عن السلطة، وتفضح ممارساته وتجاوزاتها و خيانته للوطن.
أن ظاهرة "ابن القائد " ارتبطت وتزامنت مع بروز ظاهرة ما يمكن ان نطلق عليها " الجمهوريات الملكية" التي اتصفت بها الانظمة العربية التي جاءت عن طريق الانقلابات العسكرية. واطلق عليها الجمهوريات الملكية لان شكلها جمهوري اما محتواتها فهو نظام ملكي " مطلق" فالقائد يحكم من خلال العائلة ويسن بمفرده القوانين ويصدر الاحكام ويشن الحروب ويعلن نظام الطوارئ ويسحق المعارضة السياسية من دون العودة الى برلمان او مجلس استشاري. بل وان هناك زعماء تجاوزوا البرلمانات المنتخبة في قراراتهم زاعمين ان الدستور منحهم تلك لصلاحيات، دون العودة الى محكمة دستورية او هيئة قانوية عليا للبلاد للاستسفار عن مدى صلاحياتهم.
ان بروز ظاهرة " ابن القائد" ومنحه الادوار علنا في الساحة السايسة ومن دون سند قانوني شفاف وواضح ان لذلك يؤذن من دون شك بنشوء ميول استبدادية لدى الحاكم ومن ثم الانتقال الى حكم الفرد الواحد.
وقد برهنت تجارب الانظمة العربية على ذلك. ويؤكد ذلك بروز ظاهرة "ابن القائد" عدي صدام حسين مع استئثار الدكتاتور بالسلطة وفرض نفسه رئيسا مطلق الصلاحيات وتغييب القوى الاخرى واخلال محلها العائلة ومؤسسات الأمن والقتل، وكان الدكتاتور يعتقد بجد ان عدي ومن ثم الاصغر قصي صمام امان له في المحن والملمات. لقد ادرك الحس الشعبي العراقي السياسي خطورة " ابن القائد" حينها على مستقبل العراق وتداعياتها، فجرت محاولة اغتياله المعروفة للجميع. ولم ينفرد العراق بهذه الظاهرة فقد اعد الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد ابنه " باسل" لإاستلام السلطة بعد رحيله، ولكن القدر اختطفه بحادث سير فدفعوا بعجله بابنه الاصغر الرئيس السوري الحالي بشار للسلطة، لأن الاسد الاب كان على سرير الموت وليس ثمة خليفة اخر يثق به، وعلى خلفية ذلك روج العقيد معمر القذافي لإبنه سيف الاسلام ليكون البديل ومنحه سلطات ربما اكبر من سلطاته هو لكي يمد نفوذه على كافة الدوائر ومؤسسات البلد، وجند لذلك جزء كبير من عوائد النفط، ولكن الربيع العربي لم يمهله لتحقيق تلك الخطط الجهنمية ولم يمهل ايضا الرئيس المصري السابق حسني مبارك في تنصب ابنه الاكبر جمال على مقاليد مصر، وراح كتبة النظام يتحدثون عن انه ولماذا ليس جمال" اذا ما جرى حوله الاستفتاء" الذي نعرف نحن كيف كان سيجري ليحصل على 99.9% من الأصوات.لقد عرفت الانظمة الدكتاتورية بما في ذلك في كوريا الشمالية وفي روسيا ابان زمن ستالين واستبدلتها في كوبا بظاهرة "الاخ" لعدم وجود الابن كذلك ظاهرة " ابن القائد".
ان دولة القانون هي دولة مؤسسات وانها دوله الشعب باجمعه بكل مكوناته وطبقاته وطوائفه وليست نخبة وفئة تتلاعب بمصارها وتطورها كيف تشاء، وان قضية الحكم وتبني السؤوليات تعود للشعب ومؤسساته وحدها، وان موقع وتعين ودور كل مسؤول في السلطة يجب ان يعتمد على قانون معروف وشفاف. ان زج العائلة : الابناء والزوجات وابناء العشيرة في السلطة ظاهرة خطيرة لا تمهد ابدا لإقامة نظام حضري فعلا ديمقراطي، ويجعلنا نحس بانه استمرارا للنظام الديكتاتوري البغيض السابق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قتلة مخدّرون أم حراس للعدالة؟.. الحشاشين وأسرار أول تنظيم لل


.. وكالة رويترز: قطر تدرس مستقبل المكتب السياسي لحركة حماس في أ




.. أوكرانيا تستهدف القرم.. كيف غيّرت الصواريخ معادلة الحرب؟| #ا


.. وصول وفدين من حماس وقطر إلى القاهرة سعيا لاستكمال المفاوضات




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - وفد من حماس يصل إلى القاهرة لاستكم