الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس: الجري مثل الوحوش وحكومة الريتوش

محمد الحمّار

2013 / 11 / 4
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


"هناك إيديولوجيا تأخذ الكثير من الجهد لزرعها : إنها لا إنسانية حتى أنه من الصعب إدخالها في رؤوس الناس، وهي أن تعتني فقط بنفسك وتنسَى أي شخص آخر. ونسختها المتطرفة هي نسخة آين راند (فيلسوفة وراوئية أمريكية من أصل يهودي روسي: 1905- 1982). في الواقع، هناك محاولة عمرها 150 سنة، تحديدا، لمحاولة فرض هذه الطريقة في التفكير على الناس."

إنّ هذه الإيديولوجيا، كما يميط عنها اللثام نعوم تشومسكي في المقتطفات أعلاه، مطبقة اليوم في تونس وفي المجتمع العربي كافة إن لم نقل في العالم بأسره. و قد يكون سَريان مفعولها في بلدنا قد بلغ الذروة بعد"الثورة" في بلدنا. وهو أمر مضحك حقا. فهو مما يدلّ إما على أنّ الثائرين أردوها ثورة بعنوان "الرأسمالية الفردية"(وهو المصطلح الذي تعرف به الإيديولوجيا)، وإما على أنها ثورة ضد كل أشكال العنف، بما فيه العنف الرأسمالي الذي تستبطنه هذه الإيديولوجيا.

في الواقع لا يمكن بأي وجه من الوجوه أن نسند الاحتمال الأول. فهو غير وجيه بالمرة بل ويتناقض مع الشعارات التي رفعها الشعب في ما بين 17 ديسمبر و14 جانفي من سنة 2011 لعزل الرئيس السابق ومنه للتعبير عن الرغبة في حياة كريمة تتلخص في عبارات "خبز" و"حرية" و"كرامة وطنية". اللهم إلا إذا كان المقصود بأن بالمنتفعين بالخبز سوف لن يكونوا كل الناس وبأنّ الحرية المطلوبة سوف تكون بناءً عليه فقط تلك التي تُرسخ مبدأ الداروينية الاجتماعية والقائل بـ"البقاء للأفضل" أي للأقوى وللأكثر ثراءً (و هو ما يعبر عنه التونسيون في المثل الشعبي بـ "حوت يأكل حوت وقليل الجهد يموت") وبأنّ الكرامة تتمثل في تجويع الأغلبية على حساب أقلية مستنزِفة لخيرات البلاد وذات عقلية كمبرادورية.

يبقى الاحتمال الثاني هو الأقرب إلى طموحات شعب ذي 15 قرنا من الاعتدال والوسطية في كل شيء. لكن يبدو أنّ إرادة هذا الشعب تمّ تزويرها حتى أنها لم تعد قادرة على التعبير سوى عمّا تكنزه النسخة المزوّرة حيث إنّ مجتمعنا يعاني من ظواهر اقتصادية فجة وخارجة عن سيطرة السلطة. وإلا فكيف يُسمح للعديد من ذوي الشغل القار أن يتعاطوا تجارة أو صناعة أو مهنة إضافية تدرّ عليهم بمداخيل مالية تفوق الخيال أحيانا بينما يبقى أكثر من نصف مليون نسمة معطلين عن العمل. وإلا فكيف لا تراقب السلطة من يمتهنون التجارة والصناعة ممن لا يدفعون الضرائب المتخلدة بذمتهم والحال أنّ أسلاكا مثل الموظفين والمدرسين والعملة مضطرون لدفع الضريبة مباشرة من رواتبهم وأجورهم.

إنّ العدالة الاجتماعية، والعدل حسب الفقهاء في الدين أعلى المقاصد شأنا، لا تتطلب فقط الاتفاق حول شخصية مستقلة لتشكل حكومة تسيّر شؤون البلاد في المرحلة الحالية لتوصلها إلى مرحلة الانتخابات المقبلة وإنما تتطلب أيضا وبالخصوص أن تكون الشخصية المفتش عنها والحكومة التي ستنكب على شؤون العباد والبلاد من ذوي التصوّر الثوري العالمي، أي أن تكون دارية ومُلمّة بمضمون وأهداف الحركات الثورية المعاصرة والمناهضة للرأسمالية المتوحشة على غرار "احتلوا وُول ستريت". حينئذ يكون الردّ على قوى الهيمنة الاقتصادية العالمية بمَثلٍ عربي متداول في أكثر من بلد (وفي أغنية جميلة للبحريني أحمد الجميري) "لو جريت جري الوحوش غير رزقك ما تحوش".

في كل الأحوال لا نريد بتنويهنا بمثل هذه التحديات أن نسيء الظن بالفاعلين السياسيين ولكننا نتحسر كثيرا لمّا نشاهد هؤلاء يخوضون في الشؤون الآنية للبلاد بطريقة عادة ما تكون خالية من البُعد الثوري أي أنها تتخذ الديمقراطية فقط بصفتها شعارا لا بصفتها وسيلة للبحث عن سبل النجاة الاقتصادية والاجتماعية المتناسبة مع ظرف عالمي دقيق ومتحوّل. و فهل بعد جري الفاعلين جري الوحوش سيَقبل التونسيون بحكومة "ريتوش"؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس


.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب




.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا


.. قصة مبنى هاميلتون التاريخي الذي سيطر عليه الطلبة المحتجون في




.. الشرطة تمنع متظاهرين من الوصول إلى تقسيم في تركيا.. ما القصة