الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سقوط النموذج التركي

جاك جوزيف أوسي

2013 / 11 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


جرى الحديث بعد هبوب عواصف "الربيع العربي" وصعود حركات الإسلام السياسي إلى سدة الحكم في أغلب الدول التي زارها هذا "الربيع"، عن النموذج الذي يجب أن يُحتذى في البلدان العربية التي صعدت فيها الحركات الإسلامية إلى مواقع صنع القرار في الدولة، أو في البلدان التي تشارك فيها هذه الأحزاب في إدارة اللعبة السياسية أو تنشط في مجال الحقل العام والخدمات الاجتماعية والثقافية. وطُرِحَ في هذا المجال نموذج حزب العدالة والتنمية التركي كنموذج ناجح يُقدم الصورة الحضارية للإسلام من الممكن أن يُطبّق من قبل حكومات "الربيع العربي".
لكن هل هذا النموذج يستحق أن نقتدي به ونأخذه نبراساً نهتدي بهدّيه؟ للإجابة على هذا السؤال لا بد أولاً من توضيح أهم الأسس التي قامت عليها "التجربة التركية".
1- العلاقات السياسية والاقتصادية والتعاون مع إسرائيل، وإسرائيل بالنسبة لنا كيانٌ غير شرعي، غُرس في قلب الأُمة العربية غرساً ليكون رأس حربة الغرب الموجّهة نحونا.
2- عضوية حلق شمال الأطلسي، حيث تركيا هي العضو المسلم الوحيد في هذا الحلف والتي تقوم بتغطية سياساته العدوانية نحو بلدان العالم الثالث عموماً والعالم الإسلامي خصوصاً (غزو أفغانستان، احتلال العراق، المؤامرة على سورية). وتكفي هذه العضوية وهذا الدور حتى تنتفي صلاحية هذا النموذج باعتباره صالحاً لنا.
3- خلط المفاهيم العلمانية مع بعض المبادئ الإسلامية، فبدلاً من إعادة قراءة الإسلام بطريقة علمية ومعاصرة تستجيب لظروف الواقع وتنسجم مع متطلبات العصر الحديث ومشاكله. أخذ حزب العدالة والتنمية من الإسلام المظاهر والطقوس، واستخدم الشعارات البراقة بهدف توظيف العاطفة الدينية في خدمة الأهداف السياسية والمصالح الاقتصادية للحزب.
4- يهدف إلى إعادة إحياء الدولة العثمانية، حيث يُعرّف أعضاء حزب العدالة والتنمية عن أنفسهم بِالعثمانيين الجدد، ويُركّز خطابهم السياسي على البعد العثماني للدولة التركية، وإذا أضفت إلى العقلية الحاكمة لصقور هذا التيار النزعة الغربية الاستعمارية إضافةً إلى النظرة الأطلسية الفوقية، دون أن ننسى الماضي وآلامه والتاريخ المظلم وأتراحه الذي دوّنت سطوره التجربة المرّة للاحتلال العثماني لبلادنا وما رافقها من مذابح يندى لها جبين الإنسانية خجلاً، عندئذ سيبدو أدولف هتلر كالحمل الوديع أمامهم.
5- النزعة القومية التي تحاول نشر التتريك الناعم للشعوب التي كانت دائرة في مجال الدولة العثمانية. وفرض الهوية العثمانية بالقوة في الداخل من خلال رؤيتهم للقضية الكردية أو الأرمنية وحتى العلوية، حيث نرى التمييز العرقي أو الطائفي والمذهبي يطال أطيافاً كثيرة من المجتمع التركي. هذا الفعل ذو الطابع الاستبدادي يقوم على نظرية احتكار السلطة من منظور الحزب الواحد. وما يتبدى أحياناً إنه تنازلات سياسية من جانب العثمانيين الجدد لا يعدو عن كونه ترتيب للأولويات في ظل ما تشهده المنطقة من تحولات خطيرة.
6- الليبرالية الاقتصادية، هذا النموذج قد يحقق زيادة في الإنتاج ومن الممكن أن يحقق بعض الأرباح، لكنه لا يمكن أن يحقق العدالة الاجتماعية على المدى البعيد، لأنه يرهن مقدرات البلد جميعا ويُخضعُها للرأس المال الأجنبي الذي يفتش عن الربح غير أبه بأي شيء أخر.
ولسوء حظنا كان المسرح الأساسي الذي ستُعبر هذه النزعة عن نفسها عليه هو المنطقة العربية، ولكن هذه المرة بلغة إسلامية ومظهر أوربي وباطني شوفيني النزعة، والذي للأسف لاقى الترّحاب عند البعض الذي أعلى الرابطة الدينية المذهبية على الهوية القومية وقدّم العقيدة على مفهوم الوحدة الوطنية مما قد يُنذر بشق صف اللحمة الوطنية، في بعض بلدان المنطقة، خِدّمة لطموح بعض المتطرفين القوميين والمتعصبين الدينين في أنقرة الذين قرروا في لحظة ما أن الوقت قد حان لإعادة المجد لدولة بني عثمان.
قام النموذج التركي استناداً إلى مبدأ هام وهو، أن الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية قادرة على بناء أنظمة ديمقراطية مستقرة داخلياً و منفتحة خارجياً، وقادرة على تحقيق رخاء اقتصادي لشعوبها، وتستطيع الإسهام في بناء الاستقرار الإقليمي. وبعبارة أخرى يُصرح النموذج التركي بعدم وجود تعارض بين المرجعية الإسلامية والمرجعية الديمقراطية.
استطاعت تركيا بالفعل في السنوات الأولى لحكومات حزب العدالة والتنمية أن تحقق نجاحاً ملموساً في عدد القضايا الاقتصادية والسياسية، إذ استطاعت أن تتقدم إلى المستوى الـ17 في ترتيب الاقتصاديات الدولية. وهو ما أضفى نوعا ًمن النجاح الظاهري على النموذج التركي، لكنه ظّل قاصراً في إخفاء الجوانب المظلمة للمجتمع التركي. فما زالت قضية أكراد تركيا معلّقة في الهواء، واحتمالات عودة حزب العمال الكردستاني للأعمال العنيفة قائمة بقوة الآن، بل إن زيادة التوظيف التركي للانقسامات الطائفية في الأزمة السورية تحّول إلى قنبلة قابلة للانفجار قي أي لحظة داخل تركيا نفسها، لا سيما فيما يتعلق بالعلويين الأتراك الذين يشعرون بمرارات شديدة نتيجة القيود الدينية والثقافية المفروضة عليهم، إضافة إلى الشحن الطائفي الذي شُن ضدهم من جراء الصراع الدائر في سورية. أما بالنسبة الأرمن، فحدث ولا حرج، فحتى الآن لم يستطيعوا الحصول على وعد من الحكومة التركية بإجراء تحقيق غير متحيز وموضوعي في "ادعاءات الإبادة"، حسب قول الأتراك، التي ارتُكبت عام 1915 بحقهم.
ومما سبق، نستطيع القول أن قواعد المنظومة الديمقراطية في النموذج التركي ليست على ما يرام، صحيح هناك انتخابات حرة، لكن الحريات بمعناها العام تعانى الكثير من التراجع، وشعور فئات اجتماعية بالخوف على نمط الحياة التركي المدني بات في ازدياد متصاعد، ومعاناة العديد من الصحفيين الأتراك في السجون التركية أصبحت أمراً عادياً، حيث يوجد حوالي 83 صحفياً تركياً في السجون لمعارضتهم سياسات حزب العدالة والتنمية. فضلاً عن سجن عددً كبيرً من قيادات الجيش التركي مؤخراً بحجة الاشتراك في مؤامرة "أرغينكون"، والتي يتهم أردوغان الجيش بتدبيرها للإطاحة به من سدة الحكم.
إن الحلم السلجوقي للعثمانيين الجدد قد بدأ بالاندثار، ولقب السلطان الذي كان أردوغان يحلم به كان سحابة صيف عابرة. فبعد أن تدثّر العثمانيون الجدد بعباءة "الإسلام الناعم" موهمين الغرب بقدرتهم على تقويض الحضارة العربية والقضاء على رسالة العرب الإنسانية وتعطيل قدرة العرب على الدفاع عن حقوقهم المشروعة ومصالحهم الحيوية ضد الذئب الصهيوني الذي يرتع في سهولنا وجبالنا. بانت نواياهم الخبيثة عندما كشّروا عن أنيابهم، واستعدوا لتقاسم الغنيمة مع شريكهم الإسرائيلي. لكن حِساب البيدر لم يطابق حساب الحقل، لأن صمود سورية في وجّه الغزو الهمجية التي شُنت عليها قد حطّم الحلم العثماني، وتبعثرت شظاياه في أحداث ساحة "تقسيم"، قاسّمة المجتمع التركي إلى تيار علماني وجماعة دينية قد يرسم صراعهم على السلطة مستقبل تركيا في قادم الأيام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م


.. شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول




.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم