الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتظار _ قصة قصيرة

سنان نافل والي

2013 / 11 / 4
الادب والفن


على الرغم أن الوقت تجاوز الواحدة صباحا الا انه ما زال يقف أمام المراة وهو يرتب ملابسه للمرة العاشرة أو أكثر وضوء المصباح الباهت في الغرفة يعكس ظله المرتبك على الحائط بينما ما زالت قطرات المطر تدق بنعومة واستحياء على النافذة الصغيرة المطلة على حديقة المنزل . لقد اشتقت اليها كثيرا ..! همس مع نفسه وهو يحاول تغيير ربطة العنق الزرقاء المنقطة .. لم أرها منذ وقت طويل , كيف أصبحت الان ؟ شعرها الاسود الناعم , هل ما زال طويلا ؟عيناها الواسعتان .. ياالله كم أنا مشتاق لضمها !! مشى بضع خطوات صغيرة ليفتح النافذة قليلا واذا بهواء بارد يجتاح أرجاء الغرفة مبعثرا بعض الرسائل القديمة المتناثرة فوق المنضدة القابعة في زاوية الغرفة . كانت نظراته التائهة تجول زوايا المكان الصامت كصمت الجبال في الليل وكأنها سفينة تائهة منذ مئات السنين تبغي الوصول الى شاطئها المفقود . غدا سألقاها .. أنا أعلم ذلك ! تمتم وفرح غامض تسلل ببطء الى شفتيه النحيلتين لتكشفان عن ابتسامة أكثر غموضا . غدا سأراها مجددا .. نجلس ونتحدث معا لساعات وساعات كما تعودنا دائما .. امسك يدها .. أصابعها النحيلة أشم عطرها و ..هل تذكرين حبيبتي أول مرة التقينا فيها ؟! ضحكت قطرات المطر واهتزت الريح في الغرفة كراقصة في ناد ليلي وهي تهمس في اذنه .. حبيبي , كيف يمكن أن أنسى ذلك ؟ كانت أول مرة أعرف فيها أن الحياة موجودة !! مرر أصابعه فوق شعره المجعد الذي غزته الالوان البيضاء من كل حدب وصوب ومحدقا في المراة ذات الاطار الأسود أمامه .. لكن أنا لا أفهم ..! أرتفعت نبرة صوته ليسأل .. لماذا ذهبت فجأة ؟ انتظرتك طويلا .. طويلا لكنك لم تعودي ! وهمست الريح في اذنه ثانية .. أنا ايضا لم أرد الذهاب حبيبي لكن كان يجب أن أذهب , صدقني ! . انتفض بعصبية وهو يرمي سترته البنية ذات الأزرار السوداء على السرير بجانبه ..لا ..! هذا غير صحيح ..غير صحيح ! وضع كلتا يديه فوق وجهه وجلس منهكا على الكرسي الأسود الصغير بجانب السرير , عندها بدأت اولى الدمعات تعلن عن بداية مسيرتها الظافرة نحو هدفها المنشود وأخذ يردد بيأس .. لم تعودي تحبينني .. أنا أعرف ! تركتيني لوحدي ..لوحدي . زأرت الريح بشدة وتحركت بعض الغيوم السوداء المنتشرة على طول الليل المخيف بسرعة شديدة وكأنها تريد الهروب بحملها الثقيل الى مكان اخر . لماذا فعلت ذلك ؟ لقد تعهادنا على البقاء سوية .. لماذا ؟! وقف على قدميه بشكل مفاجئ واتجه نحو المراة ممسكا بها بقوة وكأنه يريد الخول فيها ..لماذا أنت صامتة ؟! صرخ فيها بأعلى صوته , أجيبي .. أنت تعرفين أنني لا أستطيع العيش بدونك ! ها .. أجيبي , قالها بعنف وهو يهزها بكل قوته وما هي الا ثواني معدودات حتى خلعها من مكانها على الحائط وبدأ يدور معها في حلقة من الهيجان والعصبية حتى وقعا سوية على الأرض كراقصين منهكين بعد ليلة صاخبة , وتهشمت المراة الى قطع متناثرة من الصمت هنا وهناك بينما عيناه لم تتحركا عن صورة حبيبته المعلقة على الجدار وقد احتضنها شريط أسود عريض وضع على جانبها ليعلن على الملأ عن رحلتها الأبدية . نهض من مكانه بتثاقل وهدوء وأتجه نحو النافذة ليغلقها , ثم أطفأ ضوء المصباح الخافت وقبع جالسا على الأرض في زاوية الغرفة المظلمة ليعلن استسلامه لمسيرة الدموع التي ما لبثت ان ازدادت قوة وشراسة وهي تعلن نفسها وريثا مستحقا للغيوم السوداء التي أخذت بالهروب مطمئنة ممن أخذ عنها دورها السماوي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا