الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور تماثل عقائد السلوك السياسي في عملية الإندماج الإقليمي

بلغيت حميد

2013 / 11 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


مقدمة:
بالنظر إلى المؤشر الكمي المعياري كعدد الاتفاقيات و المعاهدات الثنائية والجماعية المبرمة بين دول المنطقة المغاربية، قد يبدو أن العلاقات البينية يطبعها التعاون و التكامل، لكنه إذا ما تم الأخذ بالمعيار السلوكي كأساس لتحليل التفاعلات الإقليمية في المنطقة، تتبدى حقائق مخالفة، وهي انطباع العلاقات المغاربية-المغاربية بالتوتر والصراع وعدم الاستقرار.
وقد تعزى مقوضات التكامل الإقليمي، إما إلى وجود جغرافيا غير مطواعة، كما هو الشأن في منطقة شرق آسيا، حيث يعيد أمراتيا صن توثر العلاقات الهندية-الصينية أساسا إلى ما أطلق عليه "الاستبداد الجغرافي"، ويميز روبيرت روس في بعض من دراساته بين جغرافية الحرب وجغرافية السلام والجغرافيا الميسرة للهيمنة والأخرى الباعثة على التكامل. وقد يرد توثر العلاقات إلى ثقل الموروث التاريخي أو إلى وجود نخب حاكمة تعوزها الإرادة السياسية في الاندماج.
وأمام وجود جغرافيا مطواعة وتاريخ غير ممانع لعمليات الاندماج في المنطقة المغاربية، يمكن حصر عقبات التكامل الإقليمي في وجود عقائد سياسية غير متماثلة. ولغرض هذه المداخلة يقصد بالعقائد السياسية، مجموع الآراء والمبادئ التي تشكل نظاما فكريا وسلوكيا لمسألة الفعل السياسي للدولة داخليا وخارجيا، ويمكن استخلاصها من الأنماط الناتجة عن الوقائع التكرارية الاعتيادية المتماثلة نسبيا والتي تحدث عبر فترة طويلة من الزمن.
ولتناول العقائد السياسية الموجهة لسلوك بلدان الاتحاد المغاربي ودورها في عملية التكامل الإقليمي صعودا وانخفاضا، يجب التساؤل في المقام الأول عن مصدرها، هل نشأته عن طبيعة التفاعلات الدولية على المستوى العالمي، أم أنها ناتجة عن السلوك الخارجي للدول الواقعة في هذا الإقليم؟ ثم، كيف تتحكم هذه العقائد الموروثة في إصباغ العلاقات البينية بالصراع والتناحر؟ وأخيرا، كيف يمكن للتحولات السياسية الراهنة خلق عقائد سلوك جديدة تدلل عقبات التكامل الإقليمي؟.
وعلى أساس هذه التساؤلات سيتم تناول موقع المنطقة المغاربية من التفاعلات الدولية في المحور الأول، مرورا بتبيان العقائد المتحكمة في السلوك الخارجي لدول الاتحاد المغاربي في المحور الثاني، ثم أخيرا، التطرق في المحور الثالث لمتطلبات عقائد الاندماج المجالي الفعال على ضوء الحراك السياسي الراهن.
I – موقع المنطقة المغاربية من التفاعلات الدولية:
تختلف الدول والأقاليم من حيث درجة تأثيرها وتأثرها بالتفاعلات الدولية، فنجد بعضها تستقبل وتتدفق إليها هذه التفاعلات أكثر من أن تكون صانعة لها والعكس عند البعض الأخرى.
وعلى أساس تباين درجات التأثير ووقع تدفق هذه التفاعلات، يتم التمييز عادة بين ثلاثة أنواع من الأقاليم، الأقاليم المركز القريبة، الأقاليم المركز البعيدة والأقاليم الفرع أو الأقاليم المحيط والهامش.
وقد تنتقل بعض الأقاليم من موقع إلى آخر، بفعل تحول النظام الدولي وتغيير طبيعة التقاطب السائد فيه وعدد القوى المشكلة له، فقد كان إقليم شرق آسيا قبل الحرب العالمية الثانية إقليما فرعيا وتحول إبان الحرب الباردة إلى إقليم مركز بعيد وتوحي مؤشرات تحول القوة في الوقت الراهن إلى تبوءه موقع الإقليم المركز القريب.
وبالنظر إلى المنطقة المغاربية إبان الحرب الباردة، سنلفي أنه نتيجة للبعد المتوسطي للمنطقة المغاربية وتركز التجارة الدولية في البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلنطي، كمناطق ترونزيت دولية، إلى جانب معطى استراتيجي يتمثل في تواجد الأسطول السادس للولايات المتحدة على مقربة من الحدود الليبية، وكذلك الاندفاع المتزايد لقوة الاتحاد السوفياتي لبلوغ المياه الدفيئة، إضافة إلى اعتبار شمال إفريقيا بوابة ولوج العمق الإفريقي. كل هذه المعطيات جعلت من المنطقة المغاربية إقليما لتجاذبات وتقاطبات السياسية العالمية وأفضت به إلى أن يعد إقليما مركزا بعيدا.
وغالبا ما تخضع التفاعلات الإقليمية وطبيعية النظام الإقليمي لأقاليم المركز البعيدة، لمنطق سيلوك القوى الكبرى أكثر من خضوعها للفعل الخارجي الدول المشكلة له، وهكذا يبدو أن العقائد السياسية للتفاعلات الإقليمية في المنطقة المغاربية كانت أسيرة المنطق الذي يدار به الصراع الشرق – غرب في مرحلة الحرب الباردة.
وأمام تحول طبيعة النظام الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتحول مركز ثقل التجارة العالمية من منطقة الأطلنطي والمتوسط إلى منطقة آسيا-الباسفيك، وبفعل الطابع المتأرجح للقوة الأمريكية على حد تعبير جون ميرشيمر J. Mersheamer، حيث تتدخل في مناطق عديدة دون أن تلتصق بأي منها بشكل دائم، خصوصا بالنسبة للأقاليم غير الحبيسة كالمنطقة المغاربية، التي تحوز مناعة من التدخل المباشر بفعل ما يطلق عليه كنيت والتر بقوة الماء المانعة.
وإزاء هذه المتغيرات، يبدو أن موقع المنطقة المغاربة قد انتقل من الإقليم المركز البعيد إلى الإقليم الفرع، الأمر الذي أضعف ثقل تدفق الفعل الخارجي للقوى الكبرى، وفسح المجال في المقابل لتعاظم وقع سلوك دول المنطقة المغاربية في تحديد شكل النظام الإقليمي وتحديد طبيعة تفاعلاته.
ولعل تزامن الانفراج المحسوب في العلاقات المغاربية-المغاربية عبر تأسيس اتحاد المغرب العربي وعودة علاقات التمثيل الدبلوماسي بين المغرب والجزائر وفتح الحدود بين الجارين، من جهة، وانهيار الاتحاد السوفياتي و الشروع في الإعلان عن نظام عالمي جديد، من جهة أخرى، خير دليل على ارتباط النظام الإقليمي المغاربي عضويا ووظيفيا بعقائد التفاعلات الدولية وطبيعة النظام الدولي إبان نظام الثنائية القطبية.
II – العقائد المتحكمة في السلوك الخارجي لدول الاتحاد المغاربي
تعيش المنطقة المغاربية حالة توثر متواصل، فهي وإن كانت في حالة اللاحرب، فإنها في المقابل لا تعيش وضعية سلام، وذلك لامتداد النزاعات ذات الكثافة الضعيفة والمنخفضة الشدة على طول وعرض خريطة المنطقة، وتعزى هذه الوضعية المتسمة بالأمن الرخو إلى استمرارية العقائد الموروثة عن الحرب الباردة في التحكم وتوجيه السلوك الخارجي للوحدات الدولتية في المنطقة المغاربية، ويمكن إجمال هذه العقائد في:
- عقيدة الهدم والبناء: يقصد بهذه العقيدة ذلك الهاجس الأمني – الاستراتيجي لمفهوم القوة، الذي يقوم على التصور البروسي البيسماركي للدولة، وهو أن وجود دولة قوية يقتضي إضعاف محيطها الجغرافي، وفي هذا السلوك محاكاة للآليات المنافسة على الزعامة العالمية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي.
- عقيدة الاحتواء: نتيجة لبروز المغرب والجزائر كدول أقطاب إقليمية، كان أساس الاستقطاب والاسطفاف في المنطقة المغاربية هو نهج سياسة الاحتواء عوض سياسة الاشراك، وأدى هذا السلوك إلى دخول دبلوماسية البلدين في تنافس استراتيجي مرهق ومكلف حول الزعامة والريادة في المنطقة، فمثلا عقب اجتماعات سياسية وعسكرية وأمنية رفيعة المستوى حول قضايا الإرهاب، استطاعت الجزائر تشكيل محور إقليمي ضم كل من ليبيا موريتانيا وأربع دول أخرى من دول الصحراء، الأمر الذي حدا بالمغرب وتونس إلى الارتباط بقوى خارج الإقليم خصوصا مع حلف الشمال الأطلسي لتنسيق عملياتهما ضد تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، كرد على استبعادهما من هذا المحور الذي سلمت فيه القيادة للجزائر.
- عقيدة الارتهان إلى الماضي: رهنت بعض الأحداث الناتجة عن أخطاء تدبير مرحلة ما بعد الاستقلالات، مستقبل المنطقة المغاربية سياسيا ومجتمعيا، الأمر الذي جعل السياسة الإقليمية عاجزة عن الارتقاء إلى رؤية مشتركة وشاملة للضغوطات البنيوية الداخلية والخارجية.
- عقيدة الغبن الجغرافي: رغم تمسك الأنظمة السياسية المغاربية الشديد بالسيادة، وفضلا عن قطرية سلوكها وممارستها، فإنها غير مقتنعة بحدودها السياسية، وأمام هذا الوضع تتصادم الفعول الخارجية للبلدان المغاربية نتيجة لما يطلق عليه بالصراع حول وحدة الشيء المرغوب فيه.
- عقيدة التلازم بين أمن النظام وتجنب الفوضى الإقليمية: للحفاظ على الاستقرار في المنطقة المغاربية، عمدت الأنظمة التسلطية على مقايضة أمن المجتمع بأمن النظام، وذلك للإبقاء على نوع من التوازن في المنطقة، لكن هذا التوازن لا يقوم على التوافق بقدر ما يقوم على التضاد، لكون هذه الأنظمة ذات الخبرة في المناورة تستطيع أن تصدر أزمات زاحفة وتفجير أخرى كامنة في دول الجوار في حالة تهديدها ووجوديا، الشيء الذي سيجعل المنطقة على بوابة سلسلة لا متناهية من المصادمات تبدو أمامها الأنظمة الأخرى عاجزة عن ضبط حالة اللأمن وعدم الإستقرار في المنطقة.
وتعزى استمرارية هذه العقائد في توجيه السلوك الخارجي لدول المنطقة المغاربية، وإدارة العلاقات البينية بنفس منطق الحرب الباردة، إلى استمرارية الطابع التسلطي الاستبدادي للأنظمة السياسية في المنطقة، حيث ظل بعضها يستند إلى المزاوجة بين الحكم العسكري والمدني وبقية الأخرى تأخذ بأطياف أخرى من الشرعية غير المعهودة في النظم الديمقراطية كالشرعية الدينية والتاريخية.
لكن هل من شأن التحولات السياسية الراهنة التي قوضت أسس حكم بعض الأنظمة وحبست أنفاس أخرى، أن تؤسس لعقائد سلوك جديد في المستقبل المنظور؟.
III – الحراك السياسي الراهن ومتطلبات الاندماج المجالي الفعال
وفقا لنظرية " السلام الديمقراطي" التي شاعت خلال العقدين الأخيرين، والتي تنطلق من أن طبيعة النظام ( سلطوي / ديمقراطي) يحدد مسار تصعيد الأزمات أو تخفيضها، وتؤكد نفس النظرية أن النظم الديمقراطية أميل للسلام على خلاف الأنظمة السلطوية، التي غالبا ما تجنح نحو تصدير الأزمات لصرف ضغوطات الرأي العام إلى أزمات الخارج عوض أزمات الداخل.
وإذا كان التاريخ الحديث قد شهد تورط العديد من النظم الديمقراطية في صراعات دولية مثلما فعلت النظم السلطوية، فإن تلك الدول نادرا ما خاضت حروبا ضد بعضها البعض، وذلك لكون الديمقراطيات لا تتصارع حسب تعبير ستيف شان، ويضيف هذا الأخير أن غياب الحروب بين الدول الديمقراطية قانون تجريبي في العلاقات الدولية، وناقشت أدبيات أخرى متعددة العلاقات الإمبريقية بين الديمقراطية والسلام، فقد توصل بحث لمشيل دويل إلى أنه خلال المائتي عام الماضية لم تكن هناك حالة واحدة لقيام تلك الديمقراطيات بشن حرب على ديمقراطيات أخرى.
ومن شأن موجة الثورات الراهنة التي كشفت عن عمق واشتداد الأزمة المعتملة ببلدان المنطقة المغاربية، أن تؤسس لقطيعة جديدة مع العقائد والثوابت التقليدية للفعل الخارجي للاتحاد المغاربي.
ففي المقام الأول سيتم تجاوز وضع التوازن الإقليمي القائم على التضاد، وذلك بفعل تحول القوة و إعادة توزيعها في المنطقة، حيث إذا ما حافظت ليبيا على وحدتها وأمنت انتقالا ديمقراطيا حقيقيا، فستنضاف المنهجية الديمقراطية إلى عناصر القوة المحسوبة، وسيتم تركيز فعلها على المنطقة المغاربية باعتباره الجوار القريب وستخفف من تركيز سلوكها التقليدي الموسوم بالمغامرات الخارجية للقذافي تجاه الجوار الكبير الذي يشكله فضاء العالم الإسلامي والقارة الإفريقية والجار البعيد الذي تمثله أمريكا اللاتينية، وإذ ذاك ستبرز ليبيا كدولة قطب إقليمية، وسينفرط عقد الاسطفاف التقليدي الذي يقوم على سياسة الاسترضاء بقيادة المحورين التقليديين.
ثم ثانيا، من شأن التحول الديمقراطي العميق لدول الاتحاد المغاربي أن يفضي إلى تشكيل عقيدة جديدة وهي عقيدة التفكك والاندماج، حيث أنه كلما تفككت المركزية السياسية، إلا وتحول سلوك الدولة من طابعه العدواني إلى طابع تعاوني داخليا وخارجيا، وبالتالي سيصير التفكك السياسي الداخلي مدخلا للبناء الإقليمي الخارجي.
وفي مستوى ثالث، يعد تباين عقائد الأمن الإقليمي من دولة إلى أخرى، من بين ما ينغص مبادرات التكامل الإقليمي، حيث أنه بالرغم من وحدة التهديدات التي تخضع لها دول المنطقة وربط النخب الحاكمة مفهوم الأمن بأمن النظام وليس الأمن المجتمعي، فإن هذا الأمر لم يسعف دول المنطقة للالتقاء على نفس مصادر الاستقرار، إذ أخذت بعضها بأمن الاعتماد على الذات، في حين خضعت أخرى لما يطلق عليه بالأمن التابع، ويفترض في التحولات السياسية الراهنة أن تؤسس لأمن جماعي مشترك.


خاتمة:
بالرغم من وجود مؤشرات دالة على بداية نحث عقائد متماثلة للسلوك سياسي بعد بداية الحراك سواء السلمي منه أو العنيف، إلا أن إعادة الدينامية للاتحاد المغاربي، وإن بوشر بقيادات جديدة، فإنه تم بنفس الآليات واستند على منطلقات العهود السابقة.
وأمام ما تتسم به السياسة الخارجية بشكل عام، بدرجة أعلى من التبات والاستقرار مقارنة بالسياسة الداخلية، نتيجة ارتباط الفعل الخارجي برؤى وإدراكات الدول لبيئتها المحيطة ووضعيتها داخلها ومصالحها فيها، مما يعني أن الانطلاق في تخطيط وتنفيذ السياسة الخارجية للدول يبدأ من مقومات أقرب إلى الاستاتيكية منها إلى الدينامكية، إلى جانب تباين مستويات التغيير الديمقراطي في المنطقة، فحتى الدول التي أخذت بأسباب التغيير من داخل الاستمرارية فآليات صنع القرار الخارجي لم يخضع إلا لتغيير محسوب ومنضبط سواء على مستوى قنوات تدفق المعلومات أو على مستوى مؤسسات طرح البدائل والخيارات، بالإضافة إلى بروز أجندة جديدة غير مشبعة أفرزها سياق التحولات الراهنة، يبدو أن سجل العلاقات الثنائية والجماعية لن يخضع إلا لمراجعة ناعمة، وستضل هذه العلاقات محتفظة بنفس الاتجاهات والمواقف وبذات السمات والخصائص.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الزمالك المصري ونهضة بركان المغربي في إياب نهائي كأس الاتحاد


.. كيف ستواجه الحكومة الإسرائيلية الانقسامات الداخلية؟ وما موقف




.. وسائل الإعلام الإسرائيلية تسلط الضوء على معارك جباليا وقدرات


.. الدوري الألماني.. تشابي ألونزو يقود ليفركوزن لفوز تاريخي محل




.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ