الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة المغربية ....بين المطرقة والسندان

عبد الاله بسكمار

2013 / 11 / 6
الادب والفن


عبد الإله بسكمار*
هل وجهت العولمة وثورة الاتصالات طلقة الخلاص لأشكال التعبير الثقافي بالمغرب ؟ سؤال أصبح مطروحا بحدة أمام ضمور الساحة الثقافية المغربية ، واختفاء الأسماء المحترمة إما بالتقاعد المعلن والصامت أو الوفاة أو الدخول لمنطقة الظل أوالانعزال و التصوف حتى ، وبإزاء هذا التغول الأخطبوطي المتوحش لأنماط الاستهلاك التي لا ترتقي حتى إلى مستوى نعتها بالثقافة ( أي ثقافة الاستهلاك ) وما يتبعها من استئساد وتنمر القيم الرخيصة في الفن عموما كالتشكيل والسينما فضلا عن الشعر والرواية والنقد وضمن أرضية عامة من تراجع الإقبال على الفعل الثقافي والعرض الثقافي مع زحف أشكال الاستسهال والنفعية المباشرة ( المادية منها خاصة فالمؤكد أن كلا يبحث عن موقعه وينادي ليلاه ) وهجوم الصورة بأكثر أشكالها إثارة وعنفا وترديا أيضا !!! وإذا استحضرنا عناصر أخرى من هذا المشهد كتراجع نسبة المقروئية البئيسة أصلا( أول جريدة مغربية مقروءة لا تتعدى مبيعاتها 80 ألف نسخة يوميا وأول كتاب لا تتعدى مبيعاته 800 إلى 1000 نسخة سنويا ) وتخبط المدرسة العمومية والجامعة المغربية واختفاء بعض الإطارات والمجالات التي كانت تغدي إلى عهد قريب الفعل الثقافي المؤسس والمغيروالمتسائل ، كالأندية السينمائية والفرق المسرحية الإقليمية أو الجهوية أو الوطنية أقصد الحقيقية لا الموسمية أو الرسمية / المناسباتية واندثار قاعات العروض والمكتبات العمومية وحتى الخاصة ، وتوقف نشاط بعض جمعيات الشباب الجادة ، إذا استحضرنا كل تلك العناصرالمؤسفة اكتملت الصورة القاتمة للمشهد الذي ينذر بأوخم العواقب على مستقبل القيم والأجيال الصاعدة ، ما لم يتم تحريك البركة الراكدة وبالوسائل التي تفرض نفسها علينا في الوقت الحالي ، ودون أن ننكر الحقيقة المرة في كوننا شعوبا ضعيفة أصلا أمام الجبروت المنهال علينا من الأقمار الصناعية والسماوات العلا ، وهذا لا يعني الاستسلام للموت أو الانقراض كما لا يعدم واقعنا وجود مثقفين شرفاء أو فنانين وفنانات أو كتاب ونقاد وباحثين وباحثات وإنتاجات في مختلف حقول المعرفة ، لكن قراءة سريعة للمشهد العام لا تدع مجالا للشك بأننا ولجنا حقبة جد ملتبسة ، الله وحده يعلم مآلها ، ومثل هؤلاء من قال فيهم شاعرنا :
كناطح صخرة يوما ليوهنها ........فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
صحيح أن الفعل الثقافي بالبلد ظل لعقود طويلة في خدمة أجندة السياسة أوالدولة ، سلطة متحكمة بأجهزتها وإطاراتها الثقافية مقابل معارضة مؤسساتية عموما لكنها تشبعت بقيم وثقافة اليساروفي إطار هامش ديمقراطي سمح للمغرب بتخطي منطقة العواصف ضمن مسار ما يوصف بالإصلاح التدريجي والذي سمح هو الآخر بمراكمة بعض المكتسبات والتراكمات الثقافية هنا وهناك ، وهذه المكتسبات بالضبط هي الآن موضع تساؤلات مقلقة ، بعد التحولات المذهلة التي شهدها العالم سياسيا وثقافيا واجتماعيا وتكنولوجيا .... إلى أي حد نستطيع الاستمرارحاليا في الحديث عن مسرح مغربي أو إنتاج سينمائي مغربي أو أدب مغربي مثلا ؟ والأهم كيف يمكن تكييف وسائل العولمة الجارفة كالشبكة العنكبوتية على سبيل المثال لصالح دعم وتعميق الثقافة الوطنية المغربية ذات الأفق المنفتح والمتقدم ؟ لاتشكل مسألة الدعم في نظري أهمية كبرى أمام هذا الوضع مادام الأصل وهو الإبداع قد تراجع إلى مستوى مهول مخيف إزاء تفوق الإنتاج الأجنبي بمختلف تلاوينه وأمام عودة الدولة العميقة إلى التحكم لم يبق هناك مجال لفعل ثقافي وازن يستطيع أن يفرض نفسه على الساحتين العربية أو الدولية للأسف الشديد ....لن نعيد التأكيد على أهمية الرأسمال الثقافي كحاجة ضرورية للمجتمعات والشعوب الحالية في مواجهة الاستلاب القادم بكل حلكته وكوارثه ، والمجال الثقافي لا يشمل فقط العوائد والرموز وطقوس اللباس والغذاء والأعراس واستقبال الكائن البشري القادم إلى الحياة أو توديعه إلى مثواه الأخير وأشكال التعبير الشعبي بل يهم أيضا الفعل الثقافي " العالم " لأنه هو الذي يرقى بأذواق الناس وأحاسيسهم وينمي فيهم الشعور بالقيم و في نفس الوقت يحفزهم على التجاوب مع الكوني والإنساني ...
كاتب هذه السطور يؤمن بالبقاء للأنقى والأجمل ، بعد كل هذا الالتباس والخليط العجيب ستأتي حتما مرحلة الفرز الطبيعي بين الغث والسمين ، وإن بعد حين من الدهر ، هجوم الصورة مثلا لم يسبق له مثيل ، لكن الجميل والمثير والنقي موجود دائما وسط ركام الرديء والزائف ، يكفي أن نحارب ثقافة الانبهار بماهو جاهز، ونبدع أشكالنا الخاصة داخل هذه العولمة نفسها ، وهناك فعلا العديد من المواقع والمنابر الورقية والإليكترونية فرضت إيقاعها وسط هذه الجعجعة ، مثلما إن الشبكة أتاحت إعادة الحياة لروائع من السينما العالمية ( أتمتع بكثير منها شخصيا ولولاها ما كنت لأشاهد رائعة المخرج السوفياتي الراحل أندري تاركوفسكي " حنين " Nostalgie مثلا إلى جانب روائع أخرى من السينما العربية والعالمية طالما تمنيت أن أشاهدها وأتمتع بها فتحققت الأمنية ولله الحمد مع الأقراص المدمجة ....) الوضع يفرض علينا أن نعترف بأن الإنتاج الوطني في مختلف حقول الثقافة يواجه مشاكل عويصة في التسويق والترويج والتنافس في المهرجانات والمحافل العربية والدولية ( جائزة القدس العربية للرواية والتي حازها الأستاذ الناقد المغربي محمد برادة مؤخرا نموذج مشرق ومؤشر إيجابي على دور الإبداع في مرحلتنا هذه ) عبر غياب مؤسسات تنافسية فاعلة فلم لا في المقابل أن يتم إعادة إنتاج روائع السينما المغربية في الأقراص المدمجة مثلا والحال أنها سبق أن عرضت في القاعات والأندية السينمائية واستنفدت حقوق مبدعيها المادية والمعنوية كألف يد ويد لسهيل بنبركة ووشمة لحميد بناني ورماد الزريبة وحلاق درب الفقراء وحب في الدار البيضاء ومسرحيات ناجحة كمقامات بديع الزمان الهمداني ومسرحيات الراحل أحمد الطيب العلج وغيرها من الدرر المضيئة في سماء الإبداع المغربي ، وقد أثبتت التجارب الواقعية أن الشباب المغربي يتجاوب فعلا مع الإنتاجات الوطنية التي تحترم ذكاءه وتعبر عن الواقع أو تتمثله أو تفجره أو تسائله في مختلف مظاهره ومستوياته ، ولم لا تتاح للأجيال الحالية تحميل روايات مغربية ذات مستوى رفيع ك " دفنا الماضي " لعبد الكريم غلاب وفي " الطفولة " لعبد المجيد بن جلون ( وهي بالمناسبة من أروع السير الذاتية على المستوى العربي دون مبالغة ) وروايات زفزاف ...بالمناسبة لقد سطا أحدهم من مواطني البلد الجاردون وجه حق على كتاب " الخبز الحافي " وهو كما نعلم سيرة ذاتية جريئة للراحل أحمد شكري وحوله إلى شريط باهت سخيف ، شوه خلاله تلك السيرة تماما ، كي يجني منه ما يمكن جنيه وهو متاح حاليا في الشبكة ، ولو قدر المولى لصاحبه العودة إلى الحياة لتابعه في القضاء الدولي ، لا الوطني أو المغاربي ( إن وجد قضاء يحمل هذه الصفة أصلا )
الأوفق وسط خضم عات من الرموز والصور والمعارف والأخبار أن نؤمن بأن الثقافة الحقيقية لم ترفع الراية البيضاء بعد رغم كل المحبطات ...هي من مهام و مسؤولية المثقفين المخضرمين الذين عاشوا المرحلتين وعانوا الأمرين وأخلصوا ولا زالوا للورقي وفي نفس الوقت انخرطوا من مواقعهم في الشبكة العنكبوتية نقصد بالضبط نقل الصورة الصحيحة للثقافة المغربية إلى الأجيال الحالية كي تتصالح معنا و مع ذواتها وتحقق كيانها ... وحتى لا تردد مع الراحل درويش :
لا عدل في البلد
لا حرية في البلد
لا أدب في البلد
لا فن في البلد
لا بلد في البلد

*كاتب مغربي / فاعل مدني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر