الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بقايا صور من الحياة اليومية 5/الأقارب 2

نقولا الزهر

2013 / 11 / 6
سيرة ذاتية


بيت واسع الأرجاء ذو حديقة واسعة، في الصيف تغطي فسحاته السماوية أزهار البابونج البري، وعناقيد العنب تتدلى من داليتيه. لا أنسى هذا البيت أبدأً ولا علاقتي الحميمية به. كان بيت جدتي لوسيا لسنوات ملعبَنا وتسليتنا، نحن الأحفاد والحفيدات، ميلاد وشحاذه وأسعد ومريم وجريس ونقولا وعُطف وجميلة وجميل وقسطنطين ومنيرة، وفي الصيف كانت تنضم إلينا جورجيت وليندا ابنتا خالي أبو فؤاد المقيم في دمشق. وبالإضافة إلى ذلك فهو أقرب بيوت البلدة إلى دير مار جريس الذي كان يشكل فسحة أخرى للعب بالنسبة لنا. وكذلك كان يجذبنا إلى هذا البيت الواقع في سفح التل الجنوبي، أكلات جدتي الطيبة التي كانت تقدمها لنا؛ ولا أنسى هنا على وجه الخصوص المكدوس ولبن الدعابيل المحفوظ بالزيت والكشك بالقاورمة والحلاوة الشدانقية التي كانت تصنعها في البيت، وقد تعلمت صنع الحلاوة من جدي الذي كان حلوانياً.
لطالما كانت المرحومة والدتي تحكي لي كثيراً عن والدها شحاذه الخوري، فتقول أنه كان لديه دكان في السوق تحت المستوصف الخيري، يبيع فيها الحلويات التي يصنعها. وكانت بناته الثلاثة سارة ووديعة وهيلانة تساعدنه في تكسير وتقشير الجوز واللوز والفستق، وحتى بنات الجيران كن يعرضن المساعدة على والدتي وخالًتَيَ. ومن كلام والدتي على جدي شحاذه، يبدو أنه كان يحب بناته كثيراً ويتعاطف معهن ويحنو عليهن. مات جدي في أواسط العشرينات من القرن الماضي وبقيت جدتي مسؤولة عن سبعة أولاد.
كانت معظم العائلات المسيحية تنجب عدداً كبيراً من الأطفال في تلك الأيام، وفي كثير من الأحيان كان جزء من هؤلاء الأطفال يموت أثناء المرض. فأنجبت جدتي لوسيا عشرة أطفال وما تبقى منهم سبعة، أربعة من الذكور وثلاث من الإناث. خالي ميخائيل وهو البكر من مواليد 1900 وقد تزوج مبكراً من ليلى معتوق، وقد هاجرت عائلتها بكاملها من صيدنايا في أوائل القرن الماضي، شابان وأختهما زينة إلى الولايات المتحدة، وأخوها الأصغر كمال معتوق ذهب إلى رياق في لبنان وأسس عائلة هناك؛ ومن ثم ذهب خالي ميخائيل وزوجته إلى هناك وفتحا بقالية ومطعماً صغيراً في رياق. ولقد قالت لي والدتي أنها تعلمت بعض الكلمات الفرنسية لا تتجاوز عدد أصابع اليد حينما زارت خالي هناك، ولقد سردت لي حكاية طريفة عن جدتي لوسيا. فمرة كانت عند ابنها في رياق ولقد تركها خالي في البقالية إذ ذهب ليقضي بعض أعماله، وفي غيابه جاء جندي فرنسي زنجي من السنغال، وطلب منها أن تعطيه زجاجة من الخل (Vinaigre)، وما أن سمعت جدتي هذه الكلمة الفرنسية حتى خلعت حذاءها تريد ضرب هذا الجندي المسكين، فيبدو أنها سمعت هذه الكلمة بالعربي. خجل الجندي وانسحب مقدراً سوء فهمها للكلمة. وحينما عاد الجندي إلى البقالية، كان خالي موجوداً فحكى له الحكاية معتذراً إن كان ارتكب أي خطأ بحقها. ضحك خالي واعتذر لإزعاجه وقال له أن أمه لا تعرف الفرنسية ابداً. ومن ثم ترك خالي ميخائيل رياق إلى سوريا وتطوع في الدرك وأقام فترة في حلب ثم في دمشق وبقي فيها إلى نهاية خدمته.
كان لجدتي أخت وأخ من والدها موسى الزين ووالدتها من عائلة بيت هلاله، أختها مريم فقد تزوجت ديب رزق سعادة وأخوها شحاذه الزين وقد هاجر شاباً يافعاً إلى الأرجنتين، وحينما استقر هناك سافر خالي عبدالله إلى عنده في بونيسيرس وكذلك استقر هناك وتزوج جوزفين المساميري وهي من عائلة دمشقية من حي المسبك في باب توما. وهكذا بقيت جدتي لوسيا مع ثلاث بنات وولديها جريس وحنا. وفي بداية الثلاثينات من القرن الماضي زوجت بناتها في السنة الأولى زوجت خالتي سارة من ميخائيل ميلاد نجمة وفي السنة الثانية زوجت وديعة من الياس عساف نجمة وفي السنة التالية زوجت هيلانة من جرجي أسعد الزهر. وفي عام 1939 توفي خالي جريس في دمشق على أثر حادث أليم. وبقي مع جدتي لوسيا خالي حنا وهو ابنها الأصغر، ولقد اشتغل أعمالاً متعددة في صيدنايا وفي فترة كان يسافر على خط فلسطين عبر جسر بنات يعقوب وخط دمشق حمص حماة حلب مع زوج خالتي الياس نجمة الذي كان يملك شاحنة للنقل. أتذكر هذا الخال العزيز جيداً منذ أواسط الأربعينات، لقد كان قريباً من كل أبناء وبنات إخوته وأخواته وكان عطوفاً وحنوناً عليهم دائماً. كان يتميز بحبه للقراءة والمطالعة ومولعاً على وجه الخصوص بجبران خليل جبران، ومنذ ذلك الحين أتذكر عناوين جبران(الأجنحة المتكسرة، الأرواح المتمردة، رمل وزبد، النبي......). ثم فتح دكاناً من دكاكين بيت أبو سرحان في السوق، ولكن يبدو أن كل هذه الأعمال لم تكن لتلبي طموحاته فبدأ يراسل أخاه عبدالله في الأرجنتين، وكان قبله صديقه رشيد سابا قد سافر إلى هناك وهذا شكل عاملاً مشجعاً لسفره، وبعد فترة أخذ يوظب أوراق السفر وفي 4 تشرين الأول من عام 1948 كانت ليلة سفره وجاء المودعون من كل صيدنايا وكان له أصدقاء كثر ومن أكثرهم قرباً حنا سابا وجريس كحلا وفارس جرجي الخوري. وأتذكر أن والدي وزوج خالتي الياس نجمة كانا من عداد مودعيه في بيروت. بقيت ستي لوسيا في بيتها في صيدنايا وحيدة ولكن بناتها الثلاث وأحفادها خففوا كثيراً من وحدتها. ومع ذلك بقيت حتى وفاتها في ربيع عام 1969 حينما تكون في بيتها لوحدها تلعب الورق مع خالي حنا رغم غيابه.
ولكن في أوائل الستينات بدأ الأقارب المغتربون يزورون الوطن، كان مخائيل شاهين حمو خالي حنا أول الزائرين، ثم جاء بعده خال أمي شحاذه الزين وفي عام 1965 جاء خالي عبدالله في زيارة إلى سوريا هو وزوجته جوزفين وتعرفنا عليهما وكم كانت فرحة العائلة كبيرة وخاصة جدتي لوسيا بعد غياب أكثر من أربعين عاماً، وفي عام 1966 زار خالي حنا سورية بعد ثمانية عشر عاماً على سفره، ومن ثم عاد حنا هذا الخال السوري بامتياز في زيارة عامي 1975 و1976 وكذلك عاد بعد خروجي من المعتقل في عام 1995 وكانت زيارته الأخيرة لسورية في عام 2005 ولقد احتفل بعيده الثمان والثمانين في 8/8/2013 وهو الآن صديق نشط على الفيسبوك وأعتقد أن سورية الحبيبة لا تزال في ذهنه عيونه والإنسان مهما طال به العمر يبقى محكوماً بالأمل.
نقولا الزهر
دمشق/في6/11/2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أسلحة الناتو أصبحت خردة-.. معرض روسي لـ-غنائم- حرب أوكرانيا


.. تهجير الفلسطينيين.. حلم إسرائيلي لا يتوقف وهاجس فلسطيني وعرب




.. زيارة بلينكن لإسرائيل تفشل في تغيير موقف نتنياهو حيال رفح |


.. مصدر فلسطيني يكشف.. ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق ل




.. الحوثيون يوجهون رسالة للسعودية بشأن -التباطؤ- في مسار التفاو