الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفيليون والبيت!

عبد الستار نورعلي
شاعر وكاتب وناقد ومترجم

(Abdulsattar Noorali)

2013 / 11 / 8
الادب والفن


الفيليون والبيت!

كُتبَتْ القصيدة عام 1998 بمناسبة منحي وعائلتي الجنسية السويدية بعد ستة اعوام من الأقامة في ربوعها الزاهرة. وقد نُشِرَتْ حينها في مختلف الصحف والمجلات العراقية ومواقع الانترنيت. وارتأيتُ اليوم نشرها ثانيةً بمناسبة المصادقة على قانون الانتخابات الجديد في العراق وصدوره في 4 تشرين الثاني 2013 ، وحرمان الكرد الفيليين من المقاعد التعويضية، رغم عددهم السكاني، ورغم تاريخهم في المساهمة ببناء العراق اقتصادياً وثقافياً ورياضياً وفنياً، ورغم مشاركتهم الفاعلة في الحياة السياسية وفي نضال الشعب العراقي التاريخي، وتقديمهم الشهداء تلو الشهداء في كلِّ معارك العراق، حروباً خارجيةً منذ حرب فلسطين 1948 ، ونضالاً داخلياً ضد الطغيان والظلم. ورغم تعرضهم للاضطهاد والقتل والتهجير، وما استشهاد الألوف من شبابهم المحتجزين منذ حملة التهجير 1980 إلا صورة من صور الظلم الذي لحق بهم، الى جانب التهميش المتعمّد. وما زالوا يتعرضون للتهميش والاقصاء والإلغاء. ارتأيت بدل مقالة طويلة أنْ أنشر القصيدة ردّاً على التهميش المستمر والظلم والاجحاف. وهي خير اجابة وردّ. لأنَّ ما فيها لا يزال طازجاً في واقع العراق المؤلم المأساوي:

كنتُ في بيتي الذي ما هو بيتي
حين ألقى الساعي كالعادةِ في كل صباحٍ
حصةَ التوزيع في فتحةِ بابِ البيتِ،
في فتحة تسليم البريدْ،
وكما في كل بيتٍ،
كنتُ في المطبخ في حضنِ الفضائياتِ،
في الضجةِ والتطبيلِ والتزميرِ
والرقص على آخر أنواع اهتزاز الخصرِ والرأسِ
وأردافِ الحسانْ،
وعلى إيقاع أشباهِ الرجالْ،
يملأون الجوفِ قيحاً ومرارْ،
أحتسي الشايَ،
وفي الشرفةِ أنفاسُ السيجارْ،
لا السيجايرْ.
ما تعوَّدْتُ على التدخينِ يوماً
غير أنَّ الدهرَ أنفاسُ سيجارْ.
في سويدِ الثلج التدخينُ ممنوعٌ
على الإنسان في الدارِ وفي الصالاتِ،
حتى في المقاهي والمحلاتِ،
وفي كلِّ مكانٍ يجمعُ الناسَ
وفي كلِّ زمانْ،
ما عدا خارج أسوار المكانْ
وبغير الحاجة القصوى إلى التذكير بالإعلانِ
(التدخينُ ممنوعٌ)
فإنَّ الناسَ تدري وتنفِّذْ
باقتناعْ
فهنا كلُّ قرار بحسابٍ واقتناعْ.

كنتُ في بيتي،
ومن فتحة بابي
دونَ أن أنظر من مرَّ ببابي ،
وصلتْنا
حقُّنا في الانتخابْ
ومكانِ الانتخابْ
حيث ندلي بالذي نرغبُ فيه ونريدْ.
وصلتْ للبيتِ أسماءُ القوائمْ.
كلُّ حزبٍ بالذي يدعو إليه:
اشتراكيٌّ
محافظْ
ويسارْ
وسطٌ
شعبيْ
وبيئهْ
وشيوعيْ
رغم أنّي في بلادٍ رأسماليٍّ عتيدْ!
كلُّ شيء بحسابْ
وبقانون انتخابْ
وقوائمْ
وبرامجْ
تصلُ البيتَ وفي جعبةِ ساعٍ للبريدْ،
وأنا أشربُ شاياً، وأدخنْ،
وأشاهدْ
خطباً رنانةً
ضرباً وطعناً
رقصاتٍ
أغنياتٍ
عن ليالي العاشق الولهانِ والمعشوقُ سالِ:
ياحبيبي ، يافؤادي ،نور عيني ،
أنا لاأقوى على أيِّ احتمالِ!
حطِّم الماعون، دمِّرْ،
أحرقِ الأعصابَ منّي!
نارْ ... نارْ !
عُدْ لي تاني !
حطِّم الأزرارَ والزهرَ الأواني!
فأنا الولهانُ
والسهرانُ
لا ليليَ ليلٌ ، لا نهاري،
أنا في الظلمة ساري
يا حبيبي ، ياحصاري !

وصلتني
حقيّ المشروعُ في أن أنتخبْ
مَنْ أشاءْ.
صرْتُ صوتاً يُحتسَبْ،
وأنا اللاجئ بين الغرباءْ،
من سنينٍ ستةٍ
صرتُ بها صوتاً لهُ وزنٌ أكيدْ،
ورصيدْ !
كلُّهم يحسبُ للصوتِ حسابْ،
أبيضٌ، أو أسمرٌ، أو أسودٌ، أو أصفرٌ،
لا فرقَ،
في الصوت حسابْ،
وكتابْ.
بشرٌ يرفعُ عن كرسيِّهِ مَنْ لا يريدْ.
بشرٌ، فهو مهابٌ، ومثابْ !

* * * * * *

كانَ لي فيما يُسمَى وطني ..
قبرٌ لجدي وأبي،
قبرٌ لأمي، ولعمي، جدِّ جدي،
نسبي،
كانَ لي قطعة أرضٍ،
فوقها بيتي الذي ما كانَ بيتي،
نسبي يمتدُّ فيهِ لسنينٍ وسنينْ،
تتعدّى المئتينْ،
وتزيدْ،
استباحوه، وصاحوا :
أعجميُّ ...
لسْتَ في الأصلاب، لسْتَ !
أغلقوا الأنسابَ والأبوابَ دوني،
رحّلوني،
وارتحلتُ،
حيثُ يأتيني وفي جعبةِ ساعٍ للبريدْ
كلُّ شيء لا أريدْ،
وأريد ْ...


عبد الستار نورعلي
السويد 1998.09.04








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاتب مسلسل -صراع العروش- يشارك في فيلم سعودي مرتقب


.. -بمشاركة ممثلين عالميين-.. المخرج السعودي محمد الملا يتحدث ع




.. مقابلة فنية | المخرجة ليليان بستاني: دور جيد قد ينقلني إلى أ


.. صانع المحتوى التقني أحمد النشيط يتحدث عن الجزء الجديد من فيل




.. بدعم من هيئة الترفية وموسم الرياض.. قريبا فيلم سعودي كبير