الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أن جنيف أو أن لا جنيف. هل هذا هو السؤال ؟

نزار حمود
أستاذ جامعي وكاتب

(Nezar Hammoud)

2013 / 11 / 8
مواضيع وابحاث سياسية



مضى على الدم السوري النازف مايقارب الثلاث سنوات ومازالت شفتا الجرح مفتوحتين مغرورقتين بأحلام وآمال الشعب الذي خرج في يوم ما من أيام شهر آذار 2011 يطالب بحقوقه المغتصبة وكرامته المهدورة في أقبية الأمن المختلفة ...
كان الأداء العفوي للانتفاضة السورية رائعا ً من حيث السوية الأخلاقية والوعي الوطني الذي تمتع به في البداية. ولاأحد منا ينسى كيف خرجت أول مظاهرة شعبية في حي الحريقة الدمشقي الجميل الوادع. وكيف كان الالتفاف الوطني الهائل حول مطالب هؤلاء الشباب وصيحاتهم. ومن ثم أتت حادثة درعا وأطفال درعا وكرامة وجوه المجتمع الدرعاوي التي أهدرها ممثلوا النظام الفاشي فما كان الرد إلا عبر التظاهر السلمي وإطلاق شعارات وطنية من نوع : " سلمية سلمية ولو قتلوا كل يوم مية " و " طالبناهم بالإصلاح ... واجهونا بالسلاح " و " واحد واحد واحد – الشعب السوري واحد ".
لقد تعاطف العالم كله شعوبا ً وحكومات مع هذه الثورة الشعبية المدنية المطالبة بأبسط الحريات والحقوق وأكثرها بداهة ... ألا وهي الحق بالتعبير السلمي و بالحياة الكريمة الإنسانية. وما انتشار أغنية الفنان السوري النبيل سميح شقير " يا حيف " إلا دليل واحد فقط من آلاف الأدلة على التفوق الأخلاقي الرهيب الذي كان يتمتع به الحراك الجماهيري آنذاك. لقد سرت هذه الأغنية بين السوريين سريان الماء القراح في أرض طال عطشها وعقمها.
وسرعان ما أتت محاولات حرف هذا الحدث/الاستحقاق الجلل عن مساره الوطني الحقيقي سريعة ً وفاعلة ً وفعالة أيضا ً. أنشئت صفحة الثورة السورية الفيسبوكية المسماة " الثورة السورية ضد بشار الأسد " من قبل أفراد من جماعة الأخوان المسلمين في الخارج وأخذت قناة الجزيرة ومثيلاتها من قنوات البترودولار تبث السموم وتحرض على حرف المسار باتجاهات لاتمت بصلة لكل ماذكر أعلاه. وأخذ التدخل بأسماء أيام الجمعة يصبح واضحا ً أكثر فأكثر وانهمر الدعم الإعلامي والسياسي والمالي على كل من انبرى يدعي تمثيل الحراك وقدرته على التأثير به على الأرض السورية. ماأدى لأن مثــَّل الشعب السوري وحراكه المدني ... من لا يمت بأية صلة فكرية إلى جوهر هذا الحراك المدني. وفي حين رفع بعض المعارضين الوطنيين شعار اللاءات الثلاث : لا للطائفية ولا للتدخل العسكري الأجنبي ولا للعنف ... رفع الأخوان المسلمين شعار النعمات الثلاثة فجاءت على الشكل التالي: نعم للتسلح تحت راية الجهاد ونعم للرد الطائفي على طائفية السلطة ونعم للتدخل العسكري الخارجي !
في أحسن الأحوال (حسن النية) ... مثــَّل هذا التوجه العام لسياسة المجلس الوطني ومن بعده الإئتلاف الوطني فشلا ً ذريعا ً في فهم طبيعة الصراع والقوى التي تكمن خلفه ونقاط قوة وضعف النظام. أما في أسوأها (سوء النية) فقد مثل هذا التوجه ارتهانا ً كاملا ً لرغبات دافع الأموال وداعم التسليح الأجنبيين بكل الأحوال وغير المعنيين أبدا ً بتحقيق مطالب الشعب السوري الحقيقية.
وتدحرجت كرة أخطاء المعارضة السورية الأخلاقية والتكتيكية وأخذت أشكالا ً رهيبة أدت لانفضاض الكثير عنها ممن شارك في الثورة قلبا ً وقالبا ً وعن سابق وعي وتصميم ووضوح في الرؤية وقابلية لتحمل التبعات والنتائج. وأنا هنا أتكلم عن السوري بشكل عام ومن كافة الطبقات والانتماءات العرقية والدينية. من هذه الأخطاء الرهيبة الكارثية مثلا ً: دعم وتبني فكر والتستر على ممارسات الاتجاهات الإسلامية العنفية أمثال جبهة النصرة القاعدية وفصائل الجيش الحر المتطرفة مذهبيا ً وأخيرا ً، وآمل أن يكون آخرا ً، دولة العراق والشام. هذه التيارات التي تعتبر أن إزالة مظاهر الشرك وتحريم وسائله واجب حتمي ولو بالقتل واجتثاث الرؤوس وأن الرافضة طائفة شرك وردة وجب قتالها وقتلها وأن العلمانية مثلها مثل القومية والوطنية والشيوعية كفرٌ صريح ٌ لابد من قتاله واستئصاله وأن طوائف أهل الكتاب وسواهم أهل ذمة لكن لاذمة لهم وأن قتال الشرطة وجيش الطاغوت واجب ديني لامناص منه. ماكان دخول بعض الأسماء الوطنية اللامعة في هذا التيار المنحرف الجارف إلا نوع من القشرة أو الواجهة المفترض لها أن تكون مقبولة عالميا ً وأوروبيا ً. من قـَـبـِل َ بهذا الاتجاه وتبعاته وممارساته بقي ومن لم يقبل خرج ولم يعد متبوعا ً بحملات التشويه والإساءة.
وللتذكير فقط وعلى سبيل المثال لا الحصر أقول مـَـن مــِن رموز هذه المعارضة السورية الخارجية المجلسافية أدان أو احتج أو اعترض على تدمير منشئآت البنية التحتية السورية؟ من منهم أدان القتل الطائفي الذي تقوم به المعارضة المسلحة ؟ من منهم أدان سرقة المعامل السورية في حلب وماحولها؟ من منهم أدان الخطف على أساس طائفي أو اعـترض على تحليل شيخ المحامين والقانونيين عنترة المالح لخطف الروس المدنيين ؟ من منهم أدان عمليات الإعدامات الجماعية الثورية ؟ من منهم أدان مجزرة الساحل ؟ من منهم أدان عمليات القصف العشوائية التي تطال أحياء دمشق اليوم ؟ من منهم وقف بوجه الموجة الطائفية المذهبية السوداء التي تنذر بالتقسيم والويل والثبور لعشرات السنين القادمة ؟ لقد أدت كل هذه الممارسات إلى انكشاف الظهر الأخلاقي لمدعي تمثيل الثورة المجسلافيين وفقدان مصداقيتهم أمام الداخل السوري قبل أي شيء آخر.
أثناء هذه المسيرة المعتمة ... تم رفض كل شكل من أشكال الوحدة بين فصائل المعارضة السورية. وكان الخط الأحمر الحقيقي الكارثي هو الوحدة بين هيئة التنسيق الوطنية والمجلس الوطني ومن بعده الإئتلاف. لقد وصلت الأمور إلى حد توقيع اتفاق مبدئي وطني نشر في القاهرة على وسائل الإعلام لكن سرعان ما تم التراجع عنه بسبب ضغط الممولين الخليجيين وعلى رأسهم يومذاك المملكة العربية السعودية.
ترى هل انتهت مأساة المعارضة الخارجية السورية اليوم؟ هل فهم فرسانها الأشاوس مااقترفته أياديهم من كوارث بحق الثورة السورية وسوريا والسوريين؟ لايشير الواقع لذلك ... فمازال السيد جربا يطلق التصريحات العنترية المتناقضة الواحد تلو الآخر ويرفض أي فكر أو اتجاه لتوحيد الصف قبل الخوض في غمار المسار السياسي الذي بات واضحا ً أن لامفر منه ... اليوم أو في القريب العاجل أو المؤجل. مازال يعتقد أن مجلسه هو الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري. كما أنه مازال يطالب بالسلاح بعد أن انكشف للجميع أن السلاح وإن أعطي فلن يكون ذلك إلا في إطار إطالة أمد الصراع حصرا ً وفقط لا غير! ومازالت تصريحات السيد طيفور تؤكد وتعمق النعمات الثلاث سالفة الذكر ...
لقد أدت كل هذه الممارسات الكارثية، فيما أدت إليه، إلى حالة التشرذم المأساوية التي نراها اليوم في الداخل السوري المعذب والخارج السوري المتفرج والمتألم عن بعد. ولكن الأهم من ذلك أنها أدت لخروج القرار السوري من أيدي السوريين أنفسهم ... وإعطائه لقمة سائغة في أيدي القوى الإقليمية والدولية تصنع به ماتشاء ... ولربما كان من سخرية القدر وعبثيته أن أدت هذه الممارسات الضالة لأننا بتنا نسمع اليوم عن رغبة مشاركة رفعت الأسد في مؤتمر جنيف ضمن صفوف المعارضة !
هنا ... وفي غمرة هذه الضوضاء " الوطنية " وفوضى الحواس وفوضى السلاح الضاربة... يأتي استحقاق الثورة السياسي المسمى بمؤتمر جنيف 2. ترى هل تذهب المعارضة السورية إلى مؤتمر جنيف أم لاتذهب إليه ؟
للإجابة على هذا السؤال لابد من الوقوف على الحقائق التالية :
أولا ً : يبدو الحسم العسكري مستحيلا ً اليوم أكثر منه في أي وقت آخر مضى ...
ثانيا ً : عذابات الشعب السوري باتت عصية على الوصف والتوصيف ...
ثالثا ً : النظام يجري تعويمه من جديد عالميا ً إثر " الانتصار " الكيميائي الذي حققه مؤخرا ً وانعدام البديل المقبول عالميا ً وإقليميا ً ...
رابعا ً : المسار السياسي حتمي تحت اسم جنيف 2 أو 3 أو 4 ... في النهاية سيكون هناك جنيف ما في مكان ما وزمان ما ...
خامسا ً : المعارضة السورية ضعيفة ومتشرذمة ومتهافتة ومازالت تنادي بمبدأ القبيلة : كل شيء أو لا شيء !!!
لابد من فهم أن دول العالم الحقيقية تحركها مصالحها الحقيقية. من كان عنصرا ً هاما ً في إذكاء نار الحريق السوري ... يمكن له أن يكون عاملا ًإيجابيا ً هاما ً في إطفاء النار ... بعيدا ً عـن التشنج والتباكي وجلد الذات وشتم العالم القذر المتآمر (!).
الحقيقة ... ليس المهم الذهاب إلى هذا الجنيف أم لا ... المهم أن تفهم هذه المعارضة أخطائها وأن ترفض الإملاءات الخارجية التي غرقت بها وأن تمد يدها للشعب السوري نفسه لتتوحد على الحد الأدنى المقبول من قبل الجميع دون إقصاء أو استثناء ... قبل الخوض في غمار المسار السياسي الحتمي القادم، بعيدا ً عن أية شروط عنترية مسبقة. قوة المعارضة وضمان عودة القرار السوري ولو جزئيا ً للسوريين تكمن في هذا الأمر. إذا لم تجد المعارضة سبيلا ً للتوحد فيما بينها على الحد الأدنى ... فجنيف هذا لن يكون إلا محطة أخرى من جنيفات قطار العذاب السوري ...
النجاح في جنيف يجب أن يتم الآن في مرحلة ماقبل جنيف ... من خلال العمل الصادق والشفاف على توحيد القوى الوطنية الغيورة على مستقبل سوريا والوقوف في وجه الطاغية بروح عصرية فاهمة ومتفهمة لحقيقة وطبيعة الصراع الإقليمي والعالمي على الأرض السورية.
ترى هل ينجح جنيف 2 في توحيد المعارضة السورية ؟؟؟؟










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين أنستغرام والواقع.. هل براغ التشيكية باهرة الجمال حقا؟ |


.. ارتفاع حصيلة القتلى في قطاع غزة إلى 34388 منذ بدء الحرب




.. الحوثيون يهددون باستهداف كل المصالح الأميركية في المنطقة


.. انطلاق الاجتماع التشاوري العربي في الرياض لبحث تطورات حرب غز




.. مسيرة بالعاصمة اليونانية تضامنا مع غزة ودعما للطلبة في الجام