الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المقاومة والممانعة شركة مساهمة محدودة

عفيف رحمة
باحث

2013 / 11 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


المقاومة والممانعة واحدة من الثنائيات الديماغوجية التي استعارتها السلطة السياسية من دفتر شعاراتها الشعبوية والتي كرس النظام كل جهده لتجذرها في لاوعي المواطن لتصبح جزء متأصل من تفكيره وحواراته.

تثائيات طرحت كعناوين قومية تم تردادها وتكرارها بشكل ممنهج، خلال العقود الأربعة الأخيرة من تاريخ سوريا، بصيغ عديدة خدمة لمشروع أمني-سياسي عملت مؤسسات النظام على تعزيزه لتتمكن السلطة من إحكام سيطرتها على الدولة وابتلاع مؤسساتها.

عناوين تقبلتها وانساقت ورائها جميع الحركات السياسية القومية والوحدوية والإشتراكية التي استسلمت وسارت بفلك النظام دون أن تبدي (هذه الحركات) أي تقييم نقدي لصدق السلطة وقدرتها على توفير مستلزماتها المادية ومقوماتها الإقتصادية وقبولها الشعبي، كما لم تبدي أي اهتمام لإنعكاساتها على نهضة الدولة في ظروف كانت أحوج ما تكون للتنمية البشرية والتنمية الإجتماعية قبل أي مشروع سياسي آخر، ليس لتمايزها بل لأنها الأساس في حضانة وتحقيق أي عنوان وطني.

كتب نعوم تشومسكي يقول إن استثارة الانفعال العاطفي بدلاً من التفكير هي طريقة تقليدية تستخدم لتعطيل التحليل المنطقي، وبالتالي الحس النقدي للأشخاص، كما أن استعمال المفردات العاطفية يسمح بالمرور للاوعي حتى يتم زرع أفكار به، ورغبات، ومخاوف، ونزعات أو سلوكيات.

ضمن هذه الفلسفة عمدت آلة النظام على أقحام هذه العناوين في كل الحقول الفكرية والسياسية، الأدبية والتربوية، سعياً لترويض الوعي الفردي والجمعي، ولتكون بدائل عن كل القيم الوطنية الجامعة.

ولمواجهة أي استفاقة شعبية تضع مصداقية السلطة وهيبة النظام موضع الشك كان لا بد من تبديل مفردات هذه العناوين وصيغها لتتوافق شكلاً مع كل مرحلة سياسية دون تقديم أي كشف حساب او مراجعة نقدية لما طرح من عناوين سابقة...

فسوريا التحديث والتطوير لم تتقدم خطوة واحدة في مسار الحداثة وبقيت سوريا بعيدة كل البعد عن الحالة الحضارية لعصرنا، حيث تردي الحالة التعليمية والعلمية، الفهم السطحي والإستهلاكي للبحث العلمي، التضييق على وسائل التواصل مع الفضاء المعرفي المفتوح، ترويض الثقافة الشعبية بإعلام سلطوي يلغي حرية التفكير والتعبير، محاصرة المفكرين وتخوين السياسيين، تردي التنافسية وغياب الشفافية، تنامي الفساد، هيمنة الفكر الماورائي والفكر الديني الراديكالي الذي دخل مع النظام في هدنة حيث توافقت مصالح الطرفين على ثنائية التضاد التقديس والتكفير.

وسوريا الصمود والتصدي لم تعرف سوى الهزائم السياسية والعسكرية، من حرب 67 إلى إرهاصات حرب 73 ومن ثم الدخول في مستنقع الحرب اللبنانية والسقوط في فخ الوصاية على لبنان إنتهاء بمقتل رفيق الحريري والإنسحاب السوري المهين عام 2005.

إهانة لم تجد من يتصدى لها في ظل نهج سياسي حول كل الوسائل المعرفية، الفكر والادب والفنون، إلى أدوات لتسويق النزعة الأمنية في أداء الدولة وتغليب هوس التدخل المباشر بقضايا شعوب المنطقة وشؤونها...

الهيمنة على الشأن الفلسطين، التدخل في شؤون الدول العربية، التحريض على سياسات دول الجوار، إبتزاز دول الخليج... ممارسات لم تنتج سوى المقدمات الموضوعية لأزمة علاقات سورية عربية وسورية عالمية.

لم تعطي السلطة كثيراً من الأهمية لهذه الأزمات، لأنها تقع ضمن منهجها السياسي حيث وظف الشعار بشكل متقن خدمة لمشروع إستثنائي عملت أجهزة السلطة على تنفيذه بدء من الإقصاء الإجتماعي والسياسي، فإحكام السيطرة على مؤسسات الدولة والإقتصاد، سعياً لتكريس سلطة الفرد المصطفى، فسلطة الفرد المالك إلى سلطة الفرد الملك.

لتنفيذ هذا المشروع الإستثنائي كان لا بد من شركاء في المنطقة، يدافعون عن مشروع النظام المكمل لمشروعهم الإقليمي الخاص، ولنجاح هذه الشراكة مارس النظام الإرهاب السياسي لتفكيك كل نشاط فكري أو عمل سياسي، وإخراج العقل من الحالة الوطنية إلى حالة ما قبل الوطنية تحت غطاء العداء للصهيونية والإستكبار العالمي.

لسد هذا الفراغ الوجودي دخلت سوريا في سياسية فرض الوجود عبر مشاريع عبثية زادت من عمق هذا الفراغ، ... حروب استرداد الإرادة والكرامة، إبتزاز وحضور دبلوماسي وسياسي فج ومتعجرف، معاهدات وتوافقات وتحالفات عربية وإقليمية لا تتماشى مع المزاج الشعبي، مشاريع توحيد قومي تفتقد للبنية الإقتصادية والسياسية اللازمة لإنجازها...، مشاريع لم يكن لها حاضنة شعبية ولم يعلم الشعب بها إلا بعد الإعلان عنها، فكانت نتائجها الزيادة في إضطراب المنطقة وتعميق فجوة التباين الحضاري بين السوريين والعالم...

...تراجع في التنمية البشرية، تنامي الفقر والبطالة، القمع السياسي، تسخيف الفكر وقيمه الجامعة، تدهور الحالة التعليمية والعلمية، تنامي الفكر الماورائي والحكاية الدينية...

ضمن هذه البيئة تطور الفساد وحرفنت آلياته، حيث كان يتم توزيع الثروة بين الفرقاء الداعمة للمشروع الإستثنائي للسلطة، مشروع الفرد الملك، ولم يكن لهذا التوزيع أن يتم إلا بتشابك منظومة الفساد مع منظومة الدولة ومؤسساتها، وتعميق سمة عسكرة الدولة التي فتكت بالحياة المدنية ومقوماتها.

...مصارف، وكالات حصرية وتمثيل تجاري، منشآت صناعية مساهمة، إحتكارات مالية، صفقات تجارية نوعية، ... هي ثمرة الفساد وعدم الشفافية وإستثمار النفوذ السياسي والأمني المقرون بتجاوز غير معلن للأنظمة والقوانين.

لقد كان مؤشر نجاح السلطة وتجذر نظامها الأمني السياسي مبني على سعة استحكام رموزها وقادتها بالمواقع الإقتصادية ومراكز إنتاج الثروة القومية، وعلى قدرة التحكم بالأقنية المالية وإداراتها.

كان الفساد مقتل هذه البنية الأمنية-السياسية حيث لم تستطع السلطة الخروج من أطره، فهو جزء من مقومات وجودها لذا كان لا بد من عرضه على أنه حقيقة موضوعية تصاب بها مجتمعات العالم حتى المتحضرة منها، وكان لا بد من إعتماد منهج التشويه الفكري والمعرفي لإخضاع الوعي الفردي والجمعي وإرغامه على القبول بهذه الحقيقة كحقيقة لاجدلية.

أولى ما كشفته الأزمة الوطنية في سوريا أن العناوين التي استثمرها النظام لتسويق سياسته الأمنية السياسية لم تعد تستوفي شروط قبولها الشعبي ومبرراتها التاريخية، فلا يمكن لشعب أن يصمد ويقاوم في ظل منظومة فساد المال والسلطة، كما لم يعد ممكناً أن يبقى المواطن بعيداً عن صنع القرار وصنع المستقبل.

لقد دخل المجتمع السوري في محطة تاريخية تقتضي تبني برنامج واقعي يأخذ بالحسبان الحقائق الموضوعية والتاريخية لنشوء الدولة وبنية المجتمع بعيداً عن الشعارات وعناوين الترويض السياسي، وأن يوضع في المنظور القريب مهمات أولية تبدأ بإعادة بناء الدولة ومؤسساتها في ظل دستور المواطنة الذي يضمن التشاركية الشعبية في إنتاج مستقبل الإنسان السوري الذي رفع في الأمس علم الحرية والكرامة كاساس في تعريف هويته الوطنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح بين


.. بوتين: كيف ستكون ولايته الخامسة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد -بتعميق- الهجوم على رفح


.. أمال الفلسطينيين بوقف إطلاق النار تبخرت بأقل من ساعة.. فما ه




.. بوتين يوجه باستخدام النووي قرب أوكرانيا .. والكرملين يوضح ال