الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التكنولوجيا ... وسنينها

خالد الكيلاني

2013 / 11 / 10
كتابات ساخرة


لم يكن الشاب المغربي الذي لم يتجاوز عامه الثلاثين يعلم عندما دقت الشرطة بعنف على أبواب بيته وألقت القبض عليه في صباح يوم ربيعي دافئ عام 1996 كيف توصلوا إليه، وكيف علموا بفعلته. فهو عندما هاتف مطار جون كيندي بنيويورك قبل عدة أيام - وبلغة انجليزية سليمة - ليخبرهم أن طائرة شركة TWA المتجهة من مطار الدار البيضاء إلى نيويورك تحمل على متنها قنبلة سوف تنفجر بعد دقائق، كان يتحدث من تليفون عمومي في مدينة مراكش المغربية الجميلة دون أن يعلم بحديثه هذا أحد.

كان الشاب المغربي بلا عمل ... ولا أمل في مستقبله بالمغرب، فتقدم قبل عدة شهور بطلب إلى إدارة الهجرة الأمريكية للحصول على تأشيرة هجرة ضمن التأشيرات السنوية التي تمنحها الحكومة الأمريكية لمهاجرين من شتى أنحاء العالم، وبعد أن استوفى كل الأوراق المطلوبة وانتظر شهورا طويلة، أخبرته إدارة الهجرة أنه فاز في الحصول على تأشيرة الهجرة، وأن عليه السفر إلى الولايات المتحدة خلال عدة شهور للحصول على "الجرين كارد" والإقامة في أمريكا.

مرت الأيام والشهور والشاب لا يستطيع السفر لعدم تمكنه من استكمال قيمة تذكرة الطائرة التي تنقله إلى أرض الجنة الموعودة، إلى أن تيقن أنه سوف يفقد هذه الفرصة فطلب من إدارة الهجرة إرسال تذكرة السفر على أن يسددها من عمله هناك عندما يصل إليهم. لم يرفضوا ولم يقبلوا ... وبقيت أيام قليلة على انتهاء المهلة دون رد، فتملكه شعور جارف بالانتقام من أمريكا كلها. حصل على أرقام هواتف مطار جون كيندي، وكان يعلم بمواعيد رحلات الطيران الأمريكية المتجهة من المغرب إلى أمريكا، وانتظر إلى أن غادرت طائرة شركة TWA مطار الدار البيضاء وأصبحت في عرض المحيط الأطلنطي وهاتف مطار جون كيندي ليخبرهم بأن الطائرة تحمل على متنها قنبلة سوف تنفجر بعد أقل من ساعة.

كانت الطائرة البوينج 767 أمامها حوالي ثلاث ساعات لتصل إلى نيويورك، والقنبلة لم تنفجر في الموعد الذي حدده الشاب المغربي، ولكن تلك الساعات مرت كأنها دهر كامل على سلطات مطار جون كيندي والحكومة الأمريكية ... وحلقت الطائرة أخيرا في سماء نيويورك وتم إنزالها في ممر خاص خارج المطار وهي محاطة بسيارات الإسعاف والمطافئ، وتم إجراء هبوط اضطراري للركاب الذين لم يكونوا يعلمون شيئا عما حدث، وقامت المباحث الفيدرالية وسلطات المطار بتفتيش باطن الطائرة ومخزن الحقائب تفتيشا دقيقا بأحدث الأجهزة وقتها فلم تعثر على ثمة شيء ... فقد كان ثمة بلاغ كاذب لا أكثر.

كان السؤال الذي طرح نفسه حينها كيف توصلت الشرطة المغربية إلى الفاعل وقبضت عليه خلال هذه الأيام القليلة وقدمته إلى المحكمة بتهمة إزعاج السلطات وتكدير الأمن العام وحكم عليه بالحبس لمدة عام؟! . كان الأمر في غاية البساطة، فالولايات المتحدة الأمريكية تنبهت منذ حادثة لوكيربي عام 1986 إلى أهمية أن يكون لديها إمكانية التنصت على كل المكالمات الهاتفية التي تجري في العالم فأقامت مطلع تسعينيات القرن الماضي نظاما إلكترونيا متقدما يعتمد على عدة أقمار صناعية تغطي كل الكرة الأرضية وتقوم بالتقاط كافة المكالمات التي تجري بين سكان المعمورة وإعادة بثها إلى قاعدتين عسكريتين أمريكيتين إحداهما في جبل طارق والأخرى في بريطانيا، حيث يتم تخزينها على "هاردات" عملاقة لمدة عام كامل. بحيث إذا وقع أي حادث إرهابي في أي مكان في العالم يتم الرجوع لتلك التسجيلات والبحث فيها من خلال كلمة معينة للوصول إلى أية اتصالات قد تكون جرت ويمكن أن تدل على الفاعل، وهو الأمر الذي حدث مع الشاب المغربي المسكين، فقد تم البحث عن مكالمته التي أجراها لمطار جون كيندي من خلال كلمة دالة هي "قنبلة" وتم التوصل - من خلال رقم التليفون - إلى المدينة والمنطقة التي يتحدث منها حيث تم إبلاغ أجهزة الأمن المغربية بتلك المعلومات فأجرت تحرياتها وتوصلت إلى الفاعل.

تذكرت هذه الحكاية القديمة عندما قرأت منذ أيام خبرا عن تنصت المخابرات الأمريكية على المكالمات الهاتفية للمصريين، وقبلها خبرا عن تنصتها على عدة زعماء وشخصيات بارزة منهم السيدة إنجيلا ميركل المستشارة الألمانية والحليف القوي للولايات المتحدة في أوروبا، واندهشت من "اندهاش" كثير من الكتاب والصحفيين لهذا العمل، ومن نفي شركات الاتصالات المصرية ووزير الاتصالات منذ أيام لخبر تنصت أمريكا على مكالمات المصريين وتأكيدهم أن "كل شيء تمام" ... وأن أسرار المصريين في أمان، ولا تعرفها غير حكومتهم الرشيدة!.

فالتنصت هو عمل أجهزة الاستخبارات في كل مكان في العالم، وهو ليس عملا حقيرا في عرف تلك الأجهزة لكنه عمل مشروع يجري يوميا - كل أعمال تلك الأجهزة غير مشروعة أخلاقيا ولكنها تعد مشروعة في سبيل حماية الدولة ومواطنيها - ويتم فيه التنصت والتجسس على الأصدقاء قبل الأعداء، وكل دول العالم - وليس أمريكا فقط - تفعل ذلك ... وأكثر من ذلك لو استطاعت. وكلنا نذكر تنصت المخابرات الأمريكية على مكتب الرئيس مبارك في أكتوبر عام 1985 إبان حادث اختطاف السفينة الإيطالية "أكيلي لاورو" في عرض البحر المتوسط ​-;---;--​-;---;--ومقتل راكب أمريكي من قبل مسلحين فلسطينيين تابعين للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وتسليم أنفسهم للسلطات المصرية في ميناء بورسعيد مقابل حمايتهم وعدم تسليمهم للسلطات الإيطالية أو الأمريكية وتمكينهم من الذهاب لتونس - حيث مقر منظمة التحرير الفلسطينية وقتها - حيث تم قامت ال CIAبالتقاط المكالمات التي جرت بين الرئيس مبارك ووزير الخارجية الدكتور عصمت عبد المجيد، وبينه وبين الرئيس عرفات من أجل ترتيب تسليم الفلسطينيين لمنظمة التحرير. وعن طريق هذا التنصت تم اعتراض الطائرة المصرية المتجهة إلى تونس والتي كانت تحمل المقاتلين الفلسطينيين فوق البحر المتوسط ​-;---;--​-;---;--بواسطة مقاتلات أمريكية وإجبارها على الهبوط في مطار جزيرة صقلية والقبض على المختطفين ومحاكمتهم في إيطاليا. ويومها تحدث مبارك للشعب وقال أنه "حزين" من تنصت أمريكا على مكالماته، وتم بعدها مباشرة إنشاء شبكة اتصالات مؤمنة ويصعب اختراقها للرئيس المصري ومعاونيه داخل القصر الجمهوري بواسطة جهاز المخابرات العامة.

ولكن التقدم التكنولوجي لا يتوقف، فكل يوم يتم ابتكار عشرات الوسائل لتأمين سرية الاتصالات ... وكل يوم أيضا يتم ابتكار مئات الوسائل لخرق هذه السرية والتنصت على الاتصالات.

وحتى على مستوى الأفراد فمع ابتكار نظام ال GPS أصبحت أنت تستطيع تحديد موقعك بكل دقة، وتعرف أين تقف بالضبط في أي مكان من أي شارع في أي مدينة مهما كنت تائها. ومع ابتكار نظام ال AVL - لم يتم السماح به في شركات الاتصالات المصرية - يستطيع أيضا من يتصل بك تليفونيا أن يحدد موقعك بالضبط. وعندها لن تستطيع أن تخدع زوجتك وتقول لها أنك في عمل مسائي بينما تستطيع هي أن تكتشف بسهولة أنك تقف بسيارتك مع صديقتك على كورنيش المقطم!، أو أن تقول لها أنك في الإسكندرية ... بينما يبدو على شاشة هاتفها أنك في العقار رقم 45 أ شارع شامبليون بوسط القاهرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة