الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-البترودولار- ما زال يستبدُّ بالعالَم!

جواد البشيتي

2013 / 11 / 10
الادارة و الاقتصاد



لَمَّا انهار النِّظام النَّقدي العالمي الذي أسَّست له اتفاقية "بريتون وودز"، واستبدَّ بالولايات المتحدة الخوف من عواقب تخلِّيها عن "استبدال الذَّهب بالدولار"، ذَهَب وزير خارجيتها هنري كيسنجر إلى السعودية، ليَعْقِد معها "اتفاقية"، تلتزم فيها القوَّة العظمى في العالَم حماية حقول النفط في مقابل التزام السعودية تسعير مبيعاتها النفطية بالدولار، وبه فحسب؛ وهذا عَنَى أنْ تَرْفُض السعودية بيع نفطها بغير "الورقة الخضراء".
وهكذا خَرَج نظام "البترودولار" إلى الوجود، وحلَّ "الذَّهَب الأسود" محل "المعدن الأصفر"؛ فدخلت السعودية التاريخ بصفة كونها الدولة التي أنقذت الدولار، بصفة كونه "عملة العالَم"، من هلاكه المحتوم؛ ومع حلول سنة 1975، وافقت كل الدول الأعضاء في "أوبك" على تسعير مواردها النفطية كافة بالدولار حصراً؛ وكأنَّ كيسنجر أراد أنْ يقول للعالَم أجمع، بدءاً من عقده الاتفاقية مع السعودية: لا حياة بلا نفط، ولا نفط بلا دولار.
"البترودولار"، تعريفاً، إنَّما هو "الدولار إذا ما حَصَلْتَ عليه من طريق بَيْعِكَ النفط"؛ قد تَحْصَل على الدولار من طريق بَيْعِكَ سلعة أخرى؛ لكنَّ هذا الدولار لا يكون مِنْ جِنْس "البترودولار"؛ ويعود الفضل في استحداث مصطلح "البترودولار"، سنة 1973، إلى أستاذ الاقتصاد في جامعة "جورج تاون" إبراهيم عويس.
إنَّ على كل دولة، إذا ما أرادت أنْ تبقى على قيد الحياة في عالَمٍ يقوم اقتصاده على الطاقة النفطية، أنْ تَحْصَل على النفط؛ لكنَّها لن تَحْصَل عليه إذا لم تَحْصَل على "الورقة الخضراء"؛ فَمِنْ أين تأتي بهذه الورقة، التي عَرَفَت الولايات المتحدة كيف تَجْعَل للعالَم مصلحة في اقتنائها واختزانها؟
دول كثيرة لا تَملك إلاَّ ما يشبه "جسدها"، فتبيعه للولايات المتحدة، أو لغيرها من القوى الغربية، من أجل الحصول على الدولار؛ وهكذا تبيع هذه الدول (للولايات المتحدة في المقام الأوَّل) كثيراً من سيادتها واستقلالها، ومن حقوق ومصالح وقضايا شعوبها، من أجل الحصول على الدولار.
ومع كل اشتداد في الطَّلَب العالمي على النفط، يشتد الطَّلَب العالمي على "الورقة الخضراء"، فيغدو الحصول عليها غاية كل اقتصاد، وغاية صادرات الدول على وجه الخصوص؛ فالصادرات التي تأتي بـ "الورقة الخضراء" هي التي تَعْلو، ولا يُعْلى عليها.
مِنْ قَبْل، لم يكن في مقدور الولايات المتحدة (ولو نظرياً) أنْ تطبع ولو دولاراً واحداً غير مغطَّى بالذَّهَب؛ أمَّا الآن فلا "رادع ذَهَبياً" يردعها عن التمادي في طباعته؛ فطباعة الدولار الواحد لا تُكلِّفها أكثر من 5 سنتات؛ فما أرخص دولار نظام "البترودولار"!
إنَّها لدولة نسيج وحدها تلك التي "يحقُّ لها" أنْ تشتري بـ "وَرَقٍ"، لا تُكلِّفها طباعة الورقة الواحدة منه أكثر من 5 سنتات، كل ما تريد شراؤه من نفط، ومن سِلَعٍ أخرى، ومن نفوذ سياسي، وغير سياسي!
لقد خرجت الدول الصناعية الأوروبية والآسيوية من الحرب العالمية الثانية باقتصاد مدمَّر ومَدين؛ وكانت، من ثمَّ، في أمسِّ الحاجة إلى من يساعدها في سعيها إلى الوقوف على قدميها؛ أمَّا الولايات المتحدة، التي درأ عنها الحاجز الطبيعي الجبَّار المسمَّى المحيط الأطلسي شرور الدَّمار النازي، فخَرَجت من الحرب نفسها باقتصاد مزدهر، وطاقة إنتاجية صناعية هائلة، مُركِّزةً في خزانتها، من طريق مَدِّها دول الحلفاء بالأسلحة والذخيرة والمُؤن، نحو ثلاثة أرباع ذَهَب العالم.
سنة 1971، حرَّرت الولايات المتحدة الدولار من قَيْده الذَّهبي، فأعلن الرئيس (الجمهوري) نيكسون أنَّ بلاده لن تدفع بالذَّهب من الآن وصاعداً. وقال: "من قبل كان يأتينا شخص حاملاً 35 دولاراً، فنعطيه بدلاً منها أوقية من الذهب. كنَّا ملتزمين هذا؛ أمَّا الآن فلا"!
ولقد صَدَقَ ديغول، وأصاب كبد الحقيقة، إذ وصف طبع الولايات المتحدة للدولار من دون غطاء ذهبي في خلال حرب فيتنام بأنَّه "سرقة مكشوفة وكبيرة".
"البترودولار" لا "البترول نفسه"، هو ما يستأثر الآن بالاهتمام الإستراتيجي للقوَّة العظمى في العالَم؛ وكلُّ مَنْ يتمرَّد على نظام "البترودولار"، مقرِّراً بيع نفطه بغير الدولار (بالذَّهَب أو باليورو الأوروبي أو بالين الياباني أو باليوان الصيني) أو بالمقايضة، يَلْقى أشدَّ عقاب؛ وهذا ما أسماه وليم كلارك "حرب البترودولار".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - البترودولار وماادراك ماتبعاته
مكارم ابراهيم ( 2013 / 11 / 11 - 09:16 )
تحية طيبة زميلنا العزيز جواد البشيتي والف شكر للمقالة الهامة نعم كل من يفكر ببيع الب الهواء الذي تستشترول بغير الدولار يلاقي اشد العقاب وهذا ماحدث للعراق عندما فكر صدام حسين فعناد الولايات المتحدة وبيع البترول باليورو ولي سبالدولار كان مصيره الحرب والغزو واتهامه بعلاقته باسامة بن لادن وامتلاكه اسلحة دمار شامل رغم انهم تاكدوا انها ليست الحقيقة ولم يعتذر احد للشعب العراقي بعد غزوه وتدميره لكن ماذا نقول نحن نعيش في عالم الراس مال اذا اردت ان تجني ارباحا من الماء الذينحصل عليه مجانا من النهر عليك ان تعبئه في قناني بلاستيكية وتحوله الى كوكا كولا وستجني مالا كثيرا هذه هي الراسمالية الجشع في ربح المال لو استطاع الراسمالي ان يدفعك مالا عن والا الهواء الذي تتنفسه سيفعل يعبئ الهواء المجاني بقناني زكاجية ويبعه لك على انه معقم
تقبل مني خالص المودة والاعتزاز

اخر الافلام

.. جولة إعادة بين بزشكيان وجليلي وسط أزمة اقتصادية خانقة| #غرفة


.. قصف إسرائيلي يدمر بنايات سكنية وسوق الذهب الأثري بالشجاعية




.. الأحزاب البريطانية تراهن على خططها الاقتصادية لاستمالة الناخ


.. كل يوم - خبير اقتصادي : نتمني أن تعيد الدولة النظر في قرار غ




.. كل يوم - خبير اقتصادي : نتمني أن تعيد الدولة النظر في قرار غ