الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في مديح الاصلاح من الخارج

كريم رضي

2005 / 6 / 4
حقوق الانسان


فجأة دبت الوطنية في عروق الأنظمة العربية كدم جديد. فجأة اتحد الخطاب بين ((الرجعيين)) في الخليج و ((التقدميين)) في المشرق و ((الليبراليين)) في المغرب. اتحد الخطاب ويا لخطب الشعوب العربية كلما اتحدت أنظمتها. لك أن تتخيل عالما مشكلة شعوبه الكبرى هي اتحاد أنظمته. عالما يا صديقي من الخير لشعوبه أن يبقى ممزقا. على الأقل ستوزع السكين على جروح شتى بدل أن يوزع الجرح على شتى السكاكين. إنهم توحدوا اليوم ويا للمفارقة على أن يكونوا وطنيين، وليس هذا فقط، أزيدك من القصيد بيتا كما يقول المثل لدينا، على أن يكونوا معادين للاستعمار والغرب والتدخل الامبريالي في شؤون الدول الداخلية!!!. اتحد الخطاب القومجي مع الخطاب الخليجي مع الخطاب المغربي على رفض ((الإصلاح من الخارج)) لأنهم كفيلون، يا عيني عليهم، بتنفيذ الإصلاح من الداخل. تخيل هؤلاء الذين لم يتركوا من التراب شبرا ومن الثروات قنطارا إلا ونهبوه، بالتعاون مع حكومات الغرب وشركات الغرب وشخصيات الغرب، ومنحوا الغرب القواعد والقوائم، ومسحوا أحذية أميركا بأقمصة الفقراء، فجأة أصبحوا وطنيين ومعادين للتدخل الأجنبي. ها ها ها قهقهة الجنون أم الموت أم الاستهزاء. إنهم اليوم يا صديقي يطرحون ما كنا نطرحه يوم كنا نعيش طفولة اليسار ونزقه، ويطعنون في وطنيتنا. كانوا يوما يتهمونا بالولاء للسوفيات لأننا نطالب بالعدالة. وكنا نتهمهم بالعمالة لأميركا والغرب. اليوم أصبحوا يتهموننا بالولاء لأميركا والغرب، وليس لدينا من نتهمهم بالعمالة له. أقرأ خطاب الحكومة أو الموالاة في مصر وسورية والبحرين والسعودية وليبيا ولبنان وتونس والسودان فأراها تحذر من ((الديمقراطية القادمة من الخارج على حصان أميركي، على يد دعاة الإصلاح عملاء أميركا والغرب)). يا سبحان الله، الآن أصبحنا نحن العملاء لأننا نريد عون الخارج في تحقيق إصلاح لن يأتي من الداخل حتى يلج الجمل في سم الخياط. وأصبحتم أنتم الوطنيين العروبيين واتحد تقدميوكم ورجعيوكم على رفض ((الإصلاح من الخارج)). الآن وبعد أن لم يعد أحد يعرف أصلا ما هو الداخل وما هو الخارج. الآن وبعد أن صارت هوية الإنسان هي إنسانيته بغض النظر عن مولده وعقيدته وجنسيته. الآن وبعد أن أصبحت لا قيمة لسيادة الأوطان في ظل انتهاك سيادة المواطن. الآن وبعد أن أصبحت حدود البيت الصغير وكرامته التي يحرسها رب عائلة شريف أهم من حدود الدول التي يحرسها الجنود المرتشون. الآن وبعد أن أصبحت حرية العشاق في علنية الحب، وحرية الفرد في أن يعارض ويوالي وينتمي أو لا ينتمي هي معيار حرية الدول واستقلالها، لا الديماغوجيات القومية والوطنية الفارغة. الآن وبعد أن أصبحت أجمل الأغنيات الوطنية هي التي تتغنى بوحدة الإنسان لا بمديح تراب الدولة وعلمها ونخلها وبحرها. الآن وبعد أن فتحت بوابات الأوطان شرقا وغربا ودخلت التكنولوجيا والفضائيات والأرضيات والفضاء الافتراضي. فجأة صرتم وطنيين جدا، وعروبيين جدا، وداخليين جدا. الآن وبعد اليورو الذي وحد أوروبا وبعد اختلاط الأبيض والأسود والأصفر والأحمر على ضفاف أنهار السين والراين والفولغا. الآن وبعد صدور أول دستور قاري في التاريخ قادم ومنتصر رغم غيوم الاستفتاءات ولو طال الزمن. الآن صرتم منتبهين فجأة للسيادة الداخلية والتدخل الخارجي. غريب ذلك حقا. لكن الأغرب منه أن تعزف بعض قيادات المعارضة لا الأنظمة على هذا الوتر المشروخ ذاته. ((رفض الإصلاح من الخارج)) يا لها من جملة ساحرة وشريرة. وما لم يكن قائلها متواطئا و مدركا أنه يعطي أرضية شرعية لأنظمة ترتجف أقدامها، فلا شك أنه مغفل. لكن ألم تكن أميركا غربا وروسيا شرقا هي التي تدخلت يوما وغيرت مصير العالم من رهينة للفاشية والنازية إلى عالم حر؟. أقول للقومجيين واليساريين منهم على وجه الخصوص، ألم يقاتل الشيوعيون من كل بقاع العالم في صفوف الحلفاء يوما متوحدين لدرء خطر الفاشية والنازية الداهم. لم يكن الألمان الذين ساندوا الحلفاء ضد هتلر يعانون من ضيق اقتصادي، على العكس فقد جاء النازيون بنمو تصنيعي ومادي كبير لألمانيا، وبعث للعزة الوطنية المهدورة، لكن المعارضون الألمان أدركوا على قلتهم في صخب البروباجندا النازية أنهم لو ساندوا الوطنية النازية يقامرون بحريتهم كبشر، في سبيل مجد وطني ليس جديرا بأن يعلو على مجد الإنسان. لم يكونو خونة، ولم يكن الأسبان ضد فرانكو واليايانيون ضد الإمبراطورية كذلك. لقد كانوا هم الوطنيون الحقيقيون الذين فهموا الوطنية في كرامة المواطن وهي مصدر كرامة الوطن و وليس العكس، أبدا ليس العكس. ألسنا مدينين اليوم لأولئك الذين أدركوا منذ نصف قرن، أن معركة حرية الانسان هي أكبر معارك الأحرار على الإطلاق بغض النظر عن كل مخاطر الاستغلال الاقتصادي والاحتلال العسكري للأوطان. أليست هذه أوروبا التي تناطح الدولار باليورو وبالقرار المستقل اليوم هي التي أنقذها مشروع مارشال يوما ما بعد خراب الحرب؟ يوم كانت ممزقة مريضة تئن من جراحها؟ وما ذلك إلا لأن الإنسان الحر قادر على صنع مصيره أولا ومصير بلاده ثانيا وليس العكس، (حتى لا تختلط الأولويات). وأية فاشية أخطر من هذه الأنظمة (الأوليغارشية العائلية) في الخليج، و (الأوتوقراطية الحزبية في سورية) و (التعددية الشكلية في تونس ومصر) والخ. وأية توتاليتارية أكبر من هذه الأنظمة التي تحارب العلمانيين بالدعوة إلى الدين، ثم تحارب الإسلاميين بالدعوة إلى التحرر ثم تحارب المتحررين بالدعوة إلى الأخلاق ثم تنتهك حرمات الفتيات المتظاهرات (مصر نموذجا)، ثم تحارب الوطنيين بالدعوة إلى الانفتاح ثم تحارب الليبراليين بالدعوة إلى السيادة الوطنية ثم تحارب الاشتراكيين بالدعوة إلى الخصخصة ثم تحارب تحرير الاقتصاد من فساد الدولة بالدعوة إلى المحافظة على القطاع العام ثم تحارب رافضي خصخصة الخدمات بالدعوة إلى الاصلاح الاقتصادي. فلا هي أنظمة اشتراكية ولا هي دينية ولا هي ليبرالية ولا هي تؤمن بالاقتصاد الحر ولا هي تؤمن بالاقتصاد الدولتي (المدار من قبل الدولة)، هي فقط أنظمة فاسدة ونقطة على السطر. نحن اليوم أقدر على أن نكون أكثر وضوحا من هذه الأنظمة. أقول نحن باعتبارنا أفرادا أيا كنا يساريين أم إسلاميين، وأستثني هنا تيارات التكفير والتخوين الدينية والقومية فهي في النهاية تصب استراتيجيا في مصلحة خطاب الانظمة حتى ولو بدت متعارضة بل متقاتلة الآن. (جملة عارضة: الكاتب المعروف صادق جلال العظم شبه في محاضرة ألقاها في البحرين مؤخرا سياسة أحد الأنظمة بالسياسة الكلبية، وشرح ذلك قائلا: بالنسبة لهذا النظام السلفيون أعداء، ولكن من الممكن أن يكونوا أعداء مفيدين لو قاتلوا في بلاد أخرى لتنفيذ مصالح النظام ضمنيا، فإن هم قتلوا بضم القاف أو قتلوا بفتحها فذلك هو ما يريده النظام). أقول كأفراد ليس لدينا ما نخسره، لو جاء الإصلاح من الخارج، ولن يكون لدينا ما نربحه لو انتظرنا اصلاحا مستحيلا من الداخل. لست أعني هنا بالضرورة نموذجا عراقيا، وهو على أي حال أمر ليس مطروحا للتكرار (على الأقل في المدى القريب)، أعني ضغطا خارجيا اقتصاديا أو سياسيا. أثبت هذا نجاحه ولو قليلا. ولم تكن هوجة حكومة مصر بالتعديل المزعوم للدستور وتراخي قبضة سورية على لبنان وعلى المعارضة بالداخل بل وانفتاح بعض حكومات الخليج على معارضيها، بدون هذا الضغط. علينا أن ندخل اوروبا في هذا الشرك. أوروبا كانت دائما مهمة لعالمنا العربي. علاقات بلداننا بأوروبا غيرها بأميركا. منذ القرن التاسع عشر، جاء الاستعمار الأوروبي بعساكره ولكن أيضا بثقافته. اوروبا عموما والفرانكفونية خصوصا، مهمة جدا لعالمنا. ليست المشكلة كما يوهمنا محدثوا الوطنية من الحكومات ومحازبوها في الاصلاح من الخارج كمفهوم. ربما تكون المشكلة، أقول ربما، في أحادية هذا الخارج، لكن ماذا لو كان هذا الخارج متعددا، أوروبا وأميركا والأمم المتحدة. بل ماذا لو كانت حقوق الإنسان من دواعي تدخل مجلس الأمن، ولماذا لا؟ لعل فرائص هذه الأنظمة ترتعد شيئا ما بعد أن ارتعدت فرائصنا حتى الموت. أما أولئك الذين يرون في الإصلاح من الخارج ما لم يره مالك في الخمر، برغم أنهم يؤمنون بألا إصلاح ينتظر أبدا من الداخل، فلا نرجو منهم أكثر من أن يسكتوا لئلا يزيدوا من التبريرات ما في ترسانة الأنظمة أصلا ما يمائله أو يزيد عنه، وذلك أضعف الأيمان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأونروا تنشر فيديو لمحاولة إحراق مكاتبها بالقدس.. وتعلن إغل


.. د. هيثم رئيس بعثة المجلس الدولي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة




.. الأمم المتحدة: نزوح نحو 80 ألف شخص من رفح الفلسطينية منذ بدء


.. إيطاليا: هل أصبح من غير الممكن إنقاذ المهاجرين في عرض المتوس




.. تونس: -محاسبة مشروعة- أم -قمع- للجمعيات المدافعة عن المهاجري