الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب -نحو نظرية منفتحة للقصة القصيرة جدا- للدكتور حميد الحميداني

محمد يوب

2013 / 11 / 11
الادب والفن


قراءة في كتاب
نحو نظرية منفتحة للقصة القصيرة جدا
للدكتور حميد الحميداني

بعيدا عن لغة التعالي ومنطق التعالم سأتناول بالدرس و التمحيص كتاب الدكتور حميد الحميداني الأخير "نحو نظرية منفتحة للقصة القصيرة جدا :قضايا ونماذج تحليلية" الصادر عن مطبعة أنفو- برانت الطبعة الأولى 2012 .
و الذي تطرق فيه إلى مجموعة من القضايا التي تخص القصة القصيرة جدا إبداعا ونقدا، والذي اعتمد فيه كما قال منهجا في الدراسة سماه بالبحث الابستيمولوجي
" البحث في نظرية الق الق جدا هو بحث ابستيمولوجي بامتياز وهو مثيل البحث في موضوع نقد النقد الأدبي" ص 10

قبل التطرق إلى القضايا التي تطرق إليها الكتاب لابد من الاشارة إلى طبيعة البحث الابستيمولوجي الذي زعم الدكتور حميد الحميداني أنه اعتمده في هذا البحث ، فالقصد من هذا المنهج هو معرفة كيفية تناول الباحث للظاهرة المدروسة ومعرفة المناهج التي اعتمدها دون قدح أو تشهير،هذه الصفة العلمية التي حقيقة نجد الكانب قد افتقدها، حيث نراه ينزل بالقذف و التشهير بنقاد جادين في النقد الأدبي وفي تتبع مسار القصة القصيرة جدا بالخصوص، نراه ينعث دراسات الناقدة سعاد مسكين في كتابها "لقصة القصيرة جدا في المغرب تصورات ومقاربات" بأن كتابها عبارة عن دراسات "تستند إلى خلفية منهجية فضفاضة لا تعرف الحدود بين مناهج البحث من جهة وموضوع البحث من جهة ثانية" ص51

ويستطرد قائلا في ثلاث عشرة صفحة بأكملها ويقول"النتيجة التي تقود إليها هذه الوضعية هي خلق حالة من عدم الانضباط في الخطاب التحليلي النقدي ومسامحة الذات لنفسها في قول الشئ هنا وقول ما يغايره أو يناقضه هناك،و الانتقال من المنهج إلى النظرية الأدبية ثم من هاذين إلى نقد النقد وعود على بدء دون مبررات منطقية في غالب الأحيان......"ص51

إن المنهج الابستيولوجية يقتضي البحث عن المعرفة و لا شئ غير المعرفة دون الطعن في الشخص الدارس، لأنه عندما نطعن في الباحث فإننا نطعن في جهاز معرفي كبير هو جهاز البحث المعرفي الأكاديمي الذي يسهر عليه شيوخ النقد في المغرب من أمثال الدكتور سعيد يقطين ومحمد برادة و اليابوري و محمد السرغيني ... الذين تخرجت على أيديهم أفواج كثيرة من النقاد العرب وكتاباتهم النقدية الوازنة تشهد على ذلك.

وعندما ننهى عن شئ ينبغي علينا ألا نفعل مثله فالقارئ لكتاب نحو نظرية منفتحة للقصة القصيرة جدا يلاحظ بأن هناك تشويشا واضحا في تناول المواضيع وفي تقديمها للقارئ العربي، وخاصة عندما يتحدث عن القصة القصيرة جدا باعتبارها فنا أدبيا "استطاع في ظرف وجيز أن يفرض نفسه في عالم السرد ويتجاوز فن القصة القصيرة على الخصوص ويضاهيها أحيانا ويتميز عليها" ص3

ترى ما هي المعايير و المقاييس التي اعتمدها الدكتور حميد الحميداني لإصدار هذا الحكم القاسي في حق القصة القصيرة التي تعتبر الصوت المنفرد حسب قول فرانك أكنور هذا الفن الأدبي الذي نجد فيه متعة القراءة وجمالية الصورة و المعنى .
إن نظرية الأجناس الأدبية أصبحت متجاوزة لايمكن الاعتداد بها فكل فن أدبي مستقل بذاته، لكل واحد خصائصه ومميزاته، لايمكن بحال من الأحوال أن نضع الكتابة الأدبية سواء أكانت قصة قصيرة أو قصيرة جدا في حلبة السباق ونتابع من يسبق من؟ أو من يتجاوز من؟

إن الباحث في العلوم الانسانية يعرف بأن البحث الابستيمولوجي يؤمن بالقطائع الابستيمولوجية ولكن القطائع ينبغي أن تكون لها مبررات وحقائق تثبتها... وهل هذه القطائع هي قطائع امتداد أم قطائع إلى حد اللاعودة؟،إننا ونحن نتتبع القصة القصيرة جدا نلاحظ بأنها تسير جنبا إلى جنب مع القصة القصيرة دون عراك أو خصام لكن بعض الدارسين حاولوا الركوب على هذه الموجة الجديدة /الموضة من أجل إثبات الذات أخيرا، ويقولون بأن جيلا من النقاد الجدد غير قادرين على تتبع مسار القصة القصيرة جدا،وأن مكان البحث فيها هو الصرح الجامعي الذي يركن البحث الأكاديمي في رفوف مكتبات الكلية.

إن البحث العلمي حقيقة هو مواكبة ومتابعة للمشهد الثقافي و للقصة القصيرة جدا على الخصوص ومحاولة النبش عميقا فيها دون البحث عن السبق في من أول من كتب فيها؟ أو كتب عليها؟؟؟

و عندما تناول الدكتور حميد الحميداني كتاب "مضمرات القصة القصيرة جدا" للناقد محمد يوب قال: "هناك نقص ملحوظ في التوثيق بشكل عام وعدم استكمال المعلومات" ص 68 ،هذا الأمر نفسه نجده بشكل متكرر ولافت للنظر في كتاب نحو نظرية منفتحة للقصة القصيرة جدا، حيث نجد بشكل ملموس عدم ضبط بعض المعلومات التي يقدمها الكاتب كجهله لبعض الأدباء العرب كعدم قدرة الدكتور حميد الحميداني التفريق بين الناقد حسين المناصرة و الشاعر عز الدين المناصرة حيث اعتبر هذا الأخير ناقدا وباحثا حيث يقول الدكتور حميد الحميداني"انتبه الباحث عز الدين المناصرة أيضا في إحدى مقالاته إلى أهمية الحجم في تحديد الفرق بين أهم الأنماط القصصية ......" ص25

صراحة في تاريخ مقروئي البسيط و المتواضع لم أقرأ كتابا نقديا للشاعر عز الدين المناصرة، إن هذه الفقرة حقيقة لم يدركها الدكتورفهي مقتبسة من القصة القصيرة جدا:رؤى وإشكاليات للناقد حسين المناصرة. هذا بالاضافة إلى جمل ومسكوكات نقدية أثارت شهوة الدكتور حميد الحميداني ونسبها إلى نفسه وهي معروفة لنقاد عرب وغربيين مشهورين.

وما دمنا في إطار الحديث عن التوثيق و الدقة ما يضير باحث كبير في حجم الدكتور حميد الحميداني إذا كتب "القصة القصيرة جدا" بدل كتابتها بشكلها المقزز في الكتاب "الق الق جدا" أي بحث أكاديمي الذي يعتمد تبخيس و احتقار القصة القصيرة جدا .... وأي احتقار كهذا لفن أدبي يمتعنا ويرفع من ذائقتنا الأدبية.... أي بخل هذا.... ألهذه الدرجة نضب الحبر ولم يقدر الكاتب على كتابة القصة القصيرة جدا وينطقها بالفم المليان.... إن جمالية القصة القصيرة جدا في شغبها وفي هذا الاسم بالذات الذي لم يستطع الدكتور حميد الحميداني تكميله وكتابته بشكله الصحيح.

إن الابسيتيمولوجيا تقتضي تحديد المفاهيم نطقا وكتابة لأن الكتابة تترجم في الذاكرة وتأخذ صورا ومفاهيم متعددة... ما هي الصورة التي تؤديها الق الق جدا في ذهن المتلقي؟ وأية جمالية تؤديها الق الق جدا ونحن بصدد احترام البحث العلمي الابستيمولوجي.....؟
وقال كذلك بأن الناقد محمد يوب في مضمرات القصة القصيرة جدا اعتمد "ممارسة النقد التأملي المعتمد على الانشائية بدل التحليل و التعليل" ص68 وهو بذلك يتناقض مع نفسه عندما قال في مستهل حديثه عن المنهج في هذا الكتاب بأنه " يركز على موضوع القراءة و التأويل"ص67 وكباحثين في مجال المناهج النقدية لا أعتقد بأن هناك منهجا نقديا يعتمد على التأمل لأن عملية التأمل لا تدخل في إطار النقد الأدبي، وإنما هي حالة من حالات التفكير الفلسفي القائم على التأمل و الذي يتعامل مع الظواهر الكونية و الانسانية بشكل كلي وتأملي معتمدا مجموعة من القوانين الضابطة لهذا المنهج الفلسفي وهي قانون الهوية و قانون التناقض وقانون السببية، ولا أعتقد أن الناقد محمد يوب كان يقصد ذلك وإنما اهتم في منجزه النقدي على منهج التلقي و التأويل أو ما يسمى بالهيرمنيوطيقا وهي مجال اختصاصه، وقد تتبعنا ذلك من خلال مجموعة من الآليات و الميكانزمات التي اعتمدها في تتبع الجسم القصصي القصير جدا باحترام قوانين المنهج وخصوصية القصة القصيرة جدا و الأيادي التي تكبها وهي يد القاص و يد القصة ويد القارئ.

وعندما نأتي إلى النظرية التي يريد الدكتور حميد الحميداني بلورتها من خلال هذا الكتاب، و التي يبدو أنه قد تهرب من تحمل تبعات و نتائج هذا الكتاب، ومسؤولية النطق بالقرار وتنفيذ هذا القرار، الذي وعد بتنفيذه انطلاقا من العنوان "نحو نظرية منفتحة للقصة القصيرة جدا"..أتساءل مع الدكتور عن أي نظرية يتحدث؟ وما هي شروط إنتاج النظرية؟وما طبيعة هذه النظرية؟وإلى أي حد تحققت هذه النظرية في المنتوج القصصي القصير جدا؟ وهل استنتج القارئ العربي لهذا الكتاب نظرية واضحة المعالم يمكن للباحثين الشباب الاعتماد عليها في تحليل النصوص القصصية القصيرة جدا.

كل هذه الأسئلة كنت أتمنى أن يجيب عنها الدكتور حميد الحميداني،لكن مع الأسف ظل طيلة مجموع صفحات الكتاب ضالا الطريق، يدور ويلف حول علاقة القصة القصيرة جدا بالحكاية والبحث في المصطلح ومناقشة عناصر القصة القصيرة جدا، وحاول تعويم مجموعة من المناهج النقدية بشكل توفيقي تلفيقي لا يمت بصلة إلى محتوى ما يحتويه العنوان الجلل "نحو نظرية منفتحة للقصة القصيرة جدا" الذي كنا نأمل منه تحقيق إنجاز نقدي يكون بمتابة الفتح المبين، لكن عند قراءة الكتاب لايبرح أن يكون جمعا وتأليفا لما سبق في مجال الكتابة النقدية في القصة القصيرة جدا دون إضافات تذكر أو إحداث نقلة جديدة في مجال القصة القصيرة جدا.
ويمكننا تتبع معالم هذه النظرية المنفتحة التي قال عنها الدكتور حميد الحميداني من خلال العناوين التي تناولها :
"- في طبيعة الق الق جدا
- كلمة عن الوظيفة
- في بناء النظرية التعريفية للق الق جدا
- المصطلحات و الخصائص
- مصطلحات التسمية
- مصطلحات تقنية وفنية ودلالية
- ملاحظة أساسية حول الخصائص
- خلاصة الصياغة النظرية"ص 89...101

وبخصوص هذه النقطة الأخيرة أكتفي بما جاء في الكتاب لكي أفهم أنا و القارئ الكريم ماذا يريد الدكتور حميد الحميداني أن يقول بخصوص هذه النظرية النقدية الجديد التي تهم بالقصة القصيرة جدا
"نقدم هنا خلاصة ما توصلنا إليه في هذا العمل فيما يتصل بالصياغة النظرية و التعريفية و الاصطلاحية المنفتحة على الواقع الحالي للق الق جدا،مشيرين إلى ملاحظة أساسية،وهي متعلقة بطبيعة توزيع التوصيفات على خانتي الخصائص الشكلية و الفنية،و الخصائص الدلالية،ذلك أن بعض الخصائص كما ذكرنا تبدو إلى حد ما ذات حمولة مزدوجة بحيث يمكن إدراجها إما في الخانة الأولى أو في الثانية......."ص101

نتساءل جميعا ونحن نتتبع فصول هذا الكتاب ماهو الجديد الذي قدمه الدكتور حميد الحميداني في عالم القصة القصيرة جدا؟وما هي معالم هذه النظرية التي بشر بها القارئ العربي؟ وهل هناك في العالم النقدي نظرية نقدية لقيطة بدون هوية ولا عنوان؟ إننا كنا ننتظر من الدكتور حميد الحميداني مدنا باسم جديد لهذه النظرية لكي نحتفظ له بحقوق اكتشافها و السبق في ابتكارها.....
إلا إذا كان يقصد بهذه النظرية نظرية النص المفتوح فهي نظرية قديمة لأمبرتو إيكو التي حدد آلياتها في كتابه السيميوطيقي المشهور " العمل المفتوح " (L oeuvre ouverte)الصادر عن دار العتبة seuil للنشر.

إن أمبرتو إيكو هو الذي حاول أن يجعل النصوص منفتحة على قطب القارئ الذي تم تجاهله وإقصاؤه إلى منافي الإهمال في زمن هيمنة سلطة الكاتب وسلطة النص.
لقد كان من الأولى على الدكتور حميد الحميداني الاشتغال على نظرية العمل المفتوح عند أمبرتو إيكو دون الادعاء بالسبق المنهجي .
كان عليه التطرق إلى مجموعة من التقنيات التي اعتمدها أمبرتو إيكو وهي :
1- اعتبار النص مجموعة من البياضات والدوال القابلة للملئ وللتأويل.
2- اعتبار القارئ بوصفه مجموعة من النصوص (القارئ الموسوعة).
3- التقاء النص بالقارئ، وهو ما يصفه أمبرتو إيكو بالتشارك النصي أو الموقع الافتراضي.

وبهكذا اشتغال على القصة القصيرة جدا تتمظهر النظرية النقدية ويمكن تطبيقها على النصوص القصصية القصيرة جدا، مع احترام نظرية التلقي و التأويل التي اشتغل عليها الناقد محمد يوب في مضمراته دون ادعاء السبق المعرفي أو الريادة في مجال النقد ،إنه عندما اشتغل على النصوص القصصية القصيرة جدا كان يشتغل عليها في إطار نقدي واضح وهو نظرية التلقي و التأويل واعتماد نظرية العمل المفتوح الذي يترك باب القراءة مواربا لكثير من القراءات التي بها يحيا و يغتني النص القصصي القصير جدا ويتجدد.

ونشير كذلك بأن الكتاب "نحو نظرية منفتحة للقصة القصيرة جدا" ملئ باستعراض العضلات المعرفية المجانية، التي لم تخدم القصة القصيرة جدا ولم تساهم في تطويرها كذكر الدكتور مجموعة من الندوات و اللقاءات و المهرجانات "حلقة الفكر المغربي سؤال الأدبية 27-28 ماي 2006 فاس
الملتقى الوطني الخامس للقصة...."القصيرة" 21 أبريل 2007 فاس
الملتقى الوطني السادس للقصة القصيرة 8-9-10 ماي 2009 مشرع بلقصيري" ص72

هذا بالاضافة إلى اعتماد الدكتور حميد الحميداني لغة التعميم وإطلاق أحكام قيمة على دراسات نقدية تدخل في إطار البحث الابستيمولوجي الذي يتنافى مع هكذا نوع من الأحكام.

إن البحث الابستيمولوجي يقتضي الدقة و الموضوعية في البحث و التأكد من المعلومة قبل إصدارها، لأن الباحث الابستيمولوجي مسؤول عما يصدر منه من معارف نهائية ودقيقة يعتمدها الباحثون الشباب في دراساتهم الجامعية.

إن الكتاب عبارة عن نسخة مشوهة لكتابات الشيوخ الذين يجادلون في الشئ من أجل الجدال فقط، ومن أجل الادعاء المعرفي الذي أدركه القارئ العربي واستوعب مقاليبه،إن الدكتور حميد الحميداني أراد أن يسلك أسلوب النقض بالضاد أخت الصاد، بدل النقد البناء الذي نتعلم منه جميعا والذي يساهم في بناء وعي نقدي فعال يساهم في الرفع من درجة الوعي و القراءة عند القارئ العربي.

وفي الأخير أتمنى أن يتسع صدر الدكتور حميد الحميداني لهذه الورقة النقدية لكتابه الذي طالما انتظرناه لكي يكون فتحا جديدا يساهم في مد جسور الوعي النقدي، ويساهم كذلك في تجديد روح النقد العربي،وأتمنى أن تكون هذه الورقة النقدية بمتابة الحجر الذي يحرك الماء الراكد و الآسن الذي تعرفه الساحة الأدبية العربية.

محمد يوب
ناقد أدبي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد


.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا




.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس


.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام




.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد