الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصحراء الأمازيغية المغربية

خديجة يكن

2013 / 11 / 12
الادب والفن


تتألق أولى أشعة الغسق الممتد إلى تخوم السماء،ء هناك القمم تعانق السحب الخفيفة التي تطفو في بحر الغسق الجميل، تسير سيارتنا وحيدة في صيف يجثو على عتبات مساء مفعم بلطائف النسيم، فبعد نهار قائظ استبدلنا فيها بسرعة عجيبة لوننا الأبيض لتشوبنا ملامح برونزية لفحتها الشمس الحارة، غالبا ما نكون الوحيدين في الطريق نجوب أرض سوس الواسعة، المؤثثة بخليط جغرافي خلاب، من هضاب وسهول ووديان تخترق جبالا، ألصقت وجهي الطفولي على زجاج النافذة، وأنا أنظر إلى الأرض تجري مسرعة إلى الوراء، والسهوب من حولنا شاسعة تتخللها أكوام دائرية من الشوك تدحرجها خيول الرياح في مملكتها المنبسطة، تجري الأكوام بلا توقف كما لو عاقبتها آلهة ما، في خضم ذاك السكون وتلك الهيبة العميقة، امتدت يد والدي لتشعل الراديو، كانت تلك لعبتنا السرية التي تجعلنا نبتسم دون أن يدر أحد كنه ابتساماتنا، يعلو صوت هادئ وتابث من الراديو معلنا " هنا إذاعة الجمهورية العربية الصحراوية" نستمع عبر الأثير لهذا الصوت ، لم يكن ذلك يثير حزنا ما، ولا حيرة ولا حتى تساؤل، ولا شئ من هذا القبيل، كنت كمن يستمع إلى أسطورة ما تحكيها ذبذبات أضاعت طريقها من كوكب آخر، وفي دفئ ذاك المساء حيث تحتضننا السيارة وسط طريق طويلة من الأراضي المفعمة بالصمت والحكمة، جاء صوت والدي:" ها قد بدأت إذاعة اللصوص"، ثم تمتد مرة أخرى يد والدي للبحث عن موجة أخرى.
مرت سنوات صرت أذهب لوحدي في تلك الطريق، وفي قبيلة آقا ءيغرن التي تحضنني أياما قبل أن تلفظني حرارتها الكارثية، كنت أجد نفسي في مساأت قهرها القيظ الفتاك حتى استسلمت وتكيفت شجرا وحجرا وبشرا،عجزت كل النسائم الإصطناعية أن تقض مضجعه الحامي الوطيس، كنت جالسة على بعد كاف من بيوت القرية برفقة سيدة عجوز، منحنية الظهر لكنها تتمتع بعقلية شابة وهندام نظيف أبيض متألق، نعلها مزركش بألوان زاهية، لا تغيب الحناء عن يديها المخضبتين دوما ولا الكحل عن عينيها، إنها للا زاين، كانت تجلس على صخرة وأنا واقفة بجانبها، ننظر إلى الغروب الزاهي والشمس الكبيرة كبذرة حمراء تكاد تأخذنا إليها ونكاد نغرق في توهجها البنفسجي، ثمة ضباب خفيف في الأفق المشتعل ثم تهمس للا زاين: " هناك..أخذ اللصوص ابني"، قلت لها وأنا أعرف قصت لحبيب ابنها الوحيد الأسير لدى اللصوص:" ألم تعرفوا مصيره؟"، أجابتني:" قيل لنا أنه توفي هناك لكني لا أصدق، أعرف أنه لا زال سجينا"، ابن للا زاين كان يرعى قرب منطقة تسينت،قبل أن تصادفه عصابة البوليساريو وتختطفه ومن ذاك الوقت لم يعرف له أثرا، كان ذلك في بداية الثمانينيات، حينما تعرضت بعض قبائل طاطا إلى هجوم من اللصوص واختبأت النساء بعيدا،ويحكي لي زوج للا زاين كيف أن العصابة الآتية من تندوف تطلق رصاصها على النخيل لتسقط ثماره وكيف يأخذون أي شئ يجدونه أمامهم ويقتلون من يرفض منحهم غنمه، كانوا مسلحين جيدا وعيونهم تقدح شررا وحقدا،واليوم مر زمن طويل جدا، وها أنذا أمام هذا الغسق تخترق عيناي ذاك الضباب البنفسجي، أعرف أن وراءه ليس ببعيد وكر اللصوص، في طفولتي كانوا يبدون كأصحاب مركبة فضائية لم يعنيني بشئ رسائلهم النشاز عن أرضي، عن صحرائي، عن أمازيغيتي، كنت إبنة منطقة طاطا الأمازيغية الصحراوية، وكنت أرى الوهم ينبثق من العدم، وعصابة اللصوص صار لهم إسم، وصحراؤنا الأمازيغية المغربية صارت صحراء غربية، في كذب لا يخجل من التاريخ ولا الجغرافيا.
تركت طاطا وركبت الحافلة إلى الدارالبيضاء، مسافة طويلة جدا،نظرت إلى الوراء وأنا أنظر إلى مزيج من السحرالعميق والحب القاسي المفعم بدفئ الوطن وبقسوة الألم في قلوب أمهات المخطوفين وإلى حكاية وهم بقدرة عالم من المصالح واللوبيات يستغل هذا الإنحطاط لتحقيق أسطورته الكبيرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - البوليزاريو محتجزون من جنرالات الجزائر
عبد الله اغونان ( 2013 / 11 / 27 - 11:35 )

عظيم هذا السرد الوطني الوحدوي
بلداء
اقترح عليهم الملك محمد السادس عرضا عادلا وكريما الحكم الذاتي في تسيير شأن جهة الصحراء لكنهم لايملكون حرية القرار لأن من أوجدهم هم جنيرالات الجزائر لن يسمحوا لهم بالعودة الى الوطن.مازالوا يوهمونهم بجمهورية وهمية في الخيام في تندوف
في المقابل نجد انفصاليين يدعون أن تامزغا هي بلدهم وأن العرب مستعمرين وأن لهم حروفا لم يستطيعوا أن يقدموا عنها ولووثيقة واحدة
أكبر المصائب تأتي من الانفصال الداخلي قبل ظلم وعدوان الخارج
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة --- على المرئ من وقع الحسام المهند

اخر الافلام

.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا


.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07




.. برنار بيفو أيقونة الأدب الفرنسي رحل تاركًا بصمة ثقافية في لب


.. فيلم سينمائي عن قصة القرصان الجزائري حمزة بن دلاج




.. هدف عالمي من رضا سليم وجمهور الأهلي لا يتوقف عن الغناء وصمت