الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(-اول تنظيم تروتسكي في العراق) - ذكريات شيوعي ثوري

مناضل البصري

2013 / 11 / 13
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ذكريات شيوعي ثوري

"اول تنظيم تروتسكي في العراق"

في سنة 1972 في العراق اسس مجموعة من الشباب التروتسكيين لايتجاوز عددهم عدد الاصابع تنظيم شيوعي سري تحت اسم "العصبة الشيوعية الثورية" وكنت احد اعضاء هذا التنظيم واصغرهم سنا ولم يكن يتجاوز سني آنذاك ستة عشر عام، استمر التنظيم لمدة سنتين ونصف نقرأ الادبيات الماركسية اللينينية و وفق توجه الاممية الرابعة، وكان تنظيم لبنان والذي كان يحمل نفس الاسم يزودنا بجريدة التي كان يصدرها بذاك الوقت تحت عنوان "المناضل" وكنا ننتظر وصول اعداد هذه الجريدة بفارغ الصبر لنتلاقفها ونقرأها حيث كانت تمثل لنا البوابة الوحيدة لنا لمعرفة نشاطات الاممية الرابعة وفروعها في العالم ومواقفها تجاه قضايانا العربية التي كانت تمتاز بعمق التحليلات وجرأة المواقف وصحتها، كذلك كشف تخاذل الفكر الستاليني الذي كان يسيطر على سياسات الاحزاب الشيوعية ومواقفها الانتهازية المتخاذلة، واذكر اني التقيت بالرفيق من لبنان مرتين القى لنا محاضرة عن الوضع العربي والعالمي، كان قائد تنظيمنا بالعراق رجل في الاربعين من العمر يتمتع بثقافة عالية جدا ذا نظرة ثاقبة و قدرة عالية في التحليل والاقناع علمنا الانضباط التنظيمي وسرية العمل حيث كان العراق آنذاك تحت حكم البعث الفاشي الذي يمتاز بقسوته في تصفية خصومه، كان برنامج التنظيم الثقافي مثقل بالادبيات، كتب ماركس وانجلس و لينين و تروتسكي و اسحاق دويتشر وعلي الوردي بالاضافة الى كتب ادبية مثل العقب الحديدية وعشرة ايام هزت العالم و روايات ديستوفسكي ونجيب محفوظ وعبد الرحمن منيف وغيرهم بالاضافة الى الشعر فكنا نقرا لسعدي يوسف وبلند الحيدري و مظفر النواب.

تميز التنظيم بسرية تامة و كنا نحمل اسماء مستعارة ولا يعرف اي عضو اكثر من اثنين باسماءهم الحقيقية وكانت اجتماعاتنا تجري بشكل منتظم و باماكن مختلفة، كان مسؤولي المباشر والذي له الفضل الاكبر في تثقيفي وترسيخ الفكر الماركسي عندي يكبرني باربع سنوات اسمه "نجيب" كان موسوعة في الثقافة الماركسية كانه ولد ليرضع هذا الفكر من سنته الاولى وكان بداية معرفتي به كجار لي و انا لم ازل في صف الثاني متوسط و عمري اربعة عشر سنة وكان يلتقي بي ويزودني بالكتب الماركسية و يناقشني فيها ويوضح لي كل الاشياء المعقدة وانا كنت من عائلة شيوعية تربيت ومن انا صغير وانا اسمع النقاشات الماركسية بين اعمامي و خوالي عند زيارتهم لنا او اختباءهم في منزلنا عند مطاردتهم من قبل السلطات.

كانت تعليمات التنظيم لنا دائما الحفاظ على انفسنا وعدم المخاطرة بكشف تنظيمنا و ان اي شخص قد نراه مناسب لكسبه للتنظيم نطرح اسمه ويتم دراسة الموضوع بدقة و دراسة شخصيته، رشحت من جانبي شخصين من جواريني ومن نفس عمري و كانا من اذكى الشباب وفعلا اثبتا ذلك بعد انضمامهما و اصبح التنظيم يركز علينا الثلاثة بزيادة تثقيفنا واعدادنا تنظيميا لاننا كنا نمثل لهم جيل المستقبل وكنا الثلاث بقدر المسؤولية نتطور ثقافيا واصبحنا شيوعيين بكل المعاني باخلاقنا و سلوكنا و انسانيتنا و نكران الذات و حب الفكر و الرفاق اينما كانوا في بقاع العالم.

اول ضربة قاسية للتنظيم و لي شخصيا كانت وفاة نجيب مع احد الرفيقين الذين كسبتهما و كان اسمه عمار وكانت الوفاة بسبب حادث سيارة صدمتهما وهما يسيران على احد الارصفة بتاريخ 12 / 12 / 1973، هذا التاريخ المشؤوم الذي ظل معي كذكرى سنوية اعتزل فيه واعيش ذكرياتي مع هذين الرفيقين و اقرأ رثاء والد عمار المفكر الكبير "عبد الغني ملاح" الذي كان على شكل اهداء كتابه (المتنبي يسترد اباه) لروح ولده عمار الذي فيه يوصفه ليس كشاب عمره 18 سنة بل كرجل بما يحمل من فكر عظيم.

ونتيجة الظروف التي كان يمر بها العراق من بطش السلطة البعثية ودخول الحزب الشيوعي في جبهة مع السلطة زاد تضييق الخناق على اي فكر يساري خارج احزاب الجبهة و وفاة نجيب وسفر رئيس التنظيم الى مصر لغرض الدراسة ونصائح تنظيم لبنان بوجوب ايقاف العمل لفترة لحين مرور موجة العنف السلطوي، واتذكر قرأت آخر مقالة افتتاحية جريدة المناضل سنة 1974 بعنوان "البذرة الثورية والتربة الصالحة" توقفنا عن العمل و كنت في حينها اروم السفر لمحافظة اخرى بسبب قبولي بجامعة تلك المحافظة.

ثلاثون شهر عاش تنظيمنا التروتسكي منذ اربعين سنة اتذكرها يوما يوما واتذكر وجوه رفاقي التي لم انساها ماحييت الذين لم ارى اي منهم بعد توقف العمل وكل يوم يمر لم يفارقني امل ان ارى احدهم بالصدفة ومرت السنين وهذا الفكر يعيش بداخلي يحدد سلوكياتي اليومية وخلقي، كل هذه السنين التي مرت في العراق كنت اتلقف اي خبر او معلومة عن هذا الفكر وتنظيماته في العالم بالرغم من السبات الفكري الذي كنت فيه لكن رؤيتي للعالم كانت من عينين هذا الفكر ولم استطع ان انهض من هذا السبات الفكري الا في السنين الاخيرة بدأت اراجع كل ما قرأته واتابع اخبار العالم والمنطقة من خلال بحثي في النت بالرغم من انشغالي بعملي و حياتي الشخصية و العائلية و قساوة الغربة.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية طيبة
عبد الرضا حمد جاسم ( 2013 / 11 / 14 - 11:44 )
سفرة جميلة باسلوب جميل
اليوم مضى على ذلك التاريخ اكثر من 40 عام
احييك لتذكرك و اشعر بخطوط الحزن و الالم في حروفك
كنت اتمنى ان تطلق ذلك السر وهو اسماء رفاقك عسى ان تلتقي بهم فتتذكروا تلك الثقيلات الجميلات
دمتم بتمام العافية

اخر الافلام

.. طائرات بوينغ: لماذا هذه السلسلة من الحوادث؟ • فرانس 24 / FRA


.. رفح.. موجات نزوح جديدة وتحذيرات من توقف المساعدات | #غرفة_ال




.. جدل الرصيف الأميركي العائم في غزة | #غرفة_الأخبار


.. طلاب فرنسيون يطالبون بالإفراج عن زميلهم الذي اعتقلته الشرطة




.. كتائب القسام تقصف مدينة بئر السبع برشقة صاروخية