الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القانون إذ يصبح أداة للاسقاط السياسي

أحمد عبد العال الصكبان

2005 / 6 / 5
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لازلنا مع موضوع الفساد المتشعب كالإخطبوط ببلادنا العراق، و كأن فساد عهد صدام الطويل و حقبتي جارنر و بريمر لم تكن كافيه لاستنزاف خيرات هذا البلد، و بداية سرنا أن تباشر مفوضية النزاهة بالعراق عملها رغم النص على تشكيلها منذ قانون الدولة الانتقالي ويشمل النظر في ممارسات حكومة بريمر وحتى أعضاء مجلس الحكم، و رغم وجودها الفعلي بعد انتقال السلطة في الثلاثين من حزيران الفائت، لكن لا بأس.. فما لا يدرك كله لا يترك كله، و المتابع الآن لحملة ملاحقة الوزراء بتهمه الفساد في الحكومة العراقية السابقة، سيلاحظ أن التصريحات تكاد تركز بشدة على هؤلاء الوزراء المنتمين لحركة الائتلاف الوطني العراقي الذي يقوده الدكتور أياد علاوي، و هو رئيس الوزراء الذي لم يعد بالسلطة اليوم و الذي لم تفز قائمته في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بالنسبة الأعلى من الأصوات لاسباب لا مجال لذكرها الآن، و كان يمكن لهذه النقطة أن تمر مرور الكرام لو أن فساد آخرين ممن كانوا في عهد مجلس الحكم أو المرشحين عن كتل أخرى غير قائمة الدكتور علاوي قد تم تناوله و التصدي له بنفس الدرجة من الشدة، لكن ما حدث هو شهر السيوف من أحزاب بعينها ضد مسئولين سابقين من حزب آخر لم يعد بالسلطة، و هكذا استقبل الناس اقتصار الحملة ضد الفساد على هذه الأسماء كسابقاتها في العراق بعد كل انقلاب عسكري واعتبرها المواطن تصفية لاختلافات حزبية و تنافس سياسي لا أكثر ، و ضاع هنا المطلوب ترويجه بالنظر لهذه الاتهامات باعتبارها حملة لليد النظيفة و حماية لحق المواطن العراقي الذي أهدر على يد هؤلاء الفسدة المُفترضين، و بالطبع القيمة المفترضة لمثل هذه الحملة ( أن كل اهتمام الحكومة الجديدة هو مصلحة الوطن المواطن) قد تلاشت تماما و حل محلها فهم الأمر كما لو أنه تصفية حسابات مع حزب لم يعد بالسلطة .
شيء آخر صاحب هذه الحملة و أساء لها من حيث قصدوا العكس، و هو أنه تم السماح بالهجوم على المتهمين باعتبارهم مُدانين بالفعل ، بل و حتى قبل أن تصدر بحقهم قائمة الاتهامات أو يخضعوا للتحقيق الأولي ثم إذا وجد ذوي الاختصاص في صفحتهم ما يدفعهم لتصعيد الأمر يتم محاكمتهم قضائياً و حتى في هذه المرحلة فإنهم يبقون متهمين لا يجوز تسقيطهم سياسيا.

إن أهم ركائز أي نظام ديموقراطي أن يكون للقضاء الكلمة العليا فيه و أن تكون للسلطة القضائية اليد العليا في الكثير من النزاعات و المشاكل و التعارض ، سواء بين المواطنين بعضهم البعض (قضاء مدني و جنائي) ، أو بينهم و بين الدولة (قضاء إداري) ،أو بين أجنحة الدولة نفسها كالسلطة التنفيذية و التشريعية اختلافا على تفسير نص
أو حدود صلاحيات (قضاء دستوري)،أو بين هيئات حكومية(مجالس الدولة القضائية)،و حتى عند محاسبة أو اتهام من كانوا يعتلون مناصب سيادية من قبل ، فللقضاء الكلمة النهائية في تقدير حجم الجرم و إعطاء العقاب المناسب، و بين كل هذه الأجنحة من القضاء التي قد تتداخل في عملها، يبقى لها جميعها قدسية كبيرة تعلو بقية السلطات، و لكن ما حدث أن هذا المبدأ تم وأده قبل أن يرى النور بالعراق الجديد، فالضوء الأخضر قد أعطي لتسقيط المتهمين، و لم ينتظر أحد كلمة القضاء،و بالرغم من أن البعض قد تثبت عليه التهم الموجهة ، لكن استباق حكم القضاء بهذا الشكل من التسقيط السياسي ، يفقد القضاء حياده و بالطبع يقلل من قيمته و مرجعيته لأنه يصور الضغط السياسي و الإعلامي بأنه هو من حرك القضاء لاتخاذ حكم بعينه أو مقدار العقوبة مثلاً ، ثم لا ننسى أن صحافة العالم الثالث علمتنا أن لائحة الاتهام توضع في مكان بارز في صحيفة ما و لكن نص البراءة غالبا ما يوضع على استحياء و لا يقرأه كثيرون، فمن سيرد للأبرياء سمعتهم؟؟ إننا لا ندافع عن أي من المسيئين إن وجدوا أو نصطف وراء أي من المتهمين لأن أوراق القضية الآن في يد هيئة للتحقيق، و القضاء سيرى و يفصل، و المفترض أن نتعلم قليلا عن هذه الإجراءات المتبعة حتى في أعتى الديموقراطيات و أكثر البلدان في حرية الإعلام، فلا أحد يصدر حكمه و قضية ما مرفوعة أمام القضاء فما بالنا و الأمر لازال في مرحلة التحقيق ؟

و إذا ارتأى القائمون على الحكومة الجديدة ببلادنا أن تفتح كل ملفات الفساد فأهلا و سهلا، و نحن متيقنون أن هذه الخطوة ستزيد من مصداقية الحكومة الحالية و تظهرها بالنزاهة الحقة و الموضوعية و النقد الذاتي ، وعند فتح الملفات جميعا فإننا نجزم بأن رؤوساً كثيرة ستقع ومن بينهم من هم الآن في مركز رسمي.

إن القائمين على أمر الحكومة قد لا يعلمون أن المواطن العراقي بدأ يفسر الدعاية الضخمة لتوجيه الاتهامات لمسئولين سابقين بأنه في الواجهة كان لمصلحة الشعب و صيانة لما يفترض أنه أهدر من موارد هو أحق بها ، و لكن في الوقت ذاته فإنه و نتيجة لما يراه من انتقاء عشوائي للملفات وترك بعض الفاسدين يمرحون بدأ يشعر بأن هذه الحملة هي نوع من التغطية على أمور أخرى من بينها الوعود الوردية التي أطلقت في جو الانتخابات وفساد آخرين خاصة هؤلاء ممن أصبح كل همهم ليل نهار هو الهجوم على المتهمين و تفرغوا لهذه المهمة ناسين حتى القيام بالأعمال المتوقعة منهم سواء كبرلمانيين منتخبين لكتابة الدستور أو مسئولين تنفيذيين يديرون البلاد.

و بالطبع هناك من يذهب لأبعد من هذا ليرى أن هذه الحملة قدمت بكل هذا الزخم و التركيز الإعلامي للتغطية على مخالفات ما تجري في الخفاء من قبل البعض،ولا داعي هنا للتذكير بمقولة" الهجوم هو أفضل وسيله للدفاع" فالاهتمام بتشويه سمعة الآخرين بهذا الشكل دون انتظار لكلمة القضاء قد يخدم لإبعاد الرقابة عن فساد آخر حالي أو سابق و بالطبع سيخدم تصوير الآخرين - مهما كانوا - بمظهر الأخيار و نظيفي اليد فكل نقطة من الهجوم على من سبقوا هي لصالح من يمسكون بمقاليد الحكم الآن ، أو لمجرد الدعاية السياسية الطنانة لتحقيق مكاسب لصالح أحزابهم،أي أن هذه الحملة "النبيلة" يتم فيها استغلال للقانون لكسب سياسي أيضاً.

ولكن السؤل هو: هل العراقيون من البساطة والغفلة بحيث يتم تعبير هذه الأمور عليهم بسهولة؟، فالافتراض أن المواطن العراقي بهذه الدرجة من السذاجة لتنطلي عليه هذه الفرضية، خاطيء من أساسه لانه يتناسى طبيعة المواطن العراقي و ما تعرض له من تجارب سياسية عدة لعل آخرها ما تعلمه العراقي في فترة صدام و ما رآه من حملات دعائية لم تكن تنطلي حتى على الأطفال ، و باختصار فإن العراقيين اليوم كما يقول الإخوان في مصر"لا أحد أكل و لا سيأكل بعقلهم حلاوة ".المواطن العراقي عانى الكثير و لعل في هذه الفقرة من قصة قرأتها مؤخرا لصديق عراقي يصف فيها مشهدا من حياة مواطن عراقي بسيط ما قد يفسر لماذا أراهن على ذكاء العراقي العادي و كشفه لما وراء التصريحات و غيرها " وجد محلا مزدحما اقترب أكثر فوجد ضالته ولما جاء دوره اشتري أخيراً بعض حبات من الفلافل وضعها له البائع داخل وعاء ورقي لفّه على شكل قمع، حمل الطعام ونشوة النصر تُسيطر عليه من أعلى رأسه إلي أخمص قدميه وانطلق بالمفاجأة إلى أطفاله الجياع، فتح الباب وهو يشعر بالتعب ونادى علي صغاره الذين حضروا بالحال وأعينهم مشدودة إلي ما يحمله "

طبعا يُفاجأ الأطفال أن والدهم لم يجلب لهم ما يريدون و يمنون أنفسهم بعه وصرخوا بصوت واحد هم فلافل"، إن المواطن العراقي سيستيقظ يوما وحال صوته ينادي كافي.....كافي....كافي ،فالمواطن حالياً مطحون و مشغول بقوت يومه و أمنه و يشعر بالخجل أنه لا يلبي حتى أدنى المطالب التي يحتاجها أطفاله، و سيأتي يوم لا محالة ينتفض و يرفض الوضع القائم و يطالب بحياة أفضل ، و لن يرضى أن تصبح المعايير السياسية وتصفيه الخلافات الفكرية هي التي تحكم مقاضاة من تسببوا في استمرار معاناته و هو يرى كل يوم على التلفاز الوطني حياة مسئولين عراقيين حاليين لا تختلف كثيرا عن حياة مسئولي العهد البائد، و هو يعلم بما يتابعه من أخبار أن هناك وزراء ومسؤلين في مجلس الحكم مثلا سافروا لأشهر خارج البلاد مصطحبين عوائلهم بحجة لقاءات لوزارتهم، و عادوا ليؤسسوا مراكز و مشاريع خاصة بهم لأنهم كانوا يعلمون أن أداءهم لم يكن بالمستوى الذي يسمح باختيارهم، وطبعا هؤلاء لم يحاكموا على ما أنفقوا بالخارج من ميزانية الدولة و حقوق المواطنين لحساب مشاريعهم الخاصة، و يمكن للمواطن العادي أن يستشعر الذاتية في اختيار المتهمين بالفساد عندما يتابع ما ينشر الآن و حتى هذا اليوم، و بالجرائد العراقية – و ليس العربية أو الأجنبية – من الشكاوى و المهازل التي تحصل كل يوم بالعراق، نقمة المواطن العراقي ستنصب وقتها على الساكتين عن هذا الفساد المستمر ، و بالطبع سيسعد بتقديم متهمين في الفساد للمحاكمة لكنه لن يقبل أن يستثنى غيرهم منها .
مواطننا العراقي مطحون بما يكفي ، و هو ببساطة لن تنطلي عليه ألاعيب الساسة و هو يعلم بفهم حقيقي أن هناك كثيرون مشتركون في تفاقم مشاكله مازالوا يمرحون في شوارع بغداد .

خاتمة :
قال شكسبير في يوليوس قيصر:
ليس العيب في طالعنا يا بروتس.. إنما العيب في أنفسنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير دولي من كارثة إنسانية في مدينة الفاشر في السودان


.. أوكرانيا تنفذ أكبر هجوم بالمسيرات على مناطق روسية مختلفة




.. -نحن ممتنون لكم-.. سيناتور أسترالي يعلن دعم احتجاج الطلاب نص


.. ما قواعد المعركة التي رسخها الناطق باسم القسام في خطابه الأخ




.. صور أقمار صناعية تظهر تمهيد طرق إمداد لوجستي إسرائيلية لمعبر