الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أطفال الشوارع: الحل البرازيلىٍ

نصارعبدالله

2013 / 11 / 15
حقوق الانسان


أطفال الشوارع: الحل البرازيلىٍ نصارعبدالله
على مدى عقود متوالية كان أطفال الشوارع مصدرا للإزعاج لسكان مدينة برازيليا ولغيرها من المدن البرازيلية الكبرى، وفى التسعينات من القرن الماضى تحول مصدر الإزعاج إلى مصدر للرعب، فقد تزايد عدد أطفال الشوارع تزايدا كبيرا، وتزايدت بالتالى معدلات الجرائم التى يرتكبونها وفى مقدمتها جرائم السرقة والدعارة والإغتصاب، التى يترتب عليها فى معظم الحالات إصابة الضحية بالإيدز الذى أصبح متفشيا بينهم بنسبة تتجاوز الـ 90% ، وباختصار فإن وضع برازيليا فى تسعينات القرن الماضى كان شبيها بوضع القاهرة الآن، بل إن التشابه فى حقيقة الأمر كان أكثر بكثيرمن ذلك حيث كان الوضع الإقتصادى البرازيلى فى مجمله شبيها بالوضع المصرى الراهن، فالديون الخارجية للبرازيل كانت قد وصلت إلى أرقام قياسية، ومعدلات البطالة تتصاعد عاما بعد عام ، والفساد متغلغل فى كل أنحاء الجهاز الحكومى، والأصوات المنادية بتأهيل أطفال الشوارع وإعادة إدماجهم فى المجتمع يعلم أصحابها جيدا أن مثل هذه العملية عالية التكلفة إذا ما قورنت بتكلفة إتاحة فرص العمل للعاطلين من غير أبناء الشوارع فضلا عن أنها غير مضمونة النتائج ، ومن ثم فإن الذى ينبغى أن تركز عليه الدولة فى ظل الظروف الإقتصادية الصعبةهوإتاحة فرص العمل للعاطلين حتى لا ينضم أطفالهم إلى جيش أطفال الشوارع. ونتيجة لهذه الإعتبارات فقد لجأت أجهزة الأمن البرازيلية فى ذلك الوقت إلى حل بالغ القسوة والفظاعة لمواجهة ظاهرة أطفال الشوارع يتمثل فى شن حملات موسعة للإصطياد والتطهير تم من خلالها إعدام الآلاف منهم بنفس الطريقة التى يجرى بها إعدام الكلاب الضالة توقيا للأخطار والأضرار المتوقعة منها!! ...كانت سائر قوى المجتمع البرازيلى تدرك أن ما قامت به الشرطة هو جريمة مكتملة الأركان ، وأن هؤلاء الأطفال هم فى حقيقة الأمر ضحايا لا جناة ، وأن من البشاعة بمكان أن يعدموا بناء على جرائم لم يرتكبوها، كان الجميع يدركون ذلك، لكنهم ـ جميعهم تقريبا ـ غضوا أنظارهم عما قامت به الشرطة لأنهم جميعهم لهم مصلحة فيما قامت به ، ...القيادة السياسية لم تعلن رسميا أنها تؤيد ما قامت به الشرطة ، لكنها لم تحاول أن تقدم مسئولا أمنيا واحدا إلى المحاكمة، لأنها تعلم أن البديل لإعدام أطفال الشوارع هو إعادة تأهيلهم وهو ما يستلزم ميزانية ضخمة سوف تكون بالضرورة على حساب توفير فرص العمل للمواطنين الذى فقدوا وظائفهم وهو ما يهدد خطتها للإصلاح الإقتصادى بالكامل للفشل، والمواطنون العاديون ـ حتى أولئك الذين يستنكرون ظاهريا حملات الإعدام ـ يشعرون فى قرارة نفوسهم بجدية برنامج الحكومة للإصلاح، ويشعرون بالإرتياح لاختفاء أطفال الشوارع من طرقات المدن الرئيسية التى أصبح بوسعهم الآن أن يخرجوا إليها هم وأولادهم وبناتهم بدون خوف ، ووسائل الإعلام التى راح بعضها يندد بالحملات لا تفتأ تذكرالمواطنين فى الوقت ذاته بالروح العدوانية لأطفال الشوارع وبالجرائم التى ارتكبوها والتى سيرتكبون المزيد منها بغير شك لو أنهم تركوا وشأنهم!!، أما جمعيات حقوق الإنسان فقد اتهمها الجميع بأنها من خلال دفاعها المستميت عن حق أطفال الشوارع فى الحياة لا تراعى حقوق المواطنين العاديين فى الحياة الآمنة، وكأن هؤلاء المواطنين الذين عانوا طويلا من أطفال الشوارع ليست لهم حقوق على الإطلاق!!... وهكذا أفلح الحل البرازيلى فى تخليص الشوارع الرئيسة للمدن الكبرى من أطفال الشوارع ودفع من تبقى منهم إلى الإنسحاب للمناطق العشوائية، غير أن هذا النجاح لا يعزى إلى القسوة التى انطوى عليها الخيار البرازيلى، ولكنه يعزى أولا وقبل كل شىء إلى توافر إرادة الإصلاح لدى القيادة السياسية البرازيلية التى حاربت الفساد بكل قوة والتى وفرت الملايين من فرص العمل للبرازيلين واستطاعت من ثم أن تتحول من اقتصاد موشك على الإفلاس إلى واحد من أهم قوى الإقتصاد العالمى ، وهذا هو الدرس الذى ينبغى أن يعيه أولا كل من يحاول أن يتعلم شيئا ما من التجربة البرازيلية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما حدود تغير موقف الدول المانحة بعد تقرير حول الأونروا ؟ •


.. نتنياهو: أحكام المحكمة الجنائية الدولية لن تؤثر على تصرفات إ




.. الأمين العام للأمم المتحدة للعربية: عملية رفح سيكون لها تداع


.. الأمين العام للأمم المتحدة للعربية: أميركا عليها أن تقول لإس




.. الشارع الدبلوماسي | مقابلة خاصة مع الأمين العام للأمم المتحد