الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصيدة إمرأة تطل من الشرفة

خليل فاضل

2013 / 11 / 16
الادب والفن


طالت وقفة الجُند في الميدان
تباطأت امرأةٌ في الشرفة
تنشر غسيلها وتزدان
باللؤلؤ الرخيص
العطر الشعبي
وصورة الجنرال
***
يهتزُّ غسيلها على الحبال
يملُّ الجندي مقعده الحديدي
فوق المدرعة
تُقطرُّ الملابس عرقها وزخمها
تُسْقطه على النافذة
تُسْقطه على الجيران
ممزوجًا بالصدأِ والزمنِ المُمّلح،
بماء التكييف
برائحة النارجيلة .. بالدخان
يَسْقطُ على الحيطان
يشخبطُ الجرافيتي بعضه ببعض
وبالطلاء
يُغيّرُ الألوان
تشهق المرأة على إناءِ الملوخية
تهزُّ رأسها
ترقصُ على أنغامِ الأغنية المُكررّة
ليل نهار ..
....
تمضغ المرأة اللبان
والهوان
تُّلعبُ حاجبيها
تتأملُّ المذيعةَ الشرسة
المُفسِدةِ الصباح
المذيع الأوحد
المُعكِّرُ صفوَ الليل
بالضيفِ الغثّ
والضيف الثمين
...
الأراجوز الذي أبى الرقص إلاّ
في الميدان
لم يسلّ القائد عند الكمين
لم يضحك السكارى في مواخيرهم
والحشاشين
لم يدَغدغ لاعبي النرد والكرة والورق
والشيطان
...
الوجوه المَسْخ تعلّقت كالأقنعة
تدلَّت من جرسِ الكنيسة،
من المئذنة
كالبومِ الناعق فوق المدينة
بين الزمانِ والمكان
...
تنهدَّت العجوزُ بعد نوبةِ السعال
بللّت ابنتها جبْهتها
بقطر الندى
ماءِ الورد، والريْحان
"أيقظتِ اليمامَ يا أمي ..
أزعجتِ الصقر المُطَرّزِ على العلم
...
الجُند القابضون على الزناد
وعلى الشاردين فوقَ دراجاتهم النارية
على النبضِ والقلبِ والحياة
***
أطلَّ الموتُ من فتحةِ الشباك
من شقوقِ الجدران،
تماهي مع السائرين الضاحكين
المُستمرئين حظر التجوال
....
طالت وقفةُ الجندِ في الميدان
طال الوقتُ
وطالت الأيام،
بات الطعام ماسخًا
تخلَّت العاصمةُ عن رونقها
توارت خلف الجند والسلاح
***
انفتحت أصابع اليدِّ عند البعض
وانثنى الإيهام
لاحت في الجهةِ الأخرى علامة النصر V
V لفينديتا وتشرشل
للعمق الضاربِ في الدولة
للأرملة للثكلى
والأيتام
***
خلاص!
نسينا شهداء الثورة في يناير
ونسينا الآلاف
في زحمة الشارع والميدان
ضاقت بنا صدورنا
وامتلأت بالأورام
***
كانت، ليومِ القيامة علامات
دُسْنا بأحذيتِنا القديمة
على الأوراق ..
أوراق الشجر والكراريس ..
في الخريف
تفتت وتناثرت
في الهواء،
ذَرَتها الرياح
مع الأسماءِ والأشباح
من طافوا ساحات المدن
وكان ما كان
الشاطر حسن، فقط هو الجدع
أما ست الحسن والجمال
عانسٌ عقيم
ممشوقة القوام
أتاها المعوّقون والمشوّهون
والمصابون بالجُذام
المنفوخون، المشدودون
المشغولون النميمة
بالابتسامة المزيَّفة
أولاد الحرام
بنات الليلِ البهيم
أبناءُ اللئام
بناتُ التراحيل
أولادُ المستعمراتِ الساحلية الجديدة
أولاد الكلب
....
نضع الوردة على قبرِ الرجال
نتضمَّخُ بعطر الانتظار
اليأسُ
والبؤسُ
الكوابيس والأحلام
***
نرسم ملامح الرضا
نحمد الله على كل شيء
فلا طعام ولا شراب
حتى تظهر ملامح الميدان الذي كان
وتبدو الشوارع التي كانت جلّية
زمان
***
امتدَّت رقعة الشطرنج
بين الشرقِ والغرب
قفز الحصان بصهيلٍ ماكر
تحرَّك الملك في عنفوان
"كِش ملك"
الأبيض والأسود
الليل والنهار
***
طارت الطائرة فوق رؤوس الأشهاد
الجُند والناس
رسَمَت قوس قزح
بلون واحد
ابتسم الثوار ...
بلعوا طعم الحنظل
ياه "لسَّه فاكر" يا "يناير"
لسه فاكر؟
"أغنية أم كلثوم"
في ذكرى الخامس والعشرين
دون اهتمام
دون احتفال
كل الاحتفالات والتظاهرات
صارت بأمر
الليزر والأعلام والإعلام
الراديو والتلفاز ... والخوف،
"الخوف أكبر قواد"
***
جمعت المراة غسيلها
ضَمَّته إلى صدرِها كوليدِها
الذي لم يأتْ
راحت إلى فراشها تنام
نامت ...
ولم ينَم الجندُ في الميدان
في الراحة راحوا في سباتٍ عميق
سمعوا مثلنا نشرة الأخبار:
المذيعة المتوحشة
المذيع الأوحد
الضيف الغث والضيف الثمين
مُسيلمة الكذاب
الشحَّاذ
السائرُ إلى جوارٍ المدرعة
يناوله الجندي
آخر لقمةٍ في الرغيف
...
ناول الجندي بقايا صحيفة
آخر قضمة في قطعةِ البطاطا
***
قرأ الجندي صفحة الوفيات
والإعلانات
أفيش الفيلم المُمّل
...
ولما نام
حلم بالمرأة التي تلُّم غسيلها
وتمضغ اللبان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم


.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب




.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي


.. الممثل الأميركي مارك هامل يروي موقفا طريفا أثناء زيارته لمكت




.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري