الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لقاء مع أستاذي القديم

مناف الحمد

2013 / 11 / 16
مواضيع وابحاث سياسية



كنت أتحسّس طريقي بصعوبة في الظلام الدامس الذي خيّم على الفناء والدرج القديم المتهالك المفضي إلى سرداب فسيح في بيت جدي القديم في دير الزور .
كنت أبحث عن مخطوطات وكتب سبق لي أن شاهدت عناوينها منذ زمن طويل في المكان نفسه ، ولم أحسن آنذاك بسبب صغر سنّي تقدير قيمتها .
كان الغبار قد تراكم على الكتب الملقاة على الأرض وأعشاش العنكبوت قد غطّت الجدران ولم تنفعني كثيراً النافذة الضيقة التي تطل على الحارة الضيقة فاستخدمت ضوء الهاتف الجوّال لكي أتصفّح عناوين الكتب وأتخيّر ما أحتاجه منها .
بينما أنا منهمك في عملي هذا وإذا بشاب وسيم أنيق يمثل أمامي مبتسماً ابتسامة ذهبت بشعور الخوف الذي اعتراني في لحظات .
كان الحوار بيننا عفوياً ومباشراً ودون مقدمات :
أنا : أهلاً وسهلاً بأستاذي القديم .
الشاب : كيف حالك يا طالبي النجيب ، لا زلت شغوفاً بالمعرفة كما عهدتك دائماً .
أنا : كان لك فضل في تكريس هذا الميل عندما جعلتني أعشق مادتك ، مادة الفلسفة .
الشاب : ألفيت عندك ميلاً للبحث كان من الظلم عدم رعايته وتطويره ، ولكنني جئت اليوم بسبب شوقي لرؤياك ولكي أفضي إليك بآخر ما استنتجته .
أنا : تفضّل كلي آذان صاغية .
الشاب : تذكّر كل ما تلقيته مني من نظريات وما تعلّمته بجهدك الشخصي بعد افتراقنا وقم باطّراح كلّ ما رسخ في ذهنك من قناعات لكي تنظر إليها من جديد كموضوع خارجي وليس كمكوّن ذاتيّ ، وضع إلى جانبها صورة الطفل المختنق بالغاز في الغوطة وهو جثة في حضن أبيه المفجوع غير المصدق .
أنا : ما امضّ وأقسى ما تستحضره يا أستاذي .
الشاب : فلسفة جديدة يجب أن يعاد بناؤها لمجرد تأمل هذا المشهد وإعادة نظر في كل تراث الإنسانية الفكري والسياسي وحتى الجمالي والفني .
اسمح لي الآن أن أغادرك بعد أن قدمت لك نصيحتي .
انا : تريّث لو سمحت ثمّة سؤال يحيّرني منذ لحظة مثولك أمامي .
الشاب : ما الذي يحيّرك ؟
أنا : كنت قد درّستني منذ عشرين عاماً وقد بلغت من العمر أربعين عاماً الآن أما أنت فلا زلت شاباً كما عرفتك منذ ذلك الزمان .
الشاب : أنا العقل الذي يعود على نفسه كل لحظة ليجدد سقايتها ورعايتها وشبابها ، أنا لا أشيخ يا بنيّ ، ولأنني لاحظت علامات الهرم عليك لأنك استغرقت واستهلكت بعضاً من طاقتك بانشغالات أربأ بك عنها قصدت زيارتك اليوم في هذا السرداب وبين الكتب والأبحاث .
تذكر يا بني الطفل النائم المختنق بالغاز بدون ذنب جناه وأعد النظر في كل ما تعرفه .
إلى اللقاء .

ألقيت الكتاب الذي كنت اتصفحه أرضاً وأغلقت باب السرداب ( المكتبة ) وعدت أدراجي أتحسس من جديد درجات الدرج القديم .
من جرائمكم سيولد فكر جديد وفلسفة جديدة ومفهوم للحزن جديد وللحب وللجمال وللحق .
من جرائمكم سيولد جيل جديد يعرف معنى الجريمة ويعرف معنى الشر معرفة لم تكن جزءاً من تكويننا وفهمنا نحن للعالم ومواضيعه .
من جرائمكم سيبزغ معنى جديد لحب الأب لطفله ومفهوم جديد لانفطار القلب على فراق الأحبة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائقة تفقد السيطرة على شاحنة وتتدلى من جسر بعد اصطدام سيارة


.. خطة إسرائيل بشأن -ممر نتساريم- تكشف عن مشروع لإعادة تشكيل غز




.. واشنطن: بدء تسليم المساعدات الإنسانية انطلاقاً من الرصيف الب


.. مراسل الجزيرة: استشهاد فلسطينيين اثنين بقصف إسرائيلي استهدف




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش إرهاق وإجهاد الجنود وعودة حماس إ