الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شارع الميزانية

رضا كارم
باحث

2013 / 11 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


______________
عمّ الشوارع حديث حول ميزانية العام القادم. يختصر الرّواة الحكاية في كلمات معدودة:"ستكون سنة صعبة".
يتناوبون على مضغ أحزان قادمة، ينتحلون اليوم صفات الثكالى و الأرامل و الأيتام، متخيلين أشكال الفاقة و الحرمان ، و جوع الليالي الطويلة ، و حلم اشتهاء خبز سخن عبرت على محيّاه جبنة طرية.
كأن أسلاف 2014، كانوا خير السّلف. و يترتب على ذلك سؤال و حيرة و دهشة.
هل كنا نمسك التاريخ و نفصّل شروطنا و ندير أمرنا؟
هل كفّت استحالات الأمس، حتى نخشى استحالات قادمة؟
سيرفعون الدعم ، الضرائب أيضا تستعدّ لشحن عدّادها بمزيد من الأرقام، لا انتدابات أخرى، الأجور إلى التجميد، و الأسعار إلى غليان...
مازال الشارع يلوك خوفا من مجهول يتخيله أكثر تعقيدا من واقعه.
لا شيء سيتغير حقا، لا شيء أكثر من تحريك يخلو من كل مبدئية للشارع ، باتجاه تحفيزه على الغضب العارم، حتى يمكن لساسة الإنقاذ إمساك السيطرة .
يتحدثون عن ارتفاع الأسعار، و ما قد يجرّه من غلاء أثمان اللحم و البنزين و ارتفاع تلكفة الإنتاج . كأن ثمن الحذاء سيصبح مستحيلا السنة المقبلة، أو لعلنا كنا نشتري اللحم حتى ننقطع عن فعل ذلك بعد قانونهم للميزانية.
حقيقة، المسألة لا تخلو من كوميديا سوداء، كتبها الطاهر الفازع، أي مهزلة فنية بمستوى فضيحة في الفن.
أندهش للخيال الثاقب لمن ينتظر حلا ممن سرقه و اغتصب وجوده و استعبده طيلة عقود. كأنه إذن اعتقد طويلا أن بن علي أنقذ تونس بالفعل !!
يخيل إليّ أحيانا أنّ نخب الاجترار و قطيع الترديد و التصفيق، يعتبرون جريهم في الشوارع خلف سراب "السلمية" ، سيؤدي الى تحصيل سياسي ما. ربما، سيجعل حضرة الزعيم، سلطانا و يمنحهم ألقاب ولاة و خدم و حريم...
ربما يتلذذون دورات تكوينية في إلذاذ الزعيم، ربما .
إن طرح "ميزانية العام المقبل" على أجندة الشارع، عمل سافر منحطّ. ليس من بين أهدافه أكثر من تعويم الحالة الثورية في تفاصيل اليومي و إخلالات الزعماء في السلطة و خارجها. و سنرى كيف ستمرّ الأيام عادية تماما، و كيف سيباع اللحم، و يستعمل الناس سياراتهم ، و يدفعون ضرائب أخرى، و ربم يتبرع بعضهم لصالح الجهاز ليديم حياته و ينعم بعبوديته.
ليس هذا موضوعا للبحث، كيف نترك الصراع و وظائفنا فيه و أدوارنا في تجذيره، لصالح معاندة الخوانجية السفلة، و مساندة الدساترة و ملحقيهم ؟
ثكلت أم الميزانية، و نكح أبوها من دبر، ليس هذا شأنا أيها البشر. ليس هذا الصراع أبدا.
أعلم أنكم مستفَزون بشدة، و أن رغبة تستفحل بكياناتكم تقودكم الى الذهاب غدا الى القصبة لصفع العريض و البصاق على الأقرع إلياس فخفاخ. لكنكم ستعودون بعد غد الى الفخّ الذي وقعتم فيه منذ 23أكتوبر...
تلك المعارك الجانبية التي تصنعها السلطة و تنفذها الأجهزة و تستقطب بعضنا .
كل الخبرات انتهت مزيدا من الفِخاخ. و لا شيء يتطور .
إننا بالفعل مازلنا في أول الطريق إلى التحرّر و التحرير. و كل من يبحث عن تغيير الحاكمين لا يمكن أن يكون فهم شيئا أبدا.
التغيير لا يقع في السلطة، السلطة لا يجب أن تتغير، السلطة هي المشكل.
إننا لا نريد سلاطينا، نحن نحتاج لأن نسود واقعنا، بشكل ذاتي . بمجالس نصوغها في أحيائنا و مصانعنا و مدارسنا و قرانا .
إذا كان الحكم و الإدارة و التسيير ،فريضة العصر الجديد، فلا بدّ أن يكون الآمر الشهب بأسره. لا شيء سهل فيما أذكر، لا شيء معقّد أيضا.
نحتاج الى مزيد من صناعة الجنون، و حمل الناس على التجريب.
فليتطارحوا موضوعات السلطة، من ميزانية و انتخابات و قحبولوجيا أخرى. سيتعلمون بعد ما يكفي من المصائب و الأجيال، أن العمل يتصل بإسقاط السلطة
و سيادة الإنسان. ليس إنسان ما قبل الحداثة، ليس إنسان العبادة و التقوى ، بل إنسان القرار و الإرادة و التشاركية و التحرر الجماعي و الإبداع .
تسقط الميزانية أو تعلو، ترتفع الأسعار أو لا تفعل، سيمنحنا هذا و ذاك غضبا سريعا، و ربما نصرا لفاسدين دون لحى، لكنه لن يمنحنا التاريخ.
لا نحتاج لأمر أو آمر مختلف، نريد نفي الأمر لإحلال التضامنات الأفقية . يكفينا هرولة خلفهم، إنن نسق إلى مسالخهم، و أشكال شوائنا معلومة لدينا.
قاوم أيها العبد، قاوم حتى لوك معانيهم. تلك هي مصائبك المقبلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال