الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القراءة رياضة ذهنية ، تقي من البلاهة والكسل العقلي

اسماء محمد مصطفى
كاتبة وصحفية وقاصّة

(Asmaa M Mustafa)

2013 / 11 / 17
الطب , والعلوم


إذا كانت الرياضة البدنية تمنح الإنسان الحيوية وتنمي قدراته الحركية ولياقته الجسدية ، فإنّ القراءة رياضة ذهنية تنشط المخ وتحميه من الكسل والخمول العقليين اللذين يصيبان الإنسان حين مشاهدته التلفاز ، إذ أثبتت الأبحاث الحديثة أنّ القراءة تنشط الخلايا الخاملة او الساكنة في المخ بينما لاتفعل مشاهدة القنوات او ممارسة ألعاب الحاسوب ذلك .
وقد قام علماء أعصاب بريطانيون مؤخراً ، وفقاً لماتناقلته وسائل الإعلام ، بإجراء أبحاث على مجموعة متطوعين عن تأثيرات مطالعة الكتب والصحف الورقية على القدرات الذهنية للإنسان ، بدفع ٍ من مراقبتهم إتساع التقنية المعلوماتية في الحياة ، ماأدى الى إتساع مساحة مشاهدة الأفلام والاستماع الى الكتب الصوتية وممارسة الألعاب الالكترونية على حساب مطالعة الكتب والصحف الورقية .
وجد العلماء أن الدم ، خلال القراءة ، يتدفق إلى مناطق في المخ مسؤولة عن التركيز واستقبال المعلومات ، بينما لايصلها الدم في أثناء مشاهدة القنوات التلفازية او ممارسة الألعاب الالكترونية . كما توصل العلماء الى أن الجسم يؤدي وظائف تختلف هي الأخرى باختلاف الهدف من القراءة وطريقتها ، فوظائفه إذا كانت القراءة بقصد التسلية تختلف عنها فيما لو كانت بهدف التركيز ، فهذا الأخير وإن كان يشكل ضغطا على المخ إلاّ أنه يفيده بصفته تمرينا له ، وبذلك تكون القراءة بتركيز محفزة لقدرات المخ .
وأثبتت تلك الأبحاث أيضاً أنّ قراءة الإنسان كتب الأدباء الكبار والجيدين تساعد في تحسين مداركه وقدرته على صياغة أفكاره بشكل سليم .
إنّ ماتوصل اليه العلماء في أبحاثهم يفسر مانلاحظه من محدودية أفق التفكير وضعف المفردات اللغوية والحوارية لدى الكثيرين ممن لايولون القراءة إهتماماً ، ونحن هنا لانقصد أي قراءة ، بل تلك التي تدور حول كتب ثرية المحتوى ، إذ ندرك جميعا أن كتباً فكرية وأدبية وعلمية تتطلب قراءتها تركيزا، كي يستفيد قارئها منها ، بينما قراءة كتب ذات محتويات سطحية او بسيطة او لاتتطلب تركيزا او تفكيرا او تحليلا ، لاتشكل قراءة فاعلة تعود بالنفع على صاحبها .
قد يجوز لنا تشبيه فعل القراءة الواعية على مخ الإنسان وتفكيره خلال سنوات حياته ، بخط بياني يتصاعد فيه عمل ونشاط خلايا المخ ويتطور تفكيره بشكل مستمر . وحيث أن العقل هو مجموعة معارف يستحصلها الإنسان من خلال تجاربه الحياتية ، فإنّ القراءة الواعية هي تجربة إيجابية بحد ذاتها ، وإنّ مرافقة كتاب واحد ثري المحتوى ترفع التفكير درجة ، على سبيل المثال ، ومن ثم يرتفع درجة أخرى مع قراءة كتاب هادف آخر ، وهكذا الى أن تتسع مدارك الإنسان باستمرار مع كل رحلة قرائية ، مثلما تتبلور الشخصية وتنضج أكثر بعد كل تجربة حياتية .
ولعلّ القارئ الواعي يدرك بنفسه مثلما يلاحظ الآخرون ، التطور الفكري الذي يطرأ عليه تدريجيا ، فيرى أن أفكاره ومفرداته تتغير وتتطور بمرور السنين ، وإن أفق تفكيره في شبابه ، أوسع مما كان في فتوته ، وفي كبره أوسع مما كان في شبابه ، وهذا يعود ، الى جملة أسباب ، لعلّ القراءة في مقدمتها .
ومن المؤكد أن لا أحدَ منا يرغب بأن يجلس بين أناس آخرين يتحدثون في موضوع ثقافي مثلاً ، ويجد نفسه كالأبله لايفهم مايقال ولايعرف ماذا يقول ، لذا يكون تفادي هذا الموقف المحرج بالقراءة المستمرة والمختارة بعناية .
كما إنّ النتيجة الحسنة الأخرى التي تؤدي اليها القراءات أنها تزيد من رصيدنا اللغوي وتجعل أسلوبنا في الحديث أدق وأجمل وأكثر إقناعاً ، وهو مايكسبنا هالة من الجاذبية في عيون الآخرين .
وعليه ، ندعو شبابنا وشاباتنا الى الإهتمام بالمطالعة والمواظبة عليها ، لأن تجاربها تعود عليهم بالنفع ، حين يجدون بين الأغلفة تجارب وحيوات تؤثر فيهم وفي مداركهم وتنقل وعيهم من حال او درجة الى أخرى عليا ، لاسيما وهم يتحركون بين عوالم تصيبهم بالدهشة ، ماكانوا يتصورون أنهم سيعرفونها او يلجون اليها قبل مرافقة كتاب غزير المحتوى ، وهو مالايحققه إدمان مشاهدة التلفاز وممارسة ألعاب الحاسوب والهاتف النقال والأنترنت ، فهذه تسطح التفكير لأنها لاتدعو لتشغيل خلايا الدماغ كما تفعل القراءة ، كما إن الإفراط في مشاهدة البرامج التي لاتدعو للتفكير الى درجة الإدمان قد يعطل ، ليس التفكير فقط ، وإنما القيم الجميلة التي تستبدل بأخرى غير عميقة بفعل التسطح الفكري والفقر الثقافي والجوع الروحي ، سيما إن القراءة غذاء للروح والقلب كما هي غذاء للعقل ، بينما الانغماس المفرط في نتاجات تكنولوجيا الإتصال يُضعف الجانب الروحي للإنسان وعلاقاته بالآخرين .
وعلى العكس من كل إفراط في الحياة ، قد يؤدي الى نتائج عكسية ، فإنّ الإفراط في القراءة العميقة والجادة ، ينتج عنه وعي أكبر وأفق أوسع ، فخذوا الكتاب رفيقاً ينفع دائما ولايضر أبداً.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القراءة تنمي البصيرة ...نعم
فؤاده العراقيه ( 2013 / 11 / 17 - 12:38 )
اهلا بكِ عزيزتي اسماء
الهدف الرئيسي برايي من القراءة والأهم قبل ان يتفادى الأنسان صفة البلاهة عند مجالسة المثقفين , أو انها ستكون مسببا لزيادة رصيده الثقافي ليكتسب هالة من الجاذبية في عيون الآخرين
فالأهم من كل ما جاء ذكره هو تطوير الذات والمعرفة التي سنجنيها من قراءاتنا بالإضافة إالى انها ستجعلنا واعين بالأمور الحياتية ومن ثم سنجني زيادة قدراتنا وتنمية قابلياتنا والمعرفة ولو بأجزاء بسيطة من حقيقة حياتنا , فلا يهم اسلوبنا الدقيق والجميل امام الناس وجاذبيتنا بقدر المعرفة التي سنجنيها
شكرا لكِ لتناولك هذا الموضوع الذي يحث الشباب على تحريك خلايا ادمغتهم التي اصابها العطب من برامج التلفزيون , فخير جليس هو الكتاب ومن ثم الأنطلاق الى العالم الرحب مع جليسهم


2 - القراءة .. الغايات والنتائج
أسماء محمد مصطفى ( 2013 / 11 / 17 - 17:21 )
شكرا للاهتمام عزيزتي فؤادة ولإبداء هذا الرأي الواعي . وبلاشك أن غاية القراءة هي التطور الاول هو التطور الفكري والعقلي وهو ما اشرت اليه في المقال ، وهو يصب في تطوير الذات وزيادة الخبرات وتطور طريقة التعامل مع تجارب الحياة وشؤونها المختلفة ، وأما هالة الجاذبية وتطور اسلوب الكلام فهما من النتائج التي تؤدي اليها القراءة الواعية كتحصيل حاصل ، وليست من الأهداف بالضرورة ، لأن الهدف اعمق بكثير. تحياتي لك ولوعيك . مع المحبة


3 - غاية القراءة الاولى
أسماء محمد مصطفى ( 2013 / 11 / 18 - 16:24 )
استدراك.. ورد خطأ طباعي في تعليقي السابق ،السطرالاول : غاية القراءة هي التطورالاول هو التطور الفكري والعقلي .. والصواب هو :غاية القراءة الاولى هو التطور الفكري والعقلي ، فعذرا.

اخر الافلام

.. سقوط منطاد تجسس إسرائيلي يحول الصراع مع حزب الله إلى حرب تكن


.. أعمال شغب واشتباكات بين مهاجرين غير نظاميين من دول جنوب الصح




.. ثروات الجزائر الطبيعية وأطماع بكين


.. تفاعلكم الحلقة كاملة | الجدل الأكبر في عالم السرطان.. فحص ال




.. -غوغل- تختبر خاصية جديدة.. تستمع لمكالماتكم لـ-مصلحتكم-