الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصفعة

مناف الحمد

2013 / 11 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


الصفعة

في إحدى زيارات التبشير بأفكار البعث في الخمسينيات لواحد من شيوخ القبائل في المنظقة الشرقية لقيت الأفكار التي يحملها البعثيون صدى جيداً لدى شيخ القبيلة ووجهاء قبيلته ، ولكنهم أفصحوا عن عائق واحد أمام قبولهم الانخراط في صفوف الحزب وقد عبروا عنه بلهجتهم البدوية :
"والله احنا معاكم بس لو مو صاحبكم المو مطهر "
أي الذي لم تجر له عملية الختان ، وكان المقصود ميشيل عفلق المسيحي .
فالبدوي لا يعرف العروبة إلا متناسجة مع الإسلام ، وهو يجد صعوبة كبيرة في تقبّل أن يحمل الدعوة للعروبة مسيحي .
وقد كانت مسيحية ميشيل تشكّل له عقدة عبّر عنها حازم صاغية بقوله إن الفكر السياسي العربي لم يعرف اقلياً مهجوساً بأقليته كهذا الرجل ، وقد فكر مرة أن يتنحى عن قيادة الحزب لأنه يدرك أن المجتمع المسلم في أغلبيته لن يقبل به كزعيم لتيار قومي اشتراكي واعد كحزب البعث وأن قيادته له ستشكل عائقاً أمام انتساب كثير من الراغبين في الانتساب إليه .
ويحكى أن جلال السيد قد استطاع ان يثنيه عن هذا القرار .
ولست واثقاً من الربط السببي بين هذا الهجاس بالأقلية وبين الضعف البنيوي الذي كان يعاني منه الأستاذ كما كان يلقبه أتباعه ولكن يمكن افتراض وجود علاقة بينهما من تتبّع سيرته الشخصية ، وتقلّباته ، وانهيار عزيمته أمام حسني الزعيم في البدايات ، ورضوخه لجبروت صدام حسين في الخواتيم .
في إحدى قصصه القصيرة التي كتبها قبل أن يستغرق العمل السياسي وقته وتفكيره والتي عنونها بعنوان "الصفعة " يصف حالة زوج خاضع لزوجته خضوعاً شبه مطلق يوصله إلى حالة الشلل الكامل وتلقّّي الصفعة منها بدون أدنى ارتكاس .
ربما كان الزوج المسلوب الإرادة هذا شخصه القابع في لا وعيه ، والذي كان يتمظهر بصورة فنية مجمّلة تعكسها رومانسيته التي عرف بها .
أنا لا أعرف لماذا تذكرت قصة ميشيل القصيرة " الصفعة " والتي قرأتها منذ أكثر من عشرين عاماً ولا أعرف سرّ التداعي الذي حصل في ذهني عندما عاصرت الصفعة التي وجهها الجربا للمقداد منذ بضعة أيام .
كما استنكر البدوي في الخمسينيات ان يقوده مسيحي ، استعلى البدوي اليوم على هذا الشاب الوسيم الناعم الذي يعتبره وفق سلم التفضيلات البدوية شخصاً خارج الدائرة التي يمكن الاعتداد بها .
وكما صدّر الحزب شخصاً لا يستطيع المجتمع المسلم أن يقبل قيادته له صدّر الجناح العسكري للثورة شاباً لا يمكن أبداً أن يصلح إلا لتقديم برامج فنية أو برامج مسابقات شعرية .
المهم أن خللاً بنيوياً يكمن في التمثيل هنا وهناك ، ولكنّ الفرق أن ذاك الرجل كان مدركاً لعدم صلاحيته للتمثيل أما هذا الشاب الوسيم فغافل عن ذلك .
وهناك كان لدى البدوي سبب للاستعلاء مفهوم وفق السياق التاريخي آنذاك ، أما هنا فاستعلاء البدوي مرتبط بشعور قوة مكتسب وليس أصلياً وليس مبرراً .
هناك تلقّى الصفعة بدلاً عن الإنسان الضعيف الذي يدرك عدم صلاحيته للتمثيل شخص في قصة قصيرة ، وهنا تلقّى الصفعة الغافل عن عدم صلاحيته للتمثيل في الواقع .
هناك عبّر البدوي عن استعلائه بعبارة بسيطة من ثقافته وهنا عبّر البدوي عن استعلائه ورفضه بسلوك لا يمت للياقة بصلة .
خرج النقص والاستعلاء من القوة الى الفعل ، خرج الفشل والجهل من الكمون إلى الظهور .
هذا ما تمخضت عنه المسافة الزمنية بين الخمسينيات وبين اللحظة الحالية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظومة الصحة في غزة الأكثر تضررا جراء إقفال المعابر ومعارك


.. حزب الله يدخل صواريخ جديدة في تصعيده مع إسرائيل




.. ما تداعيات استخدام الاحتلال الإسرائيلي الطائرات في قصف مخيم


.. عائلات جنود إسرائيليين: نحذر من وقوع أبنائنا بمصيدة موت في غ




.. أصوات من غزة| ظروف النزوح تزيد سوءا مع طول مدة الحرب وتكرر ا