الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البصرة ... و إبتزاز الجماعات الطائفية المتوحشة ؟

داود البصري

2005 / 6 / 6
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


رغم أن الحياة في مدينة البصرة الجنوبية العراقية باتت تسير بتؤدة وبطء نحو شكلها الطبيعي ، ورغم أن غيوم التطرف الديني والتعصب الطائفي تبدو أنها في حالة تراجع جزئي ، إلا أنه مازالت قضية ومعضلة العودة بالبصرة لحياتها الطبيعية أو لصيغتها الحضارية المعهودة أمر دونه خرط القتاد !! ، فالبصريون وهم أصحاب شهرة تاريخية متجذرة في الصبر على البلوى ورفع الشعار التاريخي : { كن مع عبد الله المقتول ولاتكن مع عبد الله القاتل }! ، لازالوا يعانون أشد المعاناة من النقص الفظيع في توفير الخدمات الحياتية الأساسية ، فهذه المدينة العربية العراقية العريقة مازالت متخلفة حضاريا وميدانيا ومن الناحية الخدماتية عن بقية مدن العراق رغم كونها من أغنى المدن والأقاليم موقعا ، وتراثا ، ووهجا حضاريا والأهم من كل شيء غناها بالموارد الطبيعية الهائلة التي تذهب لجيوب ومصالح جهات وأطراف لا علاقة لها بالبصرة ولا ببترولها، ولا بشطها ، ولا بكونها ميناء العراق الأوحد الوحيد ، ولا بروابطها البشرية والمجتمعية بدول الجوار والإقليم الخليجي المحيطة !.

البصرة تئن وبصمت مفجع تحت هيمنة أبشع وأسوأ إحتلال همجي ! وهو الإحتلال الأصولي المتخلف المدعوم من إيران !والذي يبدو للأسف إن السلطات العراقية وبعد عامين على التحرير غائبة بالكامل عن معالجة ملفاته وتداعياته في ظل سياسة الترضية والصفقات والمحاصصات الطائفية المقيتة والمجاملات والتي أدت في محصلتها العامة لهيمنة القوى والتيارات الطائفية المريضة والمتخلفة على كل مناحي الحياة البصرية المنهكة أصلا نتيجة لتداعيات سنوات الحروب العبثية للنظام البائد الذي جعل من البصرة الوسادة الخالية التي تنام عليها أحلامه في الهيمنة والتوسعة، فطيلة سنوات الحرب الإيرانية المدمرة الطويلة ( 1980 / 1988 ) دفعت البصرة وأهلها وبنيتها التحتية ثمنا باهظا ومدمرا لها ، وحيث القصف والتدمير اليومي وحيث هزائم جيوش النظام وفيالقه المنهارة ، وحيث التدمير الشامل الذي أصاب البشر والحجر والنخيل وكل شيء حي ، ثم جاء غزو صدام المجرم لدولة الكويت عام 1990 ليعمق جراح البصريين بعد أن شمل التدمير البعثي الشامل حتى الوشائج الإجتماعية لأهل البصرة مع الجوار الخليجي ، فكان تدمير دولة الكويت إعلانا بعثيا شاملا لتدمير البصرة ومدن الجنوب العراقي عموما ، لذلك لم يكن غريبا أن ينتفض البصريون ضد قهر السنين والبعثيين في ربيع 1991 والذي أعقب هزيمة صدام ومشروعه النازي في الكويت لتنطلق رصاصة التحدي الأولى ضد النظام من البصرة تحديدا ، ليأتي رد النظام ردا دمويا حاقدا وشاملا ومدمرا مازال مرتسما حتى اليوم على جميع ملامح ومعالم الحياة البصرية ، كما كان تحرير العراق من البعث الفاشي وصدام المجرم قد إتضحت معالمه مع تهاوي تمثال الطاغية في البصرة والذي كان المقدمة والبشرى لسقوط ( هبل البعث المجرم ) في ساحة الفردوس البغدادية في التاسع من نيسان / إبريل الخالد عام 2003 ، ولكن بعد زوال النظام و إضمحلاله ونفوقه هل تغير حال البصرة ولا نقول كل العراق نحو الأفضل ؟ وهل تسنى للبصريين جني ثمار النصر على الطاغية الأهوج ؟ وهل تعمقت أفق وخيارات الحرية و الإنفتاح بزوال نظام البعث الإستبدادي للأبد؟... النتيجة كانت للأسف مأساوية ؟ وغير مشجعة في ظل هيمنة إحتلال همجي ومن نوع بدائي طائفي وغريب كل الغرابة عن أخلاق البصريين وطيبتهم وسماحتهم التي عرفوا بها عبر التاريخ ! ، أقولها بصراحة وتجرد وليغضب من يغضب ، وليتهمني من يتهم، وليشتم من يشتم ، فلقد هيمن على البصرة وعموم الجنوب مد طائفي شيعي متخلف وبدائي لا علاقة له على الإطلاق بالأخلاق الكريمة والروح المتسامحة المعروفة عن شيعة العراق ، وشيعة أهل البصرة تحديدا ، فالبصرة ليست مدينة شيعية خالصة بل أنها خليط منسجم ومتناسق من الشيعة والسنة والمسيحيين والصابئة وقبل قيام إسرائيل كان اليهود العراقيين كتلة مهمة ومؤثرة في النسيج الإجتماعي البصري ، وحتى على مستوى الطائفة السنية فإن هنالك فروقات بين سنة ( أهل الزبير ) قبل هجرتهم للسعودية وبين سنة قضاء ( أبي الخصيب )! وكان من الصعب فك التداخل الإجتماعي بين الطائفتين الكبيرتين ، فالهوية الطائفية لم تكن حالة متميزة بقدر ماكانت مسألة إعتقادية خاصة لاتتيح لأي طائفة الهيمنة على الأخرى أو إلغائها! كما هو حاصل حاليا من إبتزاز طائفي تمارسه جماعات إرهابية منفلتة بإسم الطائفة والمذهب الشيعي ، فإبتزاز عصابة مايسمى ب ( ثأر الله ) التي يتزعمها المدعو ( يوسف الموسوي ) لاعلاقة لها على الإطلاق بأخلاق شيعة البصرة المتسامحة الكريمة ، والبصرة طيلة تاريخها المعاصر لم تعرف التوترات الطائفية والعرقية ، ولم تعرف الكراهية أو العداء ، فكان السني البصري يحضر مآتم مقتل ( الإمام الحسين ) وأهل بيته المنتجبين ( رضوان الله عليهم ) ، كما كان مسلمو البصرة يحترمون الأعياد المسيحية وطقوسها في كنائس البصرة المجاورة لمساجدها كما هو الحال في مدينة البصرة القديمة! ، وكانت سحنات الجميع سحنات إيمانية بريئة ومنزهة من كل مقاصد وأغراض وأمراض الجماعات الطائفية المسعورة ! ، أما مانراه اليوم فهو مجموعة من الوجوه العابسة المكفهرة المتشحة بزي الكآبة الإيرانية وتتوفر على أسلحة فتاكة وفرتها المخابرات الإيرانية بأرخص الأسعار وللجميع ولتكون ( هدية الثورة الإسلامية لأهل البصرة )!! ولتساهم أبشع مساهمة في توتير الموقف وشحن النفوس والإستعداد الميداني لجولات صراع طائفية لن تحدث مهما بلغت حبكة المؤامرة الطائفية الإيرانية دقة وتوسع ! ، فبعد سقوط النظام مباشرة وفي ظل الفراغ الأمني المريع الذي حصل تدفقت على البصرة الأحزاب والجماعات الطائفية من خلف الحدود الإيرانية مباشرة وأسست مواقعها الكريهة بدءا من نقطة صفوان الحدودية وحتى الشمال ، كما إجتاحت القطعان الإيرانية الهوى والقلب والفكر كل مؤسسات ومواقع ومراكز وإدارات الدولة العراقية السابقة لتفرض هويتها الطائفية المريضة ! ولتتحول ( العمائم ) لمراكز لتوزيع قناني الغاز وبعض الخدمات الحياتية ، ثم تمددت الجماعات الطائفية ليتحول مكتب المخبول ( مقتدى ) وعصابته في جيش الحرامية و اللصوص والحشاشين التابع له لمركز ثقل سياسي وأمني ليمارسوا بلطجتهم على الجيل العراقي الجديد في جامعة البصرة أو ضد الأدباء والمفكرين الأحرار ، بل أن التوجهات الطائفية المنحرفة قد دفعت بعصابة ( ثأر الله ) للإنتقام من ( أهل السنة ) في البصرة في أفجع تحرك طائفي لم ترد الدولة والحكومة العراقية الناشئة عليه ! وللأسف هذه الدولة التي نافقت وجاملت العصابات المقتدوية بتوزيرها بدلا من محاسبتها ! ، وهي جزء رئيس وفاعل من المهزلة السلطوية الدائرة بشكل مأساوي في عراق اليوم.

قبل سقوط النظام كنا نتأمل أن تشهد البصرة بعد سقوط ذلك النظام حملة تشييد وإعمار ضخمة من شأنها تعويض عذاب وحرمان السنين ، فالبصرة تمتلك من المواصفات السياحية على ساحل الخليج العربي ما يؤهلها لأن تحقق نهضة سياحية وحضارية كبرى ... ولكن هل ترضى بذلك عمائم إيران وأذنابها الصغار في الشارع البصري ؟ .. ذلك هو السؤال الموجه لحكومتنا العراقية الرشيدة ..؟ .. ولكن قد أسمعت لو ناديت حيا.....!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشيف عمر يبدع في تحضير جاج بالفريكة ????


.. ما تأثير وفاة رئيسي على السياسة الخارجية الإيرانية؟ • فرانس




.. كيف سقطت مروحية الرئيس الإيراني رئيسي؟ وما سبب تحطمها؟


.. كيف حولت أميركا طائرات إيران إلى -نعوش طائرة-؟




.. بعد مقتل رئيسي.. كيف أثرت العقوبات الأميركية على قطاع الطيرا