الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سمير قصير, معشوق الخزنوي.. موسم لاغتيال الاحلام الجميلة

سردار عبدالله

2005 / 6 / 6
الصحافة والاعلام


كان الاسبوع الماضي اسبوعاً حزيناً في بلاد الشام, فخلال اقل من (24) ساعة, تم الاعلان عن اغتيال اثنين من اجمل رموز الشام واكثرها محبوبية وشعبية. فقد قام الجبناء المتوهمون باغتيال الصحفي الكبير والشجاع الزميل (سمير قصير), على الجانب الآخر كانت السلطات الامنية السورية قد اعلنت وقبل يوم واحد من جريمة اغتيال الزميل سمير قصير عن العثور على جثة الشيخ (معشوق الخزنوي) الذي كان قد تم الاعلان من قبل عن اختفاءه في ظروف غامضة, ادت الى خلق توتر شديد في المنطقة الكردية من سوريا التي ينتمي اليها الشيخ. انا لم التقي في يوم من الايام سمير قصير ولكن كان يكفي ظهوره على شاشات الفضائيات وهو يتحدث بشجاعته النادرة وصراحته الجميلة وابتسامته الساحرة التي كانت تدخل الى القلب دون استئذان, لكي اشعر تجاهه برابطة اقوى من ان يقال عنها بأنها (اعجاب). احببته وتمنيت ان التقيه ولا ادري لماذا كنت اشعر بانني سألتقيه في يوم ما؟ فقد جعلتني المرات التي شاهدته فيها على الشاشة بأنه صديق قديم وجهه المشرق اكثر الفة لي من كثير من جيراني وابناء الحي الذي اسكن فيه.. وانه اقرب الي من كثير ممن اعرفهم منذ سنوات, لقد كان سمير قصير بالنسبة لي رفيقاً في النضال, لا بل اكاد اجزم بأنني شعرت بانتماء اقوى الى الرابطة التي تربطني واياه حتى من كثير من رفاق النضال في بلدي. صحيح انني كنت اقرأ ما يكتبه باستمرار, لكنني ادركت بعد استشهاده , لا احتفظ لهذا الصديق وهذا الرفيق فقط ببقايا من افكاره وآراءه الشجاعة وحسب, بل انني احتفظ له في ذاكرتي بأجمل الصور التي تألق فيها اثناء انتفاضة الاستقلال وكذلك عندما كان يتحاور من على الشاشة بذلك المنطق القوي الذي ارهب اصحاب منطق القوة العمياء الى درجة انهم لم يعودوا يتحملون وجوده, فكان لا بد ان يبرهنوا على قزميتهم, وعلى شموخ وسمو سمير قصير.
اما بالنسبة للشيخ الخزنوي فإن القدر وانغلاق الآفاق في ذلك الجزء من بلاد الشام الساحرة التي تسمى سوريا, لم يسمحا لهذا الرمز الجليل بالظهور على الشاشة, وبذلك حرموني وحرموا الملايين من التعرف على تفاصيل ملامح هذا الرجل الاعزل, الذي جاء من منطقة هامش لا يعترف (القانون) لأبناءها حتى بحق امتلاك الجنسية الوطنية, ومع ذلك فإن سطوة حضوره ومحبوبيته ارهبت حتى (القانون) نفسه. ان هذا الشيخ لم يكن ينتمي الى حركة الاخوان المسلمين التي ابيدت في (حماه), وهو لم يكن ينتمي الى الجماعات الارهابية التي تمولها وتغذيها انظمة عربية واقليمية لكي تقوم بتدمير وتخريب العراق بعد ان تخلص من حكم نظام صدام الديكتاتوري.. بل كان رجل دين منفتح يدعو الى الانفتاح والسلام والتعايش, ينبذ الغلو والتطرف, اذن لماذا اغتالوه؟ ولماذا اغتالوه مرتين, لماذا ارادوا ان يغتالوا حتى صورته الجميلة؟ ولماذا توهموا بأنهم عن طريقة فبركة تلك القصص الغريبة يمكن ان يتمكنوا من قتل سطوة وحضور الحلم الكبير والجميل الذي كان الشيخ الخزنوي يمثله بكل الوانه الزاهية الجميلة؟ كان الشيخ الخزنوي رفيق درب نضال شاق وعادل, ورفيق قضية عادلة, كان لايريد إلاّ اثبات العدالة الإلهية التي غابت عن سوريا, تلك العدالة التي رفضها ولازال الحكام في سوريا يرفضونها ويرفضون الاعتراف بها, جاء هذا الشيخ لا يحمل معه إلاّ ايمانه الراسخ وحبه الصادق لبلده اعزلاً من كل اسلحة الارض, ليقول لهم ان الله الخالق القدير (ما خلق هذا باطلا) ولا عبثا, انه سبحانه قد خلق البشر شعوباً وقبائل ليتعارفوا, وكان هو القادر على ان يخلق منهم امة واحدة و لكن لحكمته شاء ان يخلق البشر على الوان وشعوب وقبائل وامم مختلفة, لكي يتعارفوا, لا لكي يتعاركوا. فمن انتم حتى تعترضوا على ارادة الخالق في شؤونه وشؤون خلقه؟ الخزنوي لم يطلب اكثر من الاقرار بالإرادة الالهية العليا في الاعتراف بوجود شعب كامل توهم الطغاة وعلى مر العقود والقرون بأنه يمكن ابادتهم عن بكرة ابيهم, او مسخهم في هويات تفرضها عليهم قسراً, ولقد قالها ببساطة شديدة لا تضاهيها الاّ بساطة وبراءة الاطفال الرائعة, ان هناك شعب شاءت الارادة الالهية العليا على ان يكونوا (كرداً) وان لهم تبعاً لهذه المشيئة حقوقاً مغتصبة تتجاوزون عليها وتخرقونها في اليوم الواحد آلاف المرات, فكفى وآن لهذه الارادة الالهية ان تتجسد على الارض, وآن لكم ان تعترفوا بها وتكفوا عن جبروتكم وكفركم وغيّكم. ان ما ارهب الطغاة امام رجل اعزل كالشيخ الخزنوي هو نفسه ما ارهبهم امام ابتسامة سمير قصير الساحرة التي لم تكن تفارق وجهه حتى وهو منهمك في جدال محتدم.
ان مشكلة الطغاة هي انهم متقوقعون داخل عقلياتهم المستبدة والمتحجرة على ساعة القرون الوسطى التي كانت تتوهم بأنها تستطيع من خلال القمع الوحشي ومحاكم التفتيش المشينة, اطفاء نور شعلة الحرية التي هب الانسان ابن الله لاشعالها وبقي مصراً على استمرار اشعاعها حتى ولو تطلب ذلك منه دمه كوقود لهذه الشعلة. معضلة الطغاة هي انهم لا يتعلمون من التاريخ, ولا يعتبرون بدروسه ومعانيه العضيمة الخالدة. فبدلاً من ان يركنوا الى العقل وروح المنطق, فإن منطق القوة الفظة قد اغشى ابصارهم واصابها بالعمى, بعد ان فقدوا بصيرتهم منذ اللحظة الاولى التي تلطخت فيها ايديهم باول قطرة دم من دماء الاحرار, ومنذ اول جريمة ارتكبوها بحق الوطن ورموزه الجميلة. انهم يتوهمون بأنهم سوف يتخلصون من سطوة هؤلاء الاشخاص اذا ما قاموا باغتيالهم, ثم يكفي ان يشوهوا الحادثة ويبينوا انها حادثة غير سياسية وان لا دخل لهم فيها. لكن التاريخ يعلمنا بأن الرموز تكبر باستشهادها, وان من ينتهي او يشارف على النهاية نتيجة جريمة اغتيال الرموز الكبيرة الجميلة هم الطغاة وحدهم, ان الرموز تكبر في هذه الحالة الى ان تتماها مع الوطن ومع قضاياه الكبيرة العادلة, بينما الطغاة لن ينالهم الاّ المزيد من العار والخذلان وهم باقترافهم لجرائم اغتيال الاحلام الكبيرة الجميلة لن (يحققوا) الاّ المزيد من الاقتراب من قبورهم التي ستبصق عليها الشعوب, ولن تجد لها مكانا للدفن الاّ في مزبلة التاريخ مع اقرانهم من الطغاة الذين ابوا ان يتعلموا الدرس البليغ الذي يمكن ان يعتيه اغتيال الرموز. ما هذا الوطن الذي يغتال اجمل رموزه وبكل هذا الدم البارد وهذه الاعصاب الشيطانية الهادئة؟ ما هذه الانظمة التي تتنازل امام اعداءها واعداء شعوبها وتنهزم ذليلة, ثم تأتي لتفرغ عنترياتها على الوطن ورموزه واحلامه الجميلة الكبيرة, لتصور هزائمها المنكرة الى (انتصارات) وهمية, لابد ان يدفع ثمنها خيرة ابناء الوطن ومن دمهم وحياتهم؟ ما هذا العار الذي يجلل هذه الاوطان المنكوبة بحكامها وانظمتها العاقة؟
ان الدرس التاريخي الكبير لا يمكن ان يخطأ, فلا اغتيال الشيخ معشوق الخزنوي ولا المحاولات البائسة التي تستهدف تشويه ذكراه الجميلة ستفلح في اغتيال القضية العادلة التي قضى الشيخ المجاهد في سبيلها, وكذلك فإن دم سمير قصير المناضل الصادق الشجاع لا يمكن ان يؤدي تخويف اقرانه من المناضلين والصحفيين مناضلي الكلمة الحرة واسكاتهم, بل سوف يؤكد ويقرب يوم الانتصار الكبير والنهائي لانتفاضة الاستقلال المباركة التي انطلقت ولن يوقف مسيرتها كل الطغاة الارض مجتمعين مع بعض. لقد اثارت فيّ هاتين الفاجعتين آلام واحزان كل رفاقي واصدقاءي الذين فقدتهم اثناء النضال العادل ضد الطغيان والاستبداد والديكتاتورية, اثارت في حزني الدفين على شقيقي وصديق طفولتي ورفيق دربي الذي استشهد شامخا على احدى جبال كردستان ووهب حياته لحرية وطنه وشعبه وهو لم يبلغ بعد سن العشرين, حينها لم ابكي على فقدانه وهو يحتضر امامي, فقد كان شموخ الجبل يحرم على الرجال المناضلين البكاء,وخصوصشقاً على الشهداء, فلم استغرب عندما انهمرت دموعي وانا اسمع خبر استشهاد اخي ورفيقي سمير, وكأنني تذكرت ان ابكي وبحرقة اليتامى اخاً آخر استشهد قبل(18) عاماً.

ينشر بالتزامن في السياسة الكويتية وايلاف والفرات الدولية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تلوح بإرسال قوات إلى أوكرانيا دفاعا عن أمن أوروبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا بشأن عملية رفح وصفقة التب




.. بايدن منتقدا الاحتجاجات الجامعية: -تدمير الممتلكات ليس احتجا


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تغلق شارعا رئيسيا قرب و




.. أبرز ما تناولة الإعلام الإسرائيلي بشأن تداعيات الحرب على قطا