الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- بلاد أضيق من الحب - عرض مسرحي مأخوذ عن نص - سعد الله ونوس -

أماني فؤاد

2013 / 11 / 18
الادب والفن



تحت رعاية "مركز الهناجر للفنون" بمسرح "الهوسابير" برئاسة د. "هدى وصفى" قدم المخرج المبدع "طارق الدويرى" نص المسرحى السورى الراحل" سعد الله ونوس "بلاد أضيق من الحب".
وفى بارقة أمل ما زلت أتوسل لها الوجود، رافضة كل ما يتردد من أقاويل بموت كل ما هو جميل وقيم وحقيقى فى المجتمع المصرى وثقافاته، تومض خشبة المسرح بنص عذب، عميق الفكر، جرئ الطرح لونوس، ورؤية إخراجية حيوية يتداخل بها كثير من تقنيات المسرح الحديث "لطارق الدويرى".
توفر المعالجة المسرحية بالحركة والظلال والرقصات والموسيقى وشاشات العرض المساعدة لنص "سعد الله ونوس" التعبير عن معاناة الإنسان العربى – المرأة والرجل – وعدم قدرته على التحقق، وإمكانية أن يحافظ على ما يجعله سعيداً.
يقدم النص لعلاقة حب بين كاتب كبير ناضج وفنانة تشكيلية شابة، حب تحت التهديد والمطاردة والرفض من كل الأشخاص المحيطة بهم: أسرة الكاتب زوجته وأولاده، وصديقه الذى يلجأ إليه طلباً لمكان آمن يلتقى فيه مع حبيبته، فيجده طامعاً فى فتاته، أم الفتاة وأبيها الكفيف ، الذى سحبت الأم النور من عينيه، وأخيها الفاشل.
ومن جهة أخري السلطة الاجتماعية الصريحة والضمنية والأجهزة الرقابية: سائق التاكسى المتأسلم، الطامعين فى إيفا من المستهترين فى الشوارع وأفراد الأمن.
لا توفر البلاد برغم اتساعها وتنوعها أمكنة تحترم الحب وتعده قيمة سامية ، بل تمارس نحوه فعل الخنق والقمع المستمر.
ويظل المكان هنا هو بؤرة التوتر الناتج عن بحث الحبيبين عن ملاذ آمن يستطيعا أن يحيا به حبهما ، بعد أن هربا من كل القيود.
يركز النص الأدبى على علاقة الحب الصافية المجردة بين الحبيبين، فهما لا يقيما وزناً لفارق السن، أو اختلاف التوجهات الفكرية والإيمانية، أو المرض، أو القيود الاجتماعية الصارمة التى تكبلهما، فلقد وجدا ضالتهما أو خلاصهما من الوحدة والمرض فى علاقة حقيقية أدخلت عليهما السعادة والرغبة فى الاستمرار بالحياة.
ويزخر النص والرؤية الإخرجية بلمحات فكرية عميقة التناول، وتقنيات فنية مبدعة، فتبدو أم إيفا ككل المرأة العربية ، حاضنة عتيدة لثقافة ذكورية قامعة للأنثى، نجح فيها الذكر أن يجعل المرأة هى ما ترسخ لها، وتحارب من أجل تثبيتها، وكأن قهر الأنثى لا يأتى إلا من الأنثى، فهى من تقمع طموحات ابنتها الرسّامة، وتدلل إبنها الفاشل، تقزّم من حقوق إبنتها، وتهب السلطات المطلقة لولدها، في حين يقف الأب سنداً حقيقياً للفتاة ، فتتعلم الرسم ويصير لها كياناً تتحقق من خلاله.
في حين تظل الأم فى النص تشكل نصف مأساة إيفا فى حياتها، وتبقى الجملة الأخيرة التى تتردد فى العمل فى مرحلة انسحاب البطلة من الحياة "سحبت أمى النور من عين أبى، وأنا أنتظرك يا نبيل".
الأم هنا طاردة كما الأوطان والأماكن، ربما لو أنها حانية مستوعبة كالأوطان الناضجة لما انطفأ نور عين الأب، ولوجدت إيفا حضناً وبلداً يتسع لحبهما.
وفي ظني أن عدم وجود مكان يتسع لأن يحيا فيه المحبون حبهم، دلالة على معانى وقيم أخرى ضرورية لحياة الإنسان الحقيقية، حين يختنق الحب ينمحى الجمال والعدل والحرية، يتقلص الإبداع والعطاءات البشرية، وتصبح السماء قاتمة دون نجوم أو أقمار، فيضيع الحلم ويتمدد ويستفحل الحقد والضغائن، ويذوى الإنسان فى ظل القمع والحرمان والظلم.
ولقد ركز النص أو الرؤية الإخراجية له على مكان يستوعب الحب ويحتضنه ، غافلة لصراعات أخرى قبل المكان وبعده، كالقيود الأسرية والصراعات المشتعلة بنفوس الأفراد الواقعون فى تجربة الحب ذاتها "نبيل وإيفا"، الشكل المجتمعى للحب، وواجبهم تجاه من يحيطون بهم، الشعور بالندم بعد انطفاء جذوة الحب.
هل من أجل أن نحيا الحب أو نعيش ممارساته يجب أن ندفع الثمن من كرامتنا؟ وأن نطارد وينظر إلينا كداعرين رجل وامرأة؟
نوَّع المخرج فى تقنيات الفن المسرحى وتداخلت لديه كثير من الآليات الفنية لتصل بالمتفرج إلى تعاطف تام، بل إحساس مفعم بالشجن تجاه مأساة أبطال المسرحية، فحين يرسم الشخوص يستخدم اللوحة التشكيلية مثلاً ليدلل على صفات شخصية الدكتور صديق "نبيل" ، فنجد لوحة معبرة وحشية لخفاش ضخم كبير، يفرد أجنحته على مساحات واسعة ؛ ليصبح مؤشراً ودلالة على أخلاق هذا الصديق.
- تبدو خطوات كلاً من نبيل وإيفا متخبطة غير متزنة، تفتقد ثبات الخطو فى حكيهم لرحلة تعارفهم واتخاذهم قرار هروبهم، كما أنها خطوات تحت المطاردة المستمرة من المجتمع حولهم.
- لشدة اندماج والتصاق المحبين، وانصهارهم فى قصة حب جميلة ، نجد المخرج قد تخير أن يتبادلا مواقع الحوار، فالأقوال على لسان "إيفا" ينطق بها "نبيل" والعبارات التى نطق بها نبيل تصبح على لسان إيفا، وهكذا يتبادلا الأماكن والمواقع، ليدلل المخرج على أنصهارها فى كيان واحد، وتعد تلك أعلى مدارج المحبين، أن يقول الحبيب لحبيبه يا أنا ويصيرا واحداً.
- جسد المخرج كل من بيده سلطة أو جهة قمع مشوهاً، كالنادل فى المطعم أو الفئات اللاهثة وراء غرائزها وأهواءها، أو المنصاعون للقمع الراضون به.
- تتداخل بنوع من التوزيع المغاير أغنية أم كلثوم "هذه ليلتى" مع لحن أجنبى لم أفسر معانى كلماته، لكن صوت المغنى بدا أجش لكنه معبر، وبقى المكان الوحيد الذى استوعب حبهما بيت دعارة ذلك لامتهان الحب فى هذه البلاد، وليتزاوج طعم الشهد مع العلقم فى طبيعة وأجواء هذا اللقاء.
- أبدع "أشرف فاروق" فى رسم شخصية "نبيل" وعبرت ملامحه عما يعتمل بالمشاعر الداخلية للشخصية، كما استطاع أن يؤدى مشاعر المحب الولهان الذى يشتاق للقاء حبيبته، ويتغلب على مرضه فى لحظات نشوته، فيصبح كما الفراشات، أو يقسو عليه مرضه فى إخفاقاته ومطاردة الجميع له ولحبيبته.
- تبدو ملامح "ريم حجاب" جريئة معبرة ذات سمات مميزة تبقى بالنفس، كما اتسم أداءها بالتلقائية والصدق، وإن شاب بعض المشاهد والحوارات المبالغة فى الميل إلى طريقة الأطفال فى الحوار وطرق تعبيرهم، وللممثلة قدرة جيدة على توظيف الحركة على خشبة المسرح وأداء الرقصات التعبيرية ؛ لخدمة روح النص، وليس من أجل استعراض قدراتها الراقصة، وهو ما يحسب لها.
- بدت شخصية القزم الذى دلهما على المطعم ورواده الغرباء، الذين يأكلون الدود ويتلهفون عليه وينساقون قهراً للنادل، كما أرشدهم إلى بيت الدعارة الذى بقى ملجأهما الوحيد ليمارسا فيه عشقهما، شخصية تشعر من خلال زيها وحركتها إلى رمز مركب أتصوره رمزاً للغواية وتذليل العقبات، وهى فى ذات الوقت علامة على إزالة الأقنعة، أو رغبات الإنسان الحقيقية دون أن يكسوها الوعى البشرى بأرديته الثقيلة القاتمة؛ لتحجب إرادة الإنسان الحقيقية دون قيود الوعى والضمير البشرى القمعى. ولقد أجاد الفنان الذى قدمها مع المخرج فى رسم حركتها، وفى اختيار النموذج الإنسانى المتقمص لها.
- كما أن الأسطورة القديمة التى قدمت فى النص "لإيساف ونائلة" وهما الحبيبان اللذان تجرءا على بيت الرب ، ولم يجدا مكاناً غيره يحيا فيه حبهما، فتحجرا على وضع التلاصق والاحتضان وصارا مع الوقت إلاهين، تقدم الأسطورة ضلوع البلاد العربية منذ التاريخ الموغل فى كونها أوطان طاردة للحب وللمحبين، فأوطاننا لم تزل منذ زمن الأساطير لا تحتضن مواطينها ولا تحفل بسعادتهم ، لا تستوعب مشاعرهم، وتضيق بحرياتهم وعطاءاتهم، تخنق سعادتهم فلا يبدعون، وينكفئون على ذواتهم أما بالانسحاب من الحياة إلى الطفولة والأوهام، أو بالموت المادى والمعنوى كمصير البطلين.
- يميل العرض المسرحى بلاد أضيق من الحب إلى روح التجريب ، وإن لم يغرق فيه، فتحدث القطيعة مع المتفرج المصرى أو العربى، فيستهل المخرج عمله بما يشبه عرض الأجواء التى سيدور فيها عمله، فيبدأ بالرقصة التعبيرية للمحبين، ويتلوها أجواء المطاردة التى تبرزها الموسيقى التصويرية المصاحبة لهرولة ومحاولة الهروب والتخفى لكل شخوص العمل.
- ويأتى صوت البومة وعشق "إيفا" لها دلالة على اختيار غرائبى اضطرت له إيفا حين تخيرت أمها لها حياة صارمة فى مدرسة داخلية، بعيدة عن حنان أمها، وافتقاد حوار بينهما، فاستعاضت بالبومة عن أمها وهو اختيار رمزى. دال على وحشية هذا العالم الذى تحياه البطلة.
افتقد العرض إنتاجاً جيداً يثرى المشاهدة، فظهر ذلك واضحاً فى مستوى الأزياء ، ومستوى الديكور المسرحى، كما جاء الصوت غير واضحاً فى بعض المشاهد خاصة التى اعتمدت على الأبيات الشعرية ، وهى فى ظنى مشاهد سابقة التسجيل.
ويبقى العرض المسرحى "بلاد أضيق من الحب" "لسعد الله ونوس" و"طارق الدويرى" عملاً جيداً يستحق الإشادة والتقدير كما أنه يبعث الأمل فى مسرح جاد ومتميز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان