الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة ومرحلة مابعد العولمة

هيبت بافي حلبجة

2013 / 11 / 18
العولمة وتطورات العالم المعاصر


الثورة ومرحلة ما بعد العولمة
هيبت بافي حلبجة
كي لاأثير حفيظة المفكرين الأقتصاديين ، وأصحاب نظريات ( القومية المتشردة) ، وذوي النظريات الأخلاقية ، وزملائهم ذوي المعتقدات الدينية ، أسمي هذه المرحلة الحالية من تاريخ تطور البشرية في عصر العالمية ، بالمرحلة ما بعد العولمة ، وأسميها تحديداُ بمرحلة الأغتراب المستغرق وهو الأغتراب التام والكلي والناجز .
أدرك جيداُ إن منح تسمية لأي مرحلة من مراحل التاريخ هو بحد ذاته مجازفة على كافة الصعد ، سيما وأننا متآلفين مع المعطيات الجامدة ، لكن ثمة تطورات في مستوى وعي الأمر الواقع تقتضي منا إن نلج في ساحة أدراكها ، فالأقتصاد لم يعد علاقة ما بين الطلب أو العرض ، أو مفهوماُ تابعاُ ذليلاُ للرغبة أو للإرادة أو للمزاج العام ، بل أنه تجاوز في حدود كثيرة مفهوم الدعاية التقليدية ، وأستهتر بنيوياُ بمفهوم المستهلك أو الطرف الذي يقايض ، بل أنه يستهزىء حتى من مفهوم الأنتاج وموضوعه ، وكذلك من عملية التسويق وغيرها .
الإقتصاد لم يعد مجالاُ خاصاُ ، أو علماُ مجرداُ ، أو فلسفة وضعية ، أو عمليات تجارية ، أو ألتزامات قانونية أو مصرفية ، بل أنه تخطى حدوده الذاتية الخاصة وقوانين الرأسمالية ، وبات يدرك طبيعة نفسه من خلال المعادلة التالية : تغييرالطبيعة البشرية وأجبارها على أن تفقد ذاتها دون أن تحس أو أن تدرك ، وجعل الإنسان جزءاُ من الإستهلاك نفسه ، بل تحويله إلى أرخص وأسخف عنصر في عملية الإستهلاك أو أكثر تحديداُ في عملية الإقتصاد .
لم يعد الإنسان هو الذي يحدد الأنتاج أو الأستهلاك أو طبيعتهما ، إنما هو الإقتصاد الجديد من يحدد ما يجيش في فؤاده وما يجول في خاطره ، وكإن الإقتصاد لم يعد أقتصاداُ ، إنما هو ( النفسية الإقتصادية ) اي إن الأقتصاد أصبح له نفساُ ، تلك النفس التي تعين قوانينها ، وتفرضها على المجتمع والإنسان دون أن تكترث بالعواقب الوخيمة على الأثنين .
الإقتصاد أصبح مثل الفيزياء الحديثة ، فحيث توجد مساحة بسيطة تافهة محدودة من أطرافها تطبق ( بضم الياء ) عليها قوانين نيوتون ، وحيث نتحدث عن الكون وماورائه تطبق ( بضم الياء ) عليها ( أو فيها ) قوانين آينشتاين ، وحيث تلتغى المساحات والأكوان والحدود تطبق ( بضم الياء ) فيها وليس عليها قوانين ما بعد آينشتاين .
وهكذا فإن الإقتصاد ، الذي يمارس ذاته ، بصورة ما ، من خلال الدرجة الأولى ( قوانين العرض والطلب ، قوانين نيوتون ) ، ويمارس ذاته ، بصورة أكيدة ، من خلال الدرجة الثانية ( قوانين العولمة ، قوانين آينشتاين ) ، قد بدأ في ممارسة ذاته ، بصورة جنينية ، من خلال الدرجة الثالثة ( قوانين ما بعد العولمة أي الأغتراب المستغرق ، قوانين ما بعد آينشتاين ) .
وهذه القوانين قد تستغرق عقدأ أو عقودأ من الزمن إلا إنها لن تتقهقر مطلقاُ ، لإنها ، الآن ، في طريقها إلى أمتصاص الأنسان ، أحتواء الآلة العلمية المتقدمة جداُ ، تخريب الحدود الجغرافية ، أستلاب البعد النفسي في مفهوم القومية وبالتالي تخطيها لمرحلة القوميات كما لو أنها كانت مسيئة ووصمة ، خلق حالة من الأزمة الفكرية وحتى أفراغ الفكر ، تشويه المحتوى الفلسفي كتصور أو كمنهج ، التعمق في دراسة الذرة والخلايا والمورثات والأحماض الأمينية ، منح الكيمياء الحديثة بعداُ يكافىء الفيزياء الحديثة على حساب الرياضيات .
ومن هنا تحديداُ نؤكد إن الإقتصاد سوف يلج في مرحلة مابعد العولمة ، وسوف يتجاوز مرحلة العولمة لأنه ، هذه الأخيرة ، غدت فقيرة في معطياتها وشحيحة في حيثياتها ، ولإنها ، في الأساس ، ماكانت إلا أن تكون مؤقته ، وما عليها إلا أن تذوب وتذوي في مفهوم العالمية كسمة عامة للحالة البشرية وليست كسمة أقتصادية متميزة وخاصة به .
وهكذا نستشف معنى الأغتراب المستغرق الذي ، في هذه المرحلة ، وبفضل الرأسمال المالي ، سيحدد أبعاده خارج أطر المنطق العام ، أو العقل ، أو المعادلات الثابتة ، وسيدنو من مفهوم اللاإنساني ، اللاإقتصادي ، اللامجتمعي ، وستغدو معظم اطروحات سمير أمين ، على أثر ذلك ، في مهب الريح . أي إن هذا الأغتراب المستغرق هو حالة خاصة تولد معادلات وقوانين قادرة على ضبط خواصها وعلى الكشف عن بعض ملامحها الجوهرية ، دون أن تتمكن من أضفاء مفهوم الظاهرة على نفسها .
لكن هذا الإقتصاد الجديد الذي مازال في مرحلة جنينية ، والذي يتسم بتلك الصفات ، يؤثر منذ الآن على محتوى الفكر ، السياسة ، الثورات ، الأقتصاد الدارج ، حالة المجتمع ، ويكاد أن ينقسم إلى ثلاثة أجزاء ، النواة الأصلية ( الإقتصاد الصيني ، الإقتصاد الياباني ، الإقتصاد الألماني ، أقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية ، أقتصاد المملكة المتحدة ) ، ثم النواة الفرعية ( الإقتصاد الروسي ، الإقتصاد الفرنسي ، الإقتصاد البرازيلي ، الأقتصاد الكندي ) ، ثم النواة الطفيلية التي هي على درجات عديدة تنضوي كلها تحت مضمون أسميه ب ( الجارسون المطقم ) والتي لايصدق أن يطلق عليها أسم ( الإقتصاد ) بمعناه الخاص في مرحلة ما بعد العولمة .
ماذا يعني ذلك على صعيد الثورة السورية ؟
أولاُ : إن المجتمعات التي ينتمي أقتصادها إلى ( الجارسون المطقم ) أو ( النواة الطفيلية ) يتعامل أفرادها مع الإقتصاد كورقة للكتابة ، كعملة نقدية ، كشكل ظاهري ، كسلعة تساوي عشرة دولارات ، دون أي أكتراث للمعنى أو للوظيفة أو للسلوك . وهذا ما ينطبق تماماُ على علاقة الأفراد فيما بينهم ، وعلى علاقة الأفراد فيما يخص الثورة التي تعتبر هنا كحدث ، كرحلة ، كشراء قميص .
والعملية هنا لاتتعلق بمجال من المجالات دون غيره ، إنما هي ظاهرة معممة شاملة تختص بالإقتصاد كما تختص بالسلوك العام كما تختص بطبيعة العقل كما تختص بطبيعة التفكير ، أي يمكننا أن نتحدث هنا عن الإقتصاد التفكيري المبتذل ، الإقتصاد العقلي المبتذل ، الإقتصاد السلوكي المبتذل .
لذلك كان من المستحيل ، أو من الصعب للغاية ، أدراك بنيوية الثورة ، أنظروا إلى التناقضات القاتلة ما بين أطراف المعارضة ، أنظروا إلى موقف المجلس الوطني السوري وموقف الإئتلاف وموقف المجلس الوطني الكوردي ، أنظروا إلى ما يحدث في مصر وفي ليبيا وفي تونس .
وبما إن البنية القاعدية لأدراك مضمون الثورة غير متوفرة وغائبة ، تماماُ مثل غياب القاعدة في الإقتصاد البنيوي ، فإن الجهة التي تمثل الثورة تتضارب في السطح وتحصر نشاطها فيه ولاتستطيع أن تعالج القضايا من الجذور أو أن تأخذ موقفاُ ذي منهجية متأصلة ، أي ، كما إن الحركة أو النشاطات الإقتصادية منفصلة عن الإقتصاد ، فإن النشاطات الثورية منفصلة عن الثورة .
وطالما إن المعطيات هي على هذه الشاكلة ، فإننا لانعيش في حالة ثورية إنما نعيش في أعمال ثورية ( سوريا ، مصر ، ليبيا ، تونس ) ، لذلك فإن هذه المجتمعات ، قبل وبعد نجاح الثورة ، تفتقر إلى مفاهيم الثورة وإلى صيرورة العملية الثورية . ومن هنا تحديداُ نجحت تلك الثورات الأربعة من حيث مضمونها الحدثي لكنها لاتستطيع أن تبني العمق الثوري .
ثانياُ : إن المجتمعات التي ينتمي أقتصادها إلى ( النواة الفرعية ) لاتستطيع أن تحدد أو تضبط مفهوم مصالحها الأستراتيجية بصورة مستقلة ، ولاتدرك بعمق معيار الفصل ما بين التكتيكي والأستراتيجي ، لذلك فإن من طبيعة موقفها وبنية تفكيرها تأرجح العنف على العقل أحياناُ ( مثل فرنسا وروسيا ) أو تأرجح العقل على العنف ( مثل البرازيل وكندا ) ، أضافة إلى سيطرة الأتجاه الواحد وعدم قدرة الدولة على الأستفادة من تنوع المواقف ومجال التحرك الواعي فيها ، فروسيا لم تتحرر من سطوة القيصر نيقولا الثاني ، وفرنسا لازالت تحت تأثير ديغول ( والديغولية الجديدة ) ، والبرازيل مازالت أسيرة لفكرة ( أمريكا اللاتينية ) ، وكندا وجدت نفسها دائماُ وأبدا في الصف الخلفي من الولايات المتحدة الأمريكية .
ثالثاُ : إن المجتمعات التي ينتمي أقتصادها إلى ( النواة الأصلية ) تتمتع بثلاثة خصائص فريدة ، الأولى إن كل دولة من هذه الدول لها شخصيتها الإقتصادية المتميزة وشخصيتها الإجتماعية الباطنية ، وتعتمد على أسبابها الخاص في عملية بناء ذاتها مستفيدة من تجربتها التاريخية على المدى الطويل .
الثانية إن هذه الدول لاتكترث بمحتوى التكتيك أطلاقاُ ، إنما تلتزم بما تملي عليها أستراتيجتها ، تلك الأستراتيجية قد تتغير من دولة إلى أخرى لكنها لدى كل دولة تعبر عن ثلاثة اشياء : المزاج الشعبي ، روح التجربة ، البعد الزمني في المستقبل .
الثالثة : سيطرة الإقتصاد على الأيديولوجيا أو بتعبير أدق خضوع الأيديولوجيا للبعد الإقتصادي ، لإنه لاتوجد دولة في هذه المجموعة إلا ولها أستمالة أيديولوجية التي تعين من بعيد مفهوم ومحتوى عملية التفكير ، وهذه الأستمالة تحديداٌ تؤثر في البعد الإقتصادي وتخضع لشروطه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هدم المنازل الفلسطينية وتوسيع المستوطنات.. استراتيجية إسرائي


.. مجدي شطة وا?غانيه ضمن قاي?مة ا?سوء فيديو كليبات ????




.. قتلى واقتحام للبرلمان.. ما أسباب الغضب والاحتجاجات في كينيا؟


.. الجنائية الدولية تدين إسلامياً متشدداً بارتكاب فظائع في تمبك




.. فرنسا.. أتال لبارديلا حول مزدوجي الجنسية: -أنت تقول نعم لتما