الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وثائقية بُروق الحنين .. صفعة أخرى

أيويل لازرو كون

2013 / 11 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


وذي رحم قلمت أظفار ضغنه ... بحلمي عنه وهو ليس له حلم
صبرت على ما كان بيني وبينه ... وما تستوي حرب الأقارب والسلم
ويشتم عرضي في المغيب جاهدا ... وليس له عندي هوان ولا شتم

وجدي كامل: استاذ الاعلام بجامعة الخرطوم سابقاً والحاصل على الدكتوراة في الاخراج، ينضم لقائمة مهندسوا (صفعات الزمن) بفيلمه الوثائقي بُروق الحنين بقناة الجزيرة، وحينها تذكرت مقولته "لماذا يا وطني لا نلتقي في الحقيقة؟"
يبدو أن الأستاذ المخرج وجدي كامل قد جمع الفيلم الوثائقي والروائي في مادة واحدة في خلط غريب لا يقع فيه كبار المخرجين ، بحيث وثّق زيارة د.جون قرنق للخرطوم وحكم على الجمهور الذي أستقبله ب (الوحدويون) وأضاف تمثيل للواقع بعد الإنفصال بقصص عاطفية لفتيات من جنوب السودان مع شبان من شمال السودان مستخفاً بعقول المشاهدين بدموعهن الوهمية، فلم أرى في عمري إنسان حزين "يعصر الغدد التي تخزن دموعه فينشأ ضغط على السائل فتخرج الدمعة جبراً من الغدد" فهذا ليس حزناً ، حتى الممثلون يبرعون في تمثيل البكاء وتبدو أقرب للحقيقة، فكان الأفضل أن يستعين المخرج وجدي كامل بممثلين - مما يفضح فيلمه بدموع وهمية من الأستاذة كدين جيمس والأستاذة إستيلا قايتانو، الّلتان فقدتا (مرح الحياة) بسبب الإنفصال نسبة لبعد المسافة وصعوبة الإجراءات.
ففي وقت يسعد فيه الجنوبيين بإيقاف نزيف الدماء وإنتهاء خمسة عقود من الحروب الطاحنة والتشريد والمعاناة، وفرحتهم بأعلان أستقلال من دولة تعرضوا فيها للاضطهاد والاحتقار، وفي وقت بهجتهم بتحقيق إرادة التحرر والإنتماء لوطن يسع الجميع، في هذا الوقت تظهر دموع الأخت كيدن جيمس لأن حبيبها قال "إتمنيت أن أكون جنوبياً"، ودمعة الأخت أستيلا قاتيانو لدي قراءتها لنص مقالتها الشهيرة "بعد مابقيت أجنبية" التي توضح فيها مدى إمتعاضها من إجراءات مطار الخرطوم.

إذاً وبهذا الدموع الوهمية يتوهّم أستاذنا المخرج بأن هنا في (جنوب السودان) كآبة تأخذ النَّفسَ بسبب البعد عن الوطن ، كآبة تحدثها الحسرةَ على الإنفصال، لذلك إختار إسم بروق الحنين أي بمعنى "لألأة خيار العودة لتوحيد السودان" إن لم أكن مخطئاً.
لا يحتاج المرء علم (الأسطرولوجيا) لأستيعاب دوافع الجنوبيين للتصويت للإنفصال بنسبة يفوق الإمتياز، بل يحتاج لجهد شاق وخلاق وإلهام فني، فإذا كلف المخرج وجدي كامل نفسه لتحقيق ال (كينو برافدا) والعمل وفق مفهوم الفيلم الوثائقي بصورة حيادية، دون تجاهل الإتجاه الواقعي (الفني) في محاولة لإبراز ما يكمن تحت السطح وإلقاء الضوء على الأسباب والمسببات، كنّا الآن نصفق له متوقعين أن يكسب أفضل من (ذهبية مهرجان القاهرة 12) لأرجوحة وزيت، بمعنى إذا تقيد بخصائص وميزات الفيلم الوثائقي والإلتزام بمسار سرد الحقائق بأعتبار أن المادة ذات قيمة ثقافية، لجاوب على أهم سؤال وهو:

- لماذا صوّت الجنوبيين للإنفصال بنسبة 98%، طالما إن الإنفصال يسبب معاناة كيدن وأستيلا وأقوك؟
قد أجاب التقي محمد عثمان على هذا السؤال في تقرير نُشر في سودانايل بعنوان "لماذا صوّتوا للإنفصال" حيث وصف هذا التصويت بفرار السليم من الأجرب، كما وصفه د. محمد جلال بـ "اجراء اقتصاصي تأديبي، وتحقيق للذات الجنوبية التي قدم أكثر ضحايا في تاريخ الحروب الاهلية"، فما بالك عندما ينعتنا المخرج وجدي كامل بتلك الدموع الوهمية!
أحترم مشاعر الفتيات التن ظهرن في الفيلم الوثائقي وأتعاطف معهن، ولكن للأمر بعد إنساني يتجاوز أي علاقة إجتماعية وهنالك مقولة شهيرة للجنوبيين في حالة الدفاع عن أملاكهم وثورتهم وهي " إنشالله آبوي.. أديو طلقة" ، فقد تجدوا الكثير من الإساءات في المواقع الأسفيرية وفي الحياة اليومية في جوبا وتذكرن دائماً ماذا يعني أن تكون حراً وكم يكلفك ذلك.
أما من داخل الفيلم نجد الإجابة على لسان سفير السودان بدولة الجنوب د.مطرف صديق بقوله "لا ننكر إن تعامل السودانيين بعضهم البعض كان فيه نوع من الإستعلاء الزائد".
لم يوضح السفير أيهما يعامل الآخر بهذا الأستعلاء ، ولم يوضح أيهما يعتبر دينه دين الأمة ولغته لغة الكل، حتى أكمل الأستاذ كمال الجزولي الإجابة بقوله " ظللنا نعامل الإنسان الجنوبي كعبد، والنظرة للجنوبيين من أبناء الشمال من الصغر بأن هؤلاء عبيد".
من هنا يبين بأن الموضوع أكبر من العلاقات العاطفية والأجتماعية المتبادلة، فالحظة التي تتسكع فيها كيدين وحبيبها في منتزهات الخرطوم كانت الأجهزة الأمنية تعذب الجنوبيين على بعد شارع منهما، للموضوع أولوية البعد الإنساني في رمبيك وياي وكايا وفشلا، أكثر من البعد الإجتماعي في الخرطوم، من هنا نحكم على الفيلم بال (سئي الإخراج) ويهدف لتغبيش الوعي والتقليل من القيمة التاريخية للحدث، فالقصة لم تبدأ بزيارة د.جون قرنق للخرطوم، وعمرها أكبر من عمر أستيلا وحياتها الزوجية، يتعلق الموضوع بالبحث عن الكرامة وإرادة التحرر بغط النظر إن كان في الإنفصال أو الوحدة أو أي خيار ثالث فالهدف هو الحرية، فالإنفصال لم يكن خياراً بل وسيلة لتحقيق مافقده الجنوبيين منذ الأزل.
يؤسفني قول الجزولي "الإنفصالين يختشوا على دمهم شوية" مازلنا نحترم الأستاذ الجزولي ولكن عليه التفريق مابين (الإنفصاليين والذين صوتوا للإنفصال) ومثل الأستاذ محمد فضل الذي يصف الإنفصال ب "الحماقة الانفعالية" عليه على الأقل أن يشاهد الفيلم الوثائقي كله أولاً قبل أن يمدح المخرج في مقال كبير ويصف فيلمه بـ "اول مبادرة لابراء ذمة اجماع الشعب السوداني" نرجو من السادة إيقاف خدش الحياء والإستخفاف بمشاعر الجنوبيين، أحترمونا أرجوكم.

لأستل منه الضغن حتى استللته ... وقد كان ذا ضغن يضيق به الجرم
رأيت انثلاما بيننا فرقعته ... برفقي وإحيائي وقد يرقع الثلم
وأبرأت غل الصدر منه توسعا ... بحلمي كما يشفى بالأدوية الكلم

ومايدهشني هو نهاية الفيلم عندما روى عن خسارة السودان بالإنفصال لثلث مساحته وثلث مساحة غاباته وأكثر من 85% من إيرادت الميزانية القومية و75% من ثروته النفطية ونسبة كبيرة من مياه النيل، فأترك لكم الإجابة على هذا السؤال:

ما المغزي من إظهار الخسائر الإقتصادية أعلاه في فيلم وثائقي يحمل إسم بُروق الحَنين؟
أي بمعنى آخر، ماذا يلحّ الجنوبيين للسودان؟ وماذا خسروا مقابل حريتهم؟


هذه نكبة في دور الفيلم السوداني في تحقيق السلام الثقافي، فالذين ينتظرون (بروق الحنين) وتحرك الجنوسودانيون للتوحد من جديد ، عليهم أن يعوا بأن الإنفصال " لَمْ يَكُنْ سُلُوُّهُ اخْتِيَاراً" وعليهم أن ينتظروا الحلقة الأخيرة ل (توم آند جيري) قبل بروق الحنين، لمعرفة المسكوت عنه في إنفصال جنوب السودان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض ضغوط عضو مجلس الحرب بيني غانتس لتقديم خطة واضحة


.. ولي العهد السعودي يستقبل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سو




.. جامعة أمريكية تفرض رسائل اعتذار على الطلاب الحراك المؤيد لفل


.. سعيد زياد: الخلافات الداخلية في إسرائيل تعمقها ضربات المقاوم




.. مخيم تضامني مع غزة في حرم جامعة بون الألمانية