الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشاهدات بغدادية _ بغداد بين طوفانين

اسماعيل شاكر الرفاعي

2013 / 11 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


ما الذي يمكن استخلاصه من هذا الضجيج السنوي الذي يتكرر كلما غرقت بغداد ؟

سماء بغداد ملبدة بالكثير من الغيوم : غيوم الارهاب ، غيوم الفساد ، غيوم الميليشيات ، غيوم أزمات الكتل السياسية ، غيوم التصحر ، غيوم عواصف الرمل والتراب ، غيوم الدراسة التي يتخرج فيها تلاميذ الابتدائية من غير معرفة الحروف الهجائية ، غيوم الجريمة المنظمة وغير المنظمة ، غيوم البرلمان الذي لم يمتلك يوماً القدرة الذاتية للتصويت على مشاريع القوانين من غير دفعة خارجية ، غيوم العلاقة بين المركز والاقليم ومع الكثير من المحافظات ، غيوم المدن الغربية التي تتظاهر منذ اشهر . لكن الغيمة الداكنة السوداء ، او غيمة الغيمات ومصيبة المصائب تتمثل بالوعي السياسي السائد ، واعني به هنا : الطريقة التي يتم من خلالها معالجة هذه المشاكل العويصة ، وتلقي المواطن لها . فمن المعروف ان المواطن العراقي حاله حال مواطن الشعوب العربية الاخرى ، وشعوب الامم الافريقية ، وبعض الشعوب الآسيوية والبعض من شعوب امريكا اللاتينية التي مازالت تحبو في مدارج الخروج من ظلام تخلفها ، لا يلتفت كثيراً للبرامج الاقتصادية والسياسية والثقافية لساسته ، ولا لانجازاتهم ، بل هو ينظر اليهم من زاوية العلاقة الطائفية والقبلية والمناطقية ، وهو يفتخر بكون النائب او الوزير يحمل اللقب نفسه اكثر مما يفاخر بانجازات محبوبه السياسي او يفتخر بطريقة تفكيره . وهو مستعد مسبقاً لتصديقه حين يتحول كالعادة الى فارس من فرسان " طواحين الهواء " في الفضائيات وهو يلوك بعض الكلمات الفصيحة . وهذه واحدة من مفارقات تجربة الممارسة السياسية في العراق بعد عام 2013 . فبدلاً من ان تكون المآسي والمصائب والخيبات والكوارث التي يتعرض لها الشعب مناسبة للاقتصاص الفوري من المتلكئين والفاشلين ، يحقق هؤلاء الفاشلون لانفسهم دعاية انتخابية بالمجان من خلال تحولهم في الازمات والكوارث الى نجوم فضائيات يركزون في حواراتهم على تبرئة الذات ، وتصويرها وكأنها تطير باجنحة ملائكة فوق واقع فاسد لم يسهموا يوماً في صناعته . لا أحد من هؤلاء المتحاورين عبر الفضائيات ، او عبر حرب البيانات ، او عبر الخطب العصماء ، يجرأ على قول الحقيقة ، لان الحقيقة تقال في حالة امتلاك الكتل السياسية لشجاعة نقد الذات التي تبدأ بمكاشفة العراقيين بان سبب الغيوم الملبدة بها سماء القطر تعود الى تخلف المسؤول عن العمل بخطة في ادارة الشأن العام . ذلك لان الخطة لا تعني فقط رؤية الطريق الى المستقبل ، انما تعني ايضاً : محاسبة المقصر ، وهو ما لا تسمح به بنية النظام السياسي الذي يقوم على المحاصصة ، فكل كتلة سياسية تصوغ في خطابها الداخلي الى اعضاء التنظيم ، وفي خطابها الى الرأي العام ، تصوغ ممثليها في الدولة بالشكل الذي يجعلهم ضحية لمؤمرات الكتل السياسية الاخرى فيسهل عليها الدفاع عنهم بالظفر والناب ولسان حال كل كتلة سياسية يقول : " انصر اخاك ظالماً اةو مظلوماً " ...يعني غياب العمل بخطة ــ مدروسة وموضوعة من قبل اختصاصيين ــ في عالم اليوم ان المسؤول يتخبط في دياجير الظلام ، وانه لا يعرف الى اين يقود وزارته او محافظته او مؤسسته ... تبدأ الخطة بالاعتمادعلى بيانات احصاء عام شامل للسكان ولممتلكاتهم ولواقعهم المهني والاقتصادي ومستوياتهم الثقافية ، لكي يستطيع المسؤول ان يرى بلاده ، ويتمكن من الاستعانة بالحقائق الاحصائية الموجودة على الارض لتعينه على اتخاذ القرار السليم . هذه الرؤية العامة لواقع البلاد مفقودة تماماً اذ لا يوجد احصاء دوري ، وحين يفتقد المسؤول للحقائق العيانية والملموسة يلجأ الى التخمين ...تعني الخطة في جوهرها التحسب للمستقبل لدرء التحديات المحتملة عن طريق اكتشاف السبل العلمية لمواجهتها ، فمثلاً كان يفترض ان توضع مثل هذه الخطة في شتاء العام الماضي ــ حين غرقت بغداد ــ لتلافي غرق بغداد والمدن الاخرى في شتائنا الجاري . غياب العمل بوضع خطط التحسب للمستقبل هو ما لم يصارح به المسؤول العراقي شعبه ، وبدلاً من ذلك يحول المسؤول ومن ورائه كتلته السياسية : الكوارث التي تصيب شعبه الى دعاية انتخابية ، حين يلجأ الى مبارزة المنافس السياسي في الفضائيات في تاكتيك المقصود منه : تبرئة الذات والقاء المسؤولية على الغريم السياسي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة ايريك سيوتي عضو اليمين الفائز بمقعد البرلمان عن نيس|#عا


.. قراءة عسكرية.. محور نتساريم بين دعم عمليات الاحتلال و تحوله




.. تفعيل المادة 25 قد يعزل بايدن.. وترمب لا يفضل استخدامها ضد خ


.. حملة بايدن تتعرض لضغوطات بعد استقالة مذيعة لاعتمادها أسئلة م




.. البيت الأبيض: المستوطنات الإسرائيلية تقوض عملية السلام والاس