الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منزلنا الريفي ( 19 )

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2013 / 11 / 20
الادب والفن



جدته...

مقبرة ذات شعر أشعث ؛ أشجار قديمة ذات جذور منتصبة في العمق، أي عالم هذا ؟ إنه الخوف يحرس الموتى ؛ الأشجار تحرس كل شيء، أما العروش الشيباء التي تحلق عاليا فهي بمثابة سقف لسجن رهيب ؛ أين أنا يا أنت ؟ و أين أنت يا أنا ؟
قبور متراصة، صمت قاتل، وعلى الضريح مناديل تعبث بها الرياح، بعض منها عمها الذبول، وأخرى بدت ممزقة حزنا على زوار تركوها كأم فقدت ابنها إلى الأبد، في داخل الضريح شموع منطفئة يعمها الوحل، أما الجدار فيظهر على وشك الانهدام . تلك هي مقبرة يحيط بها السدر .
تبدو كالبذرة العجفاء، كالأرض الموات، لا شيء يمت إلى الحياة، وسماء تسكنها شمس كالرماد ؛ ذات يوم كنت تتجول بين الشواهد والأسماء، باحثا عن شجرة الأنساب، وحالما بلقاء الأجداد، وماضي الدوار ؛ كنت تسأل من هذا و ذاك، وكانت جدتك عند عتبة الجواب، لكن ها أنت تهيم دون عنوان، بينما هي سكنت بين اللحد والتراب .

**************
خرجت من اللحد إلى المهد، من الجد إلى العبث، من الماء إلى الوحل، من السحاب إلى المطر، من الوجود إلى العدم .
تحولت إلى ذرة تفيض حرية، وإلى عدم يفيض انسيابية ؛ تنساب المياه نحو اللامعنى، بينما هي تنساب في اللاوجود لتصل إلى الوجود .

*************
مزقت الكفن، وردمت القبر، وقفت مستقيمة تفيض حياة ؛ تراءت لها جموع من الموتى، ومن بين هذه الجموع فقيه يهذي كالكائنات المقعقعة التي ما إن تضغط عليها حتى تصدر صوتا غير نابع من إرادتها ؛ تراءى لها بشر يتطاحنون، ومؤمنون كالأبقار يهيمون نحو دفن الغريزة والحياة .
وصاحت من مكانها :

" أيها الموتى !
أيها المؤمنون !
يا من دفنتموني للتو ؛ إنكم أنتم الموتى ؛ لا أنا ؛ أنا حية بحياة الكون، إنني ذرة من ذراته، أصيكم بالغريزة والحياة، لا التقوى والممات، إنكم بعبادتكم وابتهالاتكم، وبصومكم تنبذون الحياة من أجل اللاحياة ؛ تعتقدون، لكن ليس الاعتقاد هو الحقيقة ؛ تؤمنون، ليس الإيمان هو الحقيقة ؛ الإيمان وهم و أفيون لراحة البال والضمير، أما الحقيقة فهي مرة كالعلقم .
أيها الموتى !
أخرجوا من سجنكم ؛ من موتكم ؛ من نبذكم للحياة ؛ من قتلكم لذواتكم ؛ من سفككم للدماء تحت ذريعة الدين .
أيها الموتى !
لقد عدت إلى الحياة، وما للحياة من معنى إلا في أحضان الطبيعة ؛ الطبيعة الكامنة في ذواتنا، وخارج عن ذواتنا، هيا فلنتجول في تضاريس أجسادنا، ولنطلق العنان لغرائزنا ؛ في أجسادنا تتراءى وديان وحقول وعيون وأنهار .
هيا يا رفاق ! يا رفيقات ! عودوا إلى الطبيعة لتفهموا سر الخلود وسر الحياة " .
وأخذت تراب لحدها، وسارت تدفن جموع المؤمنين، أما أرواحهم الخبيثة، فصارت تتبخر منتقلة إلى كهوف السماء .
بتاريخ :13/11/2013

*************
كلا ...! يا هذا الذي يتجول بين دروب العبث، كنت تسبح في بركة الموت، وفي عالم طاله الخوف والتهديد والوعد، وها أنت تسبح وحيدا متفكرا متأملا، وها أنت تقرأ نبوءة تناشد الحياة .
في مدرستك تلقنت الموت، واستعداء الحياة، وفي صلاتك تعلمت الجبن و الخوف، أما بين أحضان منزلك الريفي طردت المرض والبؤس، وتركته يمتح من عبق الطبيعة، ومن رقصات الطيور .

*************
تبعث صديقتك (...) برسالة إليك : " أحبك يا عمري !! "
أما ما ينبعث من المذياع : " الحب والجمال " .
ولكن ما أحوجنا إلى فلسفة الحياة لتقتل الموت الساكنة في الديار - منزلك الريفي .

واد زم - المغرب / 13-11-2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان وهران للفيلم العربي يكرم المخرج الحاصل على الأوسكار ك


.. محمود حميدة يحمل الوهر الذهبي من مهرجان وهران للفيلم العربي




.. تفاصيل أول زيارة لمصر من الفنان العالمي كامل الباشا?? #معكم_


.. خطبة باللغة العربية.. ما الرسائل التي أراد المرشد الإيراني إ




.. تاريخ كبير للفنان الفلسطيني???? كامل الباشا ?? #معكم_منى_الش