الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشروع الذي سيقرب المسافات

عبدالله المدني

2005 / 6 / 6
العولمة وتطورات العالم المعاصر


(باحث و محاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية)

بقرارها مؤخرا الشروع في حفر قناة "سيتوسامودرام" البحري ابتداء من الشهر المقبل، حسمت الحكومة الهندية موضوعا تأخر حسمه لعقود طويلة و قتل بحثا و دراسة و نقاشا على يد حكومات الهند المستقلة المتتالية منذ عام 1955 ، حينما تبناه رئيس الوزراء وقتذاك جواهر لال نهرو.

وينتظر أن يكتمل العمل في هذا المشروع العملاق بحلول عام 2008 . وقتها لن يتحقق فقط حلم ضابط البحرية في جيش الهند البريطانية القومندان تايلور الذي كان وراء إطلاق فكرة القناة لأول مرة في عام 1860 ، و إنما أيضا أحلام الكثيرين من أبناء الهند الذين لطالما راودتهم الفكرة بسبب فوائدها الاقتصادية الكبيرة و ما يمكن أن تجلبه لهم من ازدهار.

على أن الفوائد المتأتية من وراء المشروع لن تقتصر على الهند وحدها ، وإنما ستنسحب عرضا على دول و شعوب أخرى ، خاصة إذا ما علمنا بأن القناة المزمع حفرها تبدأ من خليج منار في جنوب الهند باتجاه خليج البنغال ، بطول 167 كيلومترا و عرض 300 متر و عمق 14.5 مترا.

لكن ما هي دواعي حفر القناة؟ و ماهي مردوداته تفصيلا؟
بداية لا بد من الإشارة إلى أن المضيق البحري الفاصل ما بين سواحل ولاية تاميل نادو في أقصى جنوب الهند و سواحل سريلانكا الشمالية يتميز بمياه ضحلة لا يصل عمقها إلى أكثر من 11 قدما، مما يحول دون استخدامه من قبل السفن المتوسطة و الكبيرة المتنقلة ما بين ساحلي الهند الغربي و الشرقي أو من قبل تلك المبحرة من موانيء الخليج و بحر العرب باتجاه موانيء شرق الهند و بنغلاديش و ماينمار أو بالعكس لنقل البضائع و الحجاج. و لهذا السبب تضطر تلك السفن للوصول إلى وجهاتها إلى الدوران حول سريلانكا متحملة أعباء إضافية سواء لجهة الزمن أو الوقود. و هكذا فان حفر قناة سيتوسامودرام يعني تقليصا في المسافة المقطوعة بنحو 400 ميل بحري و تقليصا في زمن الرحلات بنحو 36 ساعة ، و بالتالي خفضا في تكاليف النقل الإجمالية.

غير أن هذا ليس وحده المهم بالنسبة للهند. فالمشروع المقدر تكاليفه الأولية بحوالي 600 مليون دولار و الذي ستنجزه و تديره شركة مساهمة جديدة من ابرز مساهميها مؤسسة الموانيء الهندية العامة و عدد من شركات القطاع الخاص ، ينتظر أن ينعش موانيء الهند الجنوبية و يحولها من قرى للصيادين إلى مراكز تجارية و أحواض لإصلاح السفن و تموينها ، وان يجلب للبلاد دخولا إضافية في صورة رسوم العبور. إلى ذلك سيوفر المشروع لسفن سلاح البحرية الهندي قدرة اكبر على تحريك دوريات المراقبة و بالتالي التدخل السريع لمقاومة أو ردع أعمال التهريب و الهجرة غير المشروعة ، لا سيما من قبل ثوار نمور التاميل الذين ينشطون في المنطقة و صار لديهم منذ بعض الوقت جناح بحري تحت اسم "نمور البحر". إذن فللمشروع دوافع أمنية إضافة إلى الفوائد الاقتصادية، رغم أن الأخيرة و باعتراف المسئولين الهنود لن تضاهي الفوائد المتحققة من وراء قناة كقناة السويس مثلا التي يمر عبرها نحو 14 بالمئة من تجارة العالم. وتتضح الصورة أكثر حينما نعلم انه في مقابل 15 ألف سفينة تعبر قناة السويس كمعدل سنوي ، لا ينتظر أن تعبر القناة الجديدة سنويا أكثر من ألفي سفينة.

وككل المشاريع العملاقة المماثلة التي غيرت جغرافية المكان ، فان لقناة سيتوسامودرام أيضا سلبياته التي فجرت في وجهه معارضة قوية من أكثر من جهة. وأول المعترضين بطبيعة الحال هم أنصار البيئة الذين يقامون المشروع بحجة آثاره التدميرية على الكائنات البحرية في احد أكثر المحميات الطبيعية الهندية ثراء بالأسماك و السلاحف والشعب المرجانية التي من بينها فصائل نادرة. ومن الحجج الأخرى لنشطاء البيئة أن المشروع سوف يؤثر سلبا على أنظمة المياه و كمياتها في الأطراف الشمالية الغربية من جزيرة سريلانكا ، فضلا عن تأثيره الضار على حركة التيارات البحرية كنتيجة لازدياد حركة السفن المتوقع في المنطقة. ومن ناحية أخرى يولي هؤلاء أهمية لموضوع كيفية التصرف في نحو 84.5 مليون متر مكعب من الطين و الرمال و المخلفات البحرية المتوقع تجمعها كنتيجة لأعمال الحفر.

إلى ذلك، هناك مقاومة أخرى للمشروع مصدره النقابات المهنية و المنظمات الاجتماعية و المعنية بالأحوال المعيشية لأكثر من نصف مليون مواطن من الصيادين و أصحاب القوارب الصغيرة في 138 قرية على امتداد سواحل ولاية تاميل نادو. فهؤلاء و ملايين أخرى من البشر ممن ترتبط أنشطتهم بطريقة أو بأخرى بالصيد البحري أو بأعمال النقل سوف يتأثرون سلبا بالمشروع لأن مناطق كثيرة من تلك التي اعتادوا على الصيد فيها ستغلق في وجوههم أو ستقلص بها ساعات الصيد. و طبقا لأحد الباحثين الهنود ، فان المشروع يأتي في احد أكثر الأوقات صعوبة في حياة الملايين من سكان هذه الولاية الهندية ، وذلك في إشارة إلى ما خلفته موجة المد البحري المدمرة (التسونامي) في ديسمبر 2004 من مصاعب معيشية و كساد و دمار بيئي. و بطبيعة الحال لم يهمل المعارضون في معرض هجومهم على المشروع الإشارة إلى ما سيفرضه من إخلاء بلدات و قري بأكملها و نقل سكانها إلى مناطق جديدة بكل ما يصاحب العملية من مشاكل اجتماعية و إنسانية. حيث دعا أحدهم رئيس الجمهورية ابوبكر زين العابدين عبدالكلام إلى التدخل شخصيا في الأمر باعتباره ينتمي إلى المنطقة المراد إجلاء سكانها وكان يمارس في إحدى فترات حياته المبكرة مساعدة والده في مهنة نقل المسافرين ما بين الساحلين الهندي و السيلاني على ظهر السفن الشراعية.

أما سريلانكا ، فلا يحتاج المرء إلى كبير عناء لمعرفة أسباب تذمرها من المشروع. فهي حتما ستخسر الكثير في صورة رسوم عبور و مبيعات من جراء تخلى السفن المتجهة من الخليج العربي و بحر العرب إلى خليج البنغال أو العكس عن المرور بميناء كولومبو.

ويقول احد المراقبين أن المستغرب هو التزام جماعة نمور التاميل الصمت عن الآن حيال المشروع ، وكأنما تراهن على نجاح جهود أنصار البيئة و النقابات المهنية في إفشاله، خاصة وان الموقع الالكتروني للحركة الانفصالية يحتوي على بيانات و دراسات كل الجماعات المعارضة لحفر القناة دون أي تعليق مباشر من قيادتها. ويضيف المراقب قائلا أن السبب قد يعود إلى رغبة نمور التاميل في عدم إغضاب إخوتهم في العرق في ولاية تاميل نادو من أولئك الذين يتوقعون خيرا كبيرا من وراء المشروع.

والحال أن الجدل القائم حول المشروع سيستمر و قد يتطور لكن دون رضوخ الحكومة المركزية في نيودلهي أو الحكومة المحلية في مدراس للتراجع لأن ما هو متوقع من فوائد مستقبلية يفوق كثيرا الخسائر الآنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رسالة تعزية من الجزائر بوفاة والدة ملك المغرب، تثير الجدل!!


.. فيديو كليب بوسي والليثي ضمن قاي?مة ا?سوء فيديو كليبات ????




.. الهند: انتشار -مرعب- لكاميرات المراقبة في كل أرجاء البلاد


.. فرنسا: ما الذي سيحدث في اليوم التالي لجولة التشريعيات الثاني




.. إسرائيل تقتل فلسطينيين بغارة جوية في مخيم نور شمس قرب طولكرم