الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النص .. والبنية الابداعية

فيصل قرقطي

2005 / 6 / 6
الادب والفن


النص.. والبنية الإبداعية:
بين ذروة الفقد.. ومدارات الخلود
فيصل قرقطي
كل نص "محكوم" بتساوقه مع بنيته الإبداعية. تلك البنية التي تجسد النص كبنية لغوية ومعرفية وما تتضمنها هاتان الكلمتان من اتساعات عالية في شرط المعرفة ذاتها.
من هنا يتأتى النص على اعتباره بنية جمالية معرفية كلية تفترق وتلتقي فيها شروط الصوغ الإيجابي والمعرفي على السواء.
كل ذلك وعلاقته بذات المبدع، تلك التي تنتقل بين معرفية لغوية وذات حسية، وتجربة إنسانية في آن.
والنص، أيا كان شعرا أم نثرا أم قصة أم رواية، محكوم بمحاورة مسعاه الإنساني ، ضمن السياق التاريخي لوجوده وخلقه، وهو أيضا ينشد الاختلاف، وتفكيك الماثل الحياتي ليعيد محاولات صوغه من جديد. ولكنه لا يفترق عن المصب في النصوص الأخرى، أو تشكيل طبقة جديدة في طبقات النصوص الأخرى، لأن نقادنا قالوا:
"كل نص هو محاورة أو محاكاة لنص، أو نصوص سابقة كتبت".
ولكن كيف يمكن التميز بنصه عما هو موجود؟
هذا هو السؤال الأصعب والأهم، صمن سياقات اللغة، والبنية والمعرفة كبنى ماثلة ومحددة، ولكن تترك لنا باب الاجتهاد مفتوحا على مصراعيه.
على النص أن يذهب عميقا في تشكله اللغوي، في جذور اللغة وإسهاماتها، وتحديثاتها بحيث يتماهى مع العصر ومنطوقه في كل الاتجاهات الحياتية.
وعلى النص أن يبني تشكيله.. وتشكله في النقطة التي لا يلتقي فيها نصان سابقان. وبمعنى آخر عليه أن يقبض عنق الفسحة – الفراغ بين تلاقي النصوص جميعا.
وعلى النص أيضا أن يشكل وينطلق من أرضية وعي جديدة. تكون أرضاَ آمنة للمدلولات والتفسيرات.
وعلى اعتبار أن النص يتشكل من اللغة، فإن هذه الأخيرة لها مساقاتها واختزالاتها الوجودية، بل ومبعثها القيمي والنيوي، ذاك الذي يحدد صفاتها ودلالاتها: بل وإيحاءاتها الصورية والبلاغية والصوتية أيضاً.
إذاً اللغة لم تعد كائناً يتم التعامل معه ببساطة وحسب المزاج، بقدر ما هي أصبحت كائناً حيا مفكرا، إضافة إلى أنها أصبحت موضوعا للعلم، وهي لم تعد تلك الممارسة اللغوية التي تجهل نفسها، بل إنها تحتفظ بقوانينها الخاصة.. هذه القوانين التي يمكن تلخيصها بفكرة فصل اللغة عن المبدع كمعنى وأيديولوجيا.
لأن اللغة هي تلك التي تحاول إعادة صياغة وتشكيل الإنسان "الكائن الحي"، وكذلك الأيديولوجيات" على السواء. لأن المعنى اللغوي، كما يقال، هو سابق للكلام، وهذا المعنى ثابت بمكان ما قد نسميه الوعي، وبإمكان المبدع استحضاره متى أراد، أو شاء.
واللغة كمبدع بكل ترميزاتها وشفراتها الدلالية والإيحائية هي التي تشكل وتبني الجسم الحقيقي للنص، فلا نص من دون بناء لغوي، وكذلك لا بناء لغويا من دون نص، وهنا تكمن إحدى المفارقات الأكثر جاذبية وتعقيدا في الآن، إبان كتابة النص، لأن اللغة، لأن اللغة، تلك التي تبني نصها، تكون قد خلقت شيئا جديدا، يراد له تحليل أكثر شمولاً عن اللغة ذاتها.
من هنا، أعتقد أن البنية الإبداعية ليست مرتبطة بالنص وحده، أو باللغة وحدها، بل إنها مرتبطة أيضا بذات المبدع، إضافة إلى ارتباطاتها بالنص واللغة.
لذلك هي بنية متجاورة الأبعاد ومتعددة الأبعاد كذلك، فهي لا يتم تحليلها، أو الحم عليها، إلا من خلال تضافر جهود جمة في فهم أوليات النص، والبنية اللغوية، والإبداعية للغة بكل إيحاءاتها وإشاراتها، إضافة إلى المخزون الإنساني.. الكوني في ذات الكاتب، الذي يحاول خلق نظام معرفي جديد من خلال نص يعطي حقائق جديدة لحقائق ماضوية، أو يعيد بناء تساوقات، وتناقضات حياتية، على نحو جديد.
من هنا تتبدى البنية المعرفية الإبداعية على اعتبار أنها تشكل الحاضنة الأساسية للنص، أو لنقل أنها أيديولوجيا النص في معرفة الغائب الحالم الذي يسعى إلى التجسد في وعبر اللغة، وكذلك في وعبر النص.
لذلك يسطع النص المبدع على اعتباره منارة ومثالا يحتذى في عمليات الصوغ البنائي والإبداعي على السواء.
وهو أيضا نص يحاور ويجاور، يبني.. ويهدم.. يقدم .. ويؤخر، يشرع وينسف قديماً بالياً، ويمد طاقة اختراق كبيرة للجديد والمؤسس والحتمي.
إذاً يكون هو نص مفتوح الأبعاد على يقينيته.. حضوره وانكشافه للقارئ الذي هو يشكل المرآة الأخرى للنص، أو الوجه الآخر للنص، لأنه القارئ الذي يشكل النص على نحو جديد عبر فهم جديد أيضاً.
وهو نص يكون جديداً ضد السائد والمستهلك والمكرور، فهو يبني ضالته على ركام نصوص تلاقت واخترقت .. لكنها تركت فسحات صغيرة فيما بينها لنصوص جديدة تكتب، أو لم تكتب بعد.
وهو نص يحاور ذاته أولا قبل محاورته القديم والسائد والزمن، لأنه نص يحفل ببنية إبداعية.. فهو يخلق كينونة التفكيك في إطار المشهد المرئي في الواقع، محاولاً صياغة وجوده على نحو متفرد كي يتسنى له التمرد حتى على سؤاله هو.. وبذلك يحقق استمرارية التواصل لوجوده.
ولأنه نص ينبني على بنية إبداعية محفوفة بتجريب لغوي له كل إشكاليات الصوغ والإيحاء والترميز، فإنه يسعى لأن يكون هو.. هو.. بعيدا عن سلطة المؤلف المبدع، لأن النصوص في النهاية حالما تكتب تتمرد علينا، وتصبح جزءاً من حركية وبناء الكون، وبالتالي نفقد السيطرة عليها، لأنها تكون انطلقت إلى غير رجعة أبداً.
صحيح أننا مسؤولون عنها كهوية وانتماء لكنها قد تتعدى ذلك لتثور حتى على هويتها وانتمائها، لأن من صفاتها الأساسية التمرد على نظم وقوانين وجودها.. من هنا نجد أن النصوص دائما لا تلقى أو تقرأ في كثير من الأحيان في زمانها المحدد ومكانها المحدد. فهي ترحل أكثر من اتساع عبر الرؤيا عبر أجنحة العبارات والصوغ اللغوي المبدع إلى ما خلف أسوار الجغرافيا، لتؤسس جغرافيتها الواسعة في المدن والأضاحي والقرى، بعيدا عن كتابها ومبدعيها لتصل ذروة الفقد في نهاية المطاف، أو لتصل مدارات التجسد والتمثل والخلود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي