الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجامعات الخاصة و عملية التصحر العلمي

محمد حمزة

2013 / 11 / 21
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي



لا يمكن نكران أن التعليم الجامعي العمومي أعطى للمغرب أغلب أطره الحالية و ساهم في تحرير البلاد , رغم عدم اندماج هذا التحرير داخل تصور متكامل و اختيارات هادفة و أولويات محددة داخل الزمان و المكان و داخل مجتمع ديمقراطي المؤسسات و الممارسة .
إن الإصلاح القطاعي أو العام هو أولا و قبل كل شيء, يقول الأستاد عبد الله العروي , ثورة ثقافية / سياسية على العقلية المحافظة و على طرق تسييرها و تدبيرها .إذ لا إصلاح بدون إحداث قطيعة مع ماض أضحى يشكل عائقا امام تقدم المغرب و تطوره نحو مجتمع العلم و المواطنة و مغرب الديمقراطية و الحرية و المساواة .
فإذا كان و لا زال الإصلاح ضرورة و طنية من أجل ولوج مجتمع المعرفة لتجاوز تأخرنا التاريخي بالبحث العلمي وجعل الجامعة قاطرة للتنمية و مجالا للتكوين و التأطير الديمقراطي و المواطناتي , فإن الكوابح أساسها الترددات السياسية التي تعيق ربط إصلاح التعليم العالي بالمشروع المجتمعي الحداثي و الديمقراطي العادل و المتضامن .
إن الإصلاح الأخير للتعليم الجامعي أو إصلاح الإصلاح ,الذي سمي ب" البرنامج الاستعجالي " لم يساهم إلا في تعميق الأزمة ,لأنه لم يساءل لا البرامج و لا المضامين و لا شروط التكوين (التي لم تتحسن بالعكس تدهورت) و لا بنيات البحث العلمي (التي لم تتعزز) و لا الهياكل المؤسساتية (التي لم تتدمقرط). فبعد سنوات من التجريب نحن أمام تغيير لنظام الامتحانات و تمديد شكلي للسنة الجامعية . لذلك لم يكن من قبيل المفاجئة أن تحتل الجامعات المغربية مراتب متدنية في تصنيف الجامعات في العالم : الرتبة 5026 عالميا لجامعة القاضي عياض " مراكش" و 31 إفريقيا, و الرتبة 5434 عالميا للمدرسة المحمدية للمهندسين " الرباط" و 37 إفريقيا ,و الرتبة 6053 عالميا لجامعة الأخوين " إفران " و 57 إفريقيا ,و أخيرا الرتبة 7036 عالميا لجامعة محمد الأول بوجدة و 83 إفريقيا .

إن الرهان على التعليم العالي الخاص لحل أزمة التعليم العالي ببلادنا هو رهان فاشل . لان فلسفة الجامعات الخاصة فلسفة سلبية تضر بالمجتمع, إذ تقوم على الربح كهدف رئيسى ولا تخدم إلا الأثرياء فقط وتعمل على تمكينهم من التمتع بامتيازات خاصة مقابل جني الأرباح الطائلة .و إن الهدف الحقيقى من إقامة هذه الجامعات هو التخلص من مبدأ تكافؤ الفرص وذلك بعكس الجامعات الخاصة فى الدول الرأسمالية والتى برغم كونها ملكية خاصة إلا أنها تقدم خدمة عامة للمجتمع ولا تهدف للربح.
التعليم العالي الخاص سيكرس التفاوت الاجتماعي والثقافى داخل بنية المجتمع ويشكل خطرا على فكرة الولاء والانتماء للوطن. فمن المسلم به أن تحقيق السلام الاجتماعي بين أفراد المجتمع يتوقف بدرجة كبيرة على شعور أفراده بأنهم متساوون أمام الفرص المتاحة في المجتمع، وأن التمييز يتم على الأقل بالنسبة للخدمات الأساسية، لا على أساس من الإمكانيات المادية .فمن واجب الدولة إزاء مواطنيها أن توفر لهم الخدمات الأساسية ومن بينها بطبيعة الحال التعليم.


إن بروز ظاهرة التنامي الغير المراقب و غير الموجه لقطاع التعليم العالي الخصوصي ببلادنا يطرح العديد من التساؤلات المشروعة حول جودة و أدوار ووظائف هذا التعليم : ما هي اسباب و مبررات الكلفة الباهضة لبعض انماط هذا التعليم ؟ كيف يتم تحديد برامجه و مناهجه ؟ ما هي آليات المراقبة المعتمدة فيه ؟ ما هي شروط و اوضاع البحث العلمي و الأطر الباحثة فيه ؟ ما هو المصير المهني لخريجيه ؟ ما هي الحاجات الفعلية و المفترضة أو المطلوبة و المتوقعة لشعبه و تخصصاته التكوينية و المهنية ؟ هل يستجيب لطلب تربوي و اجتماعي حقيقي , أم لطلب افتراضي أو وهمي ؟ و بالتالي ما حدود و إمكانات و مصاعب مساهمته في التنمية البشرية و الاجتماعية و تكوين المواطن بشكل عام ؟ .
إن سياسة فتح الباب على مصراعيه للجامعات الخاصة ببلادنا تحت دعوى " عولمة التعليم العالي " يعتبر مدخلا لعملية التصحر المعرفي بتجريف التربة الأكاديمية بالمغرب عبر استغلال الظروف المادية لأغلب أعضاء هيئة التدريس " على شاكلة المدارس الخصوصية في الابتدائي و الثانوي" .فالجامعات الخاصة ستقوم بجذب خبرة الكفاءات العلمية الوطنية , و لا يهم هذه الجامعات الرامية إلى الربح أساسا إلا المرحلة الجامعية الأولى حيث أعداد الطلاب الغفيرة و ضخامة الرسوم التي تحصل منهم , و هو الأمر الذي أحال الخدمة التعليمية إلى عمل تجاري محض هدفه الأول هو تحقيق أقصى عائد استثماري . في ظل هذا الوضع علينا أن لا نتوقع أن تنشغل هذه الجامعات الخاصة بالدراسات العليا و البحث العلمي الجاد , نظراإلى ارتفاع الكلفة و قلة العائد على المدى القصير .
و بتحالف تجريف التربة الأكاديمية من طرف الجامعات الخاصة مع تجفيف المنابع , بفعل هجرة الأدمغة بتنامي حركة العولمة , و ما صاحبها من استبداد شراهة الدول المتقدمة على التهام نخب عقول الدول النامية و مع تصاعد عمليتي التجريف و الاستنزاف , سوف يصيب وباء التصحر المعرفي , إن آجلا أم عاجلا , جامعاتنا و مراكز بحوثنا.
إن المطلوب الآن بعد الوعي بالأزمة و تحليلها تحليلا موضوعيا هو تبني سياسة وطنية ديمقراطية لانقاد التعليم الجامعي العمومي قبل فوات الأوان , وعندها فتصدع البنية الأكاديمية الوطنية لن يجدي علاجه باستيراد الجامعات الخاصة .
إن الجامعات لا تستورد , فهي قبل كل شيء كيان اجتماعي لا يكتب له النمو إلا من خلال الارتباط الوثيق بمجتمعه, و التفاعل الحي مع مشكلاته و تلبية طموحاته .
إن تجاوز تأخرنا التاريخي بواسطة المعرفة و رفع تحديات الثورة المعرفية و التكنولوجية و تحديات العولمة يحتاج إلى جامعة وطنية حيوية و منتجة و إلى وسط جامعي يلعب كل أدواره الأكاديمية بدقة و صرامة , ليقود من جهة إلى انخراط البلاد في الثورة المعرفية الكونية المنشودة و ليمارس من جهة ثانية و ظيفته النبيلة كضمير نقدي للبلاد .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صاروخ باليستي روسي يستهدف ميناء أوديسا


.. ما فاعلية سلاح الصواريخ والهاون التي تستخدمه القسام في قصف م




.. مراسل الجزيرة يرصد آثار القصف الإسرائيلي على منزل في حي الشي


.. خفر السواحل الصيني يطارد سفينة فلبينية في منطقة بحرية متنازع




.. كيف استغل ترمب الاحتجاجات الجامعية الأميركية؟