الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمي لا تحبني ... أمي تكرهني

سهى بطرس قوجا

2013 / 11 / 21
حقوق الاطفال والشبيبة



طفل في العاشرة من عمره حينما لاحظ أمهُ توبخهُ وتصرخ بوجههِ لأنهُ قام بتصرف خاطئ وهو غير مُدرك لهذا أو من وجهة نظره الغير مُكتملة هو صحيح، شعر بحزن وبدأ يرمق والدتهِ بنظرات عتب ومسألات، ثم بدأ يجهش بالبكاء بصوت عالي ويضرب الباب بقبضة يده الصغيرة، كنوع من التمردّ، أنهُ يثور ويعارض ما بدرّ من موقف والدتهِ ولا يقبلهُ! أنهى ضجيجهُ الغير مُنتهي وذهب إلى سريره وأمسك بقلم وكتب في قصاصة ورقية صغيرة خاصتهِ هذه الكلمات:" أمي لا تُحبني ... أمي تكرهني". كتبها لمُجرد ذلك الموقف وتلك الكلمة القاسية المسموعة من والدتهِ. كتبها على ورقة نعم، لكن نقشها في داخلهِ أيضًا للقادم من العمر!
مرتْ السنين وكبرَ الطفل وأصبح شابًا وأقبل على الحياة وبات لهُ وعيهُ الذاتي المستقل، ولكن بنفسية تتصف بإحساس القسوة، كلمة والدتهِ بقيت في داخلهِ وكبرت معهُ وكأنهُ كان مُتعمدًا أن يعيش تلك الحالة العابرة بذلك العقل الطفولي، لم ينسىّ ذلك البكاء في طفولتهِ وقسوة والدتهِ العابرة وتلك الكلمات التي كتبها في ورقتهِ، لم يستطع التخلص منها، بقيت في ذهنهِ وتحضرهُ كلما حاول القيام بشيءٍ ما، أصبح هو نفسهُ يترقب نفسهُ قبل أن يبادر بشيءٍ، أصبح يقيم الحياة ويراها من خلال عدسة ميكروسكوب خاصة به، بمعنى تكون في أعماقهِ نوع من الخوف! ووالدتهِ هي الأخرى في وقتها غضت النظر على تصرفهِ وثورتهِ ولم تُعرهُ اهتمامها واعتبرتهُ كتصرف أي طفل لا يستسيغّ أحيانًا بعض المواقف وسينسى، ولكنها لم تعلم ما تكون بداخلهِ ولم تدرك أنهُ بقيّ يعيش في تلك الدائرة وفي ذلك الخوف الذي لم يكنْ لهُ أي مُبرر سوى كونهُ حالة عابرة، ومنها هي الأقرب إليهِ .. والدتهِ؟!
كما نعلم أن الحياة لا تسير على وتيرة واحدةٍ، دائمًا ما تأخذك مع مدها إلى حيث لا تريد أو ترغب، هذه الحياة التي فيها من الضغوطات أكثر والتي تجعلك تعيش التوقعات أكثر من الاحتمالات، وتعيش الأعباء قبل الراحة، وتتذوق الألم والآهات قبل بسمة صغيرة متولدة عن سعادة عابرة، هي تبقى جميعها في الحياة لحظات تمرّ وربما تفرض نفسها! ولكن طفل صغير لا يفقه من الحياة شيءٍ أكيد سوف تتكون في ذهنهِ صورة مختلفة للحياة، صورة تعتمد ألوانها بالدرجة الأساس على أجواء العائلة والمُقربين لديه من الوالدين، وأدنىّ خطأ أو تصرف في غير محلهِ سوف يكون لهُ وصمةٍ في نفسهِ وسوف يعيشهُ في إحباط وتغبط وخيبات أمل، مرورًا مع الوقت إذا تركت بدون أن تخبوّ أو تنطفئ.
الطفل يولد وهو صفحة بيضاء قد تكون متينة أو رقيقة، قد تتحمل أو لا تتحمل رأس القلم المُدبب وهي تكتب عليه كل ما يحضرها لحظتها، وحسب نفسية كل طفل ومدىّ إدراكهِ واستيعابه للموقف. الحياة والمستقبل بالنسبة لهُ مجهول لا يعرف شيءٍ منهُ وكذلك لا يعرف أنهُ سيتوقع فيه الكثير من الاحتمالات، الكثير من المعاكسات والكثير من الالتزامات بعكس الوالدين الذي لديهم تلك الخبرة المُكتسبة والتي بدورهم يطورونها بخبرتهم مع بعض ويغرسونها في نفوس الأبناء منذ صغرهم، هم قاعدة لقاعدة أخرى مستقبلية أكثر تطورًا وتقدمًا.
وأكيد ليس هنالك أمٌّ تكره أولادها أو من الممكن أن تفكر بهذا، ولكن هذا الخوف عليهم في توقيته الغير مناسب والمُنتسب طبقًا لنفسية الطفل أو في الحالة التي كانت تحضر الأم وقتها بسبب ظروف وضغوطات العمل، هو من يعطي فكرة بهذا عنها في ذهن الأولاد، أنها حالات نفسية يتعرض لها الطفل، ومدى حبهِ لوالدتهِ وتعلقهِ بها تجعلهُ يظن هذا وربما تكون قاعدة لهُ مُستقبلا لتولد المزيد من الاحباطات التي تبرز في حياتهِ المستقبلية ونفسيتهِ وتعاملهِ مع الآخرين، أنها تترك أثارها في صحة عقولهم ومن ثم أجسامهم وتورثهم وهنًا نفسيًا تلوح أثارهُ مُستقبلاً، مما قد يفقده الأمل والثقة بالنفس وبالآخرين وتجعل الحياة في نظرهم باهتة لا تستحق وبلا معنى.
الوالدين في حياة أبنائهم ليس دورهم مُحدد فقط بالأبوة والأمومة، بلْ هم كل شيءٍ وأشياء الأشياء والقادم من الحياة في الحياة، هم ذلك الرائع والأنيق والمصدر واللحظات والنموذج الذي يبقيهم إزاءهِ ناضج الشخصية والدافع إلى الرسالة الحياتية الصائبة والمُتزنة. ونعم أن للوالدين شخصية تختلف الواحد عن الآخر ولكن بوجود الأولاد تتحدّ لتخلق وتكون شخصية تسكب في هذا الكيان الصغير، بالتكامل والبنيان والثقة والرزانة والنجاح ومواجهة الصعاب بكل قوة واقتدار وبدون تردد أو إتكالية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما آخر التطورات بملف التفاوض على صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلا


.. أبرز 3 مسارات لحل أزمة اللاجئين السوريين في لبنان هل تنجح؟




.. جامعة فيرمونت تعلن إلغاء خطاب للسفيرة الأميركية بالأمم المتح


.. مسيرة إسرائيلية توثق عمليات اعتقال وتنكيل بفلسطينيين في مدين




.. لحظة استهداف الاحتلال الإسرائيلي خيام النازحين في رفح بقطاع