الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشارع العربي والثورة ضد بشار : الصورة الناقصة

محمد الشمالي

2013 / 11 / 21
مواضيع وابحاث سياسية



‏ ‏
يميل العرب إلى ربط ثورة الشعب السوري ، عضويا ، بظاهرة البوعزيزي وكثيرا ما يواجهونك بسؤال ‏أقبح من ذنب : أمن أجل هذا المجنون الذي أشعل في جسمه النار بلا سبب تقتلون بعضكم منذ 3 سنوات ؟ ‏‏ .ما عدا هذا التصور المحدود والعبثي للحكم على ثورة شعب ما هي المبررات العاطفية والفكرية التي ‏ساهمت في الفتور الواضح في الموقف العربي من الثورة السورية وتعاطفهم المبطن مع عائلة الأسد ‏؟
‏ بغض النظر عن الأسباب التي دفعت البوعزيزي لإضرام النار في جسمه، فالبوعزيزي لم يكن يوما ‏بطلا قوميا عربيا .والرمزية في عمله لم تكسب تعاطفا واضحا ولم تكن لتلبس يوما لبوس البطولة ‏والتضحية . فهو على كل حال مات كافرا ( فالإنتحار في الإسلام حرام) . العرب ليسوا قادرين على ‏تخليص الرمز من براثن القوة والسلطة وإضفائه على مواطن عادي فقير كي يدخل هذا الأخير التارخ من ‏أوسع أبوابه ...وهذا ليس مستغربا عند الأجيال العربية التي رزحت عقودا طويلة تحت هيمنة الفكر ‏الشمولي الرافض للتعدي على الرمز الذي يتمثل بشخص رئيس الدولة .‏
‏ هذه المغالطات الظرفية والتاريخية لم تكن ( للأسف ) السبب الوحيد لتشويه صورة ثورة سوريا ‏وتجريدها من مقوماتها وأسبابها الحقيقية . ‏
سبب آخر ومهم : الإعلام العربي الذي استغله النظام السوري بذكاء وبحرفية ليعطي للعربي الصورة التي ‏أراد توصيلها عن الثورة . من الطبيعي أن ينفلت لسان الشارع السوري بعد عقود من الضغط سبا وشتما ‏لروح حافظ الأسد ( مدمر حماه وبائع الجولان ) ولكن لم يكن من الحكمة بشيء أن تمتهن المعارضة ‏وإعلامها حرفة السب والهذيان الكلامي على شاشات الفضائيات . الحوارات الكاريكاتورية اليومية ‏أعطت للشارع العربي انطباعا سيئا عن نضوج الوعي السياسي السوري ، وبدت الثورة السورية ‏وكأنها تصفية حساب قديم بين شخص صار في ذمة الله منذ أكثر من عشر سنوات وبين معارضين ‏سياسين استغلوا حادثة البوعزيزي كي ينتقموا لنفسهم ويستردوا سلطة أعتقدوا دوما أنها من حقهم أومن ‏حق من أسيادهم في السنوات الغابرة والتي سرقتها أقلية عسكرية غداة وصول الأسد للسلطة في عا م ‏‏1970 ‏
‏ .‏
‏ التفنن والتكرار المملين في لعن روح حاقظ الأسد والمساجلات العرعورية ـ المنحبكجية على ‏الفضائيات، فهي ( وإن خُيلَ لنا ، للوهلة الأولى ، بأنها عفوية ) لم تكن بريئة دوما وكان يغذيها، على ‏الأرجح ،النظام نفسه و يتماهى معها عن خبث أو عن سذاجة وصوليون وانتهازيون من المعارضة ‏‏.فبالإضافة للتشويه الذي سببته لصورة الثورة فإن هذه السجالات العبثية السوقية ساهمت ببث الحقد ‏والفتنة و تحضير الشارع السوري لمرحلة تالية خطيرة من حياة الثورة ، أي خروجها عن شعبيتها ‏وانجرافها في فيضان الطائفية البغيض .‏

‎ ‎ألم ترفع الثورة منذ بدايتها شعار الحرية ؟ ألم تطالب بالقضاء على الأستبداد والظلم و تغيير الأسلوب ‏في قيادة الدولة كبقية كل ثورة جديرة بهذا لإسم ؟ ‏

لماذا إذا هذا التركيز الإعلامي المستميت والممل على شخصية بشار الأسد وأبيه و أمه العجوز التي لم ‏تكن يوما لا الملكة إليزابيت ولا ماري أنطوانيت ؟ لماذا طفت على سطح الخطاب السياسي مجزرة حماه ‏وقصة " مقايضة الجولان " ؟ ماذا جنت ، فعلا ، الثورة من كل ذلك؟ ألا يمكننا ،والحالة هذه ،التفكير بأن ‏هناك من أرادوا اختصار جرائم وأخطاء الحكم الفاشي البعثى بشخص حافظ الأسد ووريثه بشار ؟ ‏وبالتالي تسويق اعتقاد بأن انتصار الثورة مرهون بإزالة أفراد العائلة الأسدية وإحلال مكانهم " رموز ‏جدد ولدوا بالصدفة في مؤتمرات أنطاليا واستنبول والدوحة أو حتى شخصيات سياسية سورية لم يفصح ‏عن إسمها بعد ...ولم تحمل مصداقية وطنية ؟‏
‏ ‏
‏1ـ الشعب السوري بكل أطيافه فهم واستنتج أن تغيير شخص بآخر لا يحل مشكلته لا سيما إذا كان هذا ‏الشخص الجديد الذي يطمح لقيادة الحراك والتغيير قد تربى وترعرع في حضن البعث وعقليته ‏الإقصائية، الطائفية، الشعبوية التي فُطرت على الهيمنة والفساد والمحسوبية والمناطقية... الشعب ‏السوري حلم كثيرا بالثورة . ليس فقط بعد الثورة التونسية ولكن منذ عقود . حلم السوريون ببلد بلا ‏مخابرات وبلا سجون وبلا قتل وبلا محسوبية وبلا ذل ... حلم السوريون بثورة شعبية لا بتغيير الرموز ‏والواجهات ، عرفوا معنى التضحية بالحياة بالمال و بأغلى ما عندهم من أجل الحرية ورفع الظلم منذ ‏بداية الثورة . هل وصلت هذه الرسالة للشارع العربي ؟ هل استطاعت المعارضة السياسية انتاج هذا ‏النوع من الثوار على في قياداتها ؟‏
‏ ‏
‎ ‎‏2 ـ هناك حقيقة ملحة وأساسية كان على الثورة إيصالها أولا بأول للعالم كافة : هو أنه ليس في سوريا ‏موال و معارض فقط ولكن سوريون يعانون جميعهم من نفس الألم . سوريون تحت السياط . هم أدرى ‏بالمأساة. هم أكثر صدقا ومصدافية كي يكونوا سفرائها وإيصال صوتها للعالم . هؤلاء ، هم الضحايا و ‏الأبطال من رجال وتساء. إنهم كثيرون ، إنهم كل الشعب، بلا استثناء : إنهم في المعتقلات والشوارع ‏وخلف الستائر الترابية ، في المخيمات ...إنهم كل سوري سئم وعانى بسبب غباء وصلف واستبداد أقلية ‏سياسية تحاول يائسة الحفاظ على سلطة ليست من حقها وقيادة مركب تائه . لماذا خُنق هذا الصوت ؟ ‏لماذا تلاشى هذا الصوت وحلت محله أبواق شوهت الثورة في العالم ؟ ‏

‏3 ـ " الشعب يريد إسقاط النظام " : عائلة الأسد ليست النظام بل أحد مفرزاته الخبيثة . فعبارة " النظام ‏الأسدي " التي يسوقها الإعلام المعارض يراد منها إيهام السوريين بأن النظام الذي يريد الشعب إسقاطه ‏هو حصرا منفذوا انقلاب " الحركة التصحيحية" التي قادها الرئيس السوري السابق حافظ الأسد في 16 ‏تشرين ثاني 1970 . وهل النظام السوري الحالي غير هذه الركائز السياسة والأمنية والإقتصادية ‏والحقوقية والفكرية التي تأسست في 8 آذار 1963 . قانون الطوارىء ، سيطرة الحزب الواحد على ‏الدولة ، مصادرة الحريات ، تلوين الجيش السوري بلون طائفي وعقائدي ، ضياع الجولان ...كل هذه ‏المظاهر المدمرة للمجتمع السوري بدأت مع ولادة البعث الحاكم ، البعث الإقصائي ، البعث القومجي ، ‏البعث الفاشي ، بعث المغاوير ، بعث الأجهزة الأمنية ،بعث اللجان العمالية ، بعث كوهين ، بعث ‏الإغتيالات ، بعث قصف حماة عام 1964 .‏

‏ 4 ـ انطباع عام سيطر على ذهنية العالم العربي وهو أن بشار هو جوهر المشكلة السورية . لم تستطع ‏المعارضة السورية ( لأسباب عديدة ) إخراج الرؤية الدولية والعربية عن هذا الإطار الضيق الذي( عقليا) ‏‏ لا يبرر ثورة شعب ولا تدمير بلد ولا مئات الألوف من الضحايا . العقل يرفض هكذا تصور وهكذا ‏مبررات . وبالتالي فقدت الثورة السورية كثيرا من شرعيتها ومن مبررات قيامها بنظر العالم الذي يقول : ‏وماذا يعني أن تضع رجلا مكان رجل آخر ؟ فهل الرجل الآخر سيكون معصوما عن الخطأ ؟
‏ كان واجبا على الثورة السورية ليس فقط إدانة بشار الأسد بل ادانة كل المؤسسات التي انتجته إنسانيا ‏ونفسيا وأخلاقيا . كان على الثورة إدانة خمسة عقود سوداء من تاريخ سوريا البعث التي انتجت أجيالا ‏كاملة مثل بشار . فالثورة بمعناها اللغوي والسياسي والتاريخي لا تقبل الترقيع وأنصاف الحلول ‏والتنازلات . تنازلت المعارضة السورية عن أغلب مطالبها الأساسية ووضعت يدها بيد أغلب من ‏انسلخوا ( لغايات سياسية ) عن جسم النظام وفروا للخارج ولكنها بقيت مصرة على تنحي الأسد . لم ‏تستطع الثورة إدانة مرحلة كاملة كون أغلب من انضموا إليها هم نفسهم نتاج هذه المرحلة البعثية من ‏تاريخ سوريا . وهنا فقدت الثورة السورية رصيدا هاما من شرعيتها ومصداقية مطالبها وانسجامها مع ‏العقل و مفهوم التحررمن الإستبداد . كان على الثورة السورية المتمثلة بحراكها الداخلي رفض السير ‏وراء كل سوري ساهم مباشرة في وصول سوريا للحالة الراهنة من التفسخ وذلك منذ وصول البعث ‏للسلطة . كان لزاما على كل من ساهم في بناء دولة البعث الفاسدة سياسيا و فكريا ومجتمعيا الاعتذار ‏للشعب السوري وترك الطريق حرا أمام هؤلاء الذين نزلوا للشارع للمطالبة بحقوقهم في الكرامة ‏والحرية والمساواة . ‏

الشارع العربي، في موقفه من الثورة السورية هو نتاج تفاعلات عصفت في العالم العربي في العقد ‏الماضي : السودان والعراق . صدمة العرب بإعدام صدام حسين رئيس دولة العراق السابق كانت قوية ‏ودخول المعارضة العراقية اللاوطنية على دبابات بوش كانت أقسى وأكبرعلى العرب و على اليسار ‏الأوروبي من كل المراهنات . ولكن ما أقسى مفارقات ا لتاريخ : هل صدام حسين أنقذ بشار من السقوط ‏‏ ؟ رغم كل ما كان لعائلة الأسد من دور كبير في وصول صدام لحبل المشنقة ...المستقبل ينفي أو ‏يؤكد...وإن غدا لناظره قريب.... ‏
‏ ‏‎ ‎








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير من إدارة الطيران الأميركية بسبب -عيب كارثي- في 300 طائ


.. استشهاد 6 فلسطينيين بينهم طفلتان إثر قصف إسرائيلي على منطقة




.. كيف سيكون رد الفعل الإسرائيلي على إعلان القسام أسر جنود في ج


.. قوات الاحتلال تعتقل طفلين من باب الساهرة بالقدس المحتلة




.. شاهد: الأمواج العاتية تُحدث أضراراً بسفن للبحرية الأمريكية ت