الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرحية -حفلة عيد الميلاد- بعد خمسة وخمسين عاما

سعدي عبد اللطيف

2013 / 11 / 21
الادب والفن



عرض ليرك ثيتر في لندن مسرحية "حفلة عيد الميلاد" لمؤلفها هارولد بنتر الحائز على جائزة نوبل والتي واجهت في عرضها الأول عام 1958، هجوما ساحقا من النقاد ادى الى ايقاف عرضها. وقام المخرج ديفيد فار بتقديم المسرحية على نفس المسرح كنوع من رد الاعتبار اليها باعتبارها عملا دراميا جديدا وسعى الى اعادة اقتناص شيء ما من الصدمة الاولى التي احدثتها وليس تقديمها على اعتبارها مسرحية كلاسيكية جديرة بالاعجاب.

ادى جستسن سالنجر دور ستانلي المختبئ في بيت متواضع يقع على ساحل البحر كرمز للفنان المضطهد الذي يجبر على الامتثال للتقاليد البرجوازية. ولكن ستانلي الذي اشاع الخوف في صاحبة البيت ميك، والتي ادت دورها الفنانة الكبيرة شيلا هانكوك اعلن مقاومته الشرسة لمضطهديه الذين اقتحما بيته وعرضوه لأقسى انواع الاضطهاد. وبلغت المسرحية الذروة عندما توضح ان الرجلين الشريرين كولدبرغ، مثل دوره نيكولاس وودسن، الذي يمثل الجوانب البطريركية لليهودية الأرثوذكسية ومكان، مثل دوره هلويد هجنسن، الذي يمثل الكاثولكية المستبدة هما رمزان يعبران، بطريقة كافكوية متميزة، عن اسقاطات لذنوبه الماضية وان عليه ان يخوض معركته الحقيقية مع شياطينه ذاتها.

وتبقى المسرحية حتى النهاية عصية على التعريف الكامل لأن المخرج فار امسك بمزيجها المتمثل بالواقعية والصور البصرية التي تثيرها اوهام الكابوس اضافة الى مشاهد كوميدية مثيرة للأعصاب تتركنا غير متأكدين عما يجري امام اعيننا: الأضطهاد الفطري للفنان الغريب ام صيرورة تشيئ احساس البطل بالذنب.

كاد فشل المسرحية الاول يؤدي الى تخلي بنتر عن الكتابة المسرحية والتفرغ لكتابة الرواية والشعر. لكن ما الذي جعل النقاد، حينها، يقفون موقفا عدائيا حادا تجاهها؟ وكيف اثبتت هذه المسرحية اصالتها بعد مرور كل هذه السنين؟. قد يتمكن احد ما عبر الاجابة على هذين السؤالين من اكتشاف شيء ما عن العلاقة المضطربة بين الناقد والفنان والروافد الشاحنة للمجتمع الحديث.

استقبلت المسرحية عند عروضها السابقة في مدينتي كامبردج واكسفورد بترحاب حماسي من طلبة الجامعات والنقاد المتعاطفين حتى انهم وضعوها بمصاف اعمال ارنست همنغواي وتي. أس. أليوت حيث وصفت بانها " رائعة، محيرة وغريبة – مثل اعمال كافكا تقريبا توابلها الفكاهة " الى ان قدمت على ليرك ثيتر وكادت تؤدي الى تدمير مهنة بنتر المسرحية وما انقذ بنتر زوجته المؤمنة بموهبته وناقد صاحب رؤيا وصديق متعاطف والبرنامج الثالث في محطة البي بي سي. لاتبدو المسرحية، اليوم تعكس اي شيئ غريب حول حبكتها ولكن في عالم بنتر الغامض بثراء فان هذين الرجلين المضطهدين هم ذاتهما ضحيتان لقوى اكبر منهما.

عندما عرض ليرك ثيتر المسرحية لمدة ستة ايام فقط عام 1958 كان رد فعل النقاد هستريا وتظهر كتاباتهم غضبا محيرا لأن بنتر لم يحاول ان يفسر ما يريد قوله. من هو ستانلي؟ ماذا يمثل كولدبيرغ ومكان؟ وما هي "المنظمة " الغامضة التي ينتميان اليها. ويخبرنا الالحاح على هذه الأسئلة الكثير حول الحالة الثقافية السائدة في نهاية الخمسينات والتي كانت تتوقع من الاعمال الفنية توفير اجوبة عقلانية على اسئلة محددة بوضوح وعلى حلول للمسائل الاجتماعية والفنية.

وبرغم اعتقاد البعض ان المسرح البيريطاني قد تم تثويره على يدي بيكيت في مسرحيته "في انتظار غودو" و اوزبورن في "انظر الى الوراء بغضب" لكن هذا الاعتقاد استحال الى خرافة مريحة لأن العديد من الاشكال القديمة والعادات بقيت دون مساس. واحتاج المجتمع البريطاني الى 50 عاما ليتعرف على الاتجاهات السياسية لبنتر وظهور جمهور يميل، الان، الى دراما تتحاشى الحلول السردية وحلول وعي يفضح بسرعة تقنيات الاضطهاد كما دلت عليه احداث غوانتانامو وابو غريب.

وتدلنا ردود الافعال على العروض الاولى للمسرحية ان الفنان الرؤيوي يتقدم دائما بمسافة واسعة على النقاد وعلى الجمهور الى حد ما. هذا ما برهنت عليه المسرحيات التي قدمت بعد الحرب العالمية الثانية مثل مسرحية يوم القديس لجون وايتنك عام 1954، في انتظار غودو عام 1955، حفلة عيد الميلاد عام 1958، رقصة العريف ميوزكريف لجون آردن عام 1959 و المنقذ لأدوارد بوند عام 1965.

وقال ديفيد فار المخرج الحالي لحفلة عيد الميلاد ان بنتر " يمزج الحداثة الوجودية مع الواقعية البريطانية وبراغماتيتها ". وهذا هو السر الحقيقي لديمومتها: ان احداثها تقع في بيت على البحر لكنها تفتح الباب امام تاريخ اوربا.

ويقدم بنتر سببين احدهما سياسي والآخر شخصي لصمود مسرحية حفلة عيد الميلاد امام تقادم الزمن قائلا: " ان اقتحام رجلين بيت احد ما وبث الرعب في صاحب الدار غدا امرا حقيقيا يوما بعد آخر في حيواتنا. يحدث ذلك على الدوام ويحدث ، الآن، اكثر مما كان يحدث البارحة ولربما هذا سبب العمر الطويل للمسرحية. فهي ليست فنطازيا، انها تتحدث عن امر يغدو حقيقيا يوما بعد آخر". وما مر به من تجارب شخصية قبل عشر سنوات من كتابته هذه المسرحية كادت تودي به الى السجن عدة مرات كانت لها آثارها على حبكة المسرحية.

----------
* سعدي عبد اللطيف: اديب عراقي مقيم في المملكة المتحدة واستاذ سابق للادب الانكليزي في العراق والجزائر. ترجم ونشر عشرات النصوص الفلسفية والشعرية والوثائق السياسية الى جانب ما له من دراسات ومحاولات في النقد الادبي المعاصر والفن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة