الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صعاليك في زمن النبلاء

محسن لفته الجنابي
كاتب عراقي مستقل

(Mohsen Aljanaby)

2013 / 11 / 22
كتابات ساخرة


اليوم عرس عباس , هكذا ورد الخبر المقتضب وكأنه عيد مجاني أتى من السماء , الأستعداد بدأ مبكرا منذ أيام , كل تدبر أمره بشراء قميص من حافظ القاضي وتأجير القاط من أبو جمال لأتمام الكخشة التي تليق بنا , أحنا أهل الكرخ مشهورين بالهمبلة والنضخ , قالها قدوري وهو يتحنبط بالقاط , يجب أن نكون مميزين , مناسبة هي الأكبر حجما من كل الأعياد , حتى أتى الخميس الذي ننتظر ,والسؤال الأكثر تداولا : من سيحيي الحفلة , فرج , عبادي , مدلل عامر أم شدّة مال كلاوات , الوقت الى هناك ساعة ونصف , وهي مسافة الطريق بين علاوي الحلة و الثورة داخل , ماظل وقت , نادى كرومي من خلف الباب , بأمكان المريء أن يستعيد كل الأحداث ليصل الى الخبر المعلن أعلاه , عباس والنعم منّه أخو أخيته صديق وشقيق وكولشي وكلاشي لانعرف بالضبط متى عرفناه كأننا أخوة من زمان , في ملعب الشعب أم الباب الشرقي أم ساحة الطيران , نستغني عن كل ذلك بكلمة واحدة وهي أنه (صاحبنا) فهي تكفي لكل مانبحثه في تاريخه المليء بالحسرات , فهو يتيم الأبوين كما أغلبنا ,صورة منّا نحن صعاليك بغداد , عاش في بيت عمه , يسكن معهم لمجرد أن يكون له عنوان , ترك المدرسة مضطرا ليشتغل في الـ (العمالة) حتى دعيت مواليده ولم تمر سوى أربعة شهور على لبسه العسكريّة حتى صار معاق بعد أن بترت رجله في هجوم البسيتين , وبعدها أفتتح محلا للبايسكلات للتصليح ثم الكراء , لاننسى وقفاته معنا حين كان يفرحنا وهو يكرينا دراجاته الجديدة الملونة بأسعار أخت البلاش كلما تيّسر لنا الوقت في العبور من ذاك الصوب لننعم بأجمل فسحة نجوب بها نصف بغداد , ركبنا مرتين حتى وصلنا المكان , هناك من سبقنا والبعض أنضم ألينا فيما نحن متوجهين للعرس زاد عددنا من ثلاثة ليكون أكثر من العشرين حين اوشكنا الوصول الى الباب , الوادم تمشي ويانا ؟ حقهم يردون يكشخون , وصلنا فهتف قدوري :
عرس عباس هيل وطش بالولايه ... ردد خلفه الجميع مع حركات مختلفة بحسب ثقل فاعليها تخللتها القبلات والتربيتات و الأحضان
أشترى غرفة (الأخشاب) من الصالحية بستميت دينار, أستلم سيارة كرونا معوقين آخر موديل, يعني عريس كامل المواصفات
كان فرحا مبتهجا وحين مازحناه بأنه الأزكَن و الأوفر حظا أجاب وهو يرفع ماتبقى من ساقه المبتورة :
الناس تجيب الرزق بذراعها وآني جبت رزقي بكراعي هاي ... صلوات ردد الحضور بالأجماع
طلب منا أن نلتزم الأدب فهناك بين الحضور إقارب وأغراب وقسم منهم يقربون لأهل العروسة , مو تطلعون من طوركم و تاليها تصير عركة وتخرب الحفلة , لخاطري عوفوا الميانه الزفرة وخلوا عدكم شوية أخلاق
بدأ الحفل مع صفار الشمس , السكمليات رصفت في الزقاق والحضور في تزايد والسماعات تصدر أصوات (ألو .. ألو ) مع صريج يخدش الطبلات , وعلى حين غرّه ضج الشارع بأكمله بالهتاف والضجيج , فقد وصلت الفرقة , النساء تنظر بحياء من فوق السطوح , كل فرد يسأل صاحبه : منو ذول ؟
حتى أعتلى أحد أفرادها طاولة أعدت مسبقا وهو يحمل بيده مايكرفون و صاح :
الفرقة الشعبية , مع المطرب كاظم العراقي و عازف الأيقاع جلاوي الأسود و أسماء كثيرة أستمر في تعدادها حتى أعلن بدء الأحتفال
صوته عذب فيه بحة سومرية هذا المطرب كاظم , أذهل الحضور , عمي فرقة أصلية مو شلون مكان , وأسترسل فقال:
أيّست ماتنراد خوتنا هايه
أمفزع الشمات رافعلي رايه
ولك تعبي وياك بس خله أعلى بالك
مع أطوار رهيبة جعلت الناس تطرب حتى منتصف الليل لتنتهي الوصلات بهوسة روتينية صدح بها الجميع وكأنهم يعلنون الولاء التام للعريس ليسمعه كل أهالي المنطقة والجيران :
أحنا لكل صاحب وفّايه .. أحنا لكل صاحب وفّايه
الفرقة في حقيقتها ليست فرقة بالمعنى الدقيق بل هي (شدة) من أصدقاء يعرفهم عباس , فهو معروف في كل الطبقات , السحيقة طبعا , تلك التي يتواصل أهلها بالأرواح , بقيت في الذاكرة لم تؤثر فيها كل ماشهدنا بعدها من حفلات سواء في التلفزيون أو في الخميسات التي تجمعنا دوريا في ملهى لوكال والأجراس وحتى بار ريزان , حدثت أمور جسيمة تركت بصمات على قلوبنا , فالمطرب كاظم العراقي أستشهد في هجوم الخفاجية وحضرنا فاتحته , بعدها أنتقلنا من طبقة المسحوقين الى طبقة النبلاء , لكن الشيء الوحيد الذي لم يتغير هو أننا الثلاثة ومعنا عباس لم نزل في داخلنا صعاليك مستهترين بالحياة , شعور لذيذ يتواردنا كلما ألتقينا في محل عمل صاحبنا عباس في ساحة اللقاء نستعيد به كل مافقدنا من حولنا من طيبة ونكران و نقاء ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نقيب المهن التمثيلية يكشف حقيقة شائعة وفاة الفنان حمدى حافظ


.. باراك أوباما يمسك بيد جو بايدن ويقوده خارج المسرح




.. حوار من المسافة صفر | المسرحية والأكاديمية عليّة الخاليدي |


.. قصيدة الشاعر العقيد مشعل الحارثي أمام ولي العهد السعودي في ح




.. لأي عملاق يحلم عبدالله رويشد بالغناء ؟