الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلكلورية التراث التشكيلي المرتبط بوجودية فنية

ضحى عبدالرؤوف المل

2013 / 11 / 22
الادب والفن


فلكلورية التراث التشكيلي المرتبط بوجودية فنية
تنسج " بثينة ملحم" من الخيوط ألوانها المتحررة التي تجعل من القماش أرضية ثابتة. لتنمو مخيلتها ضمن ثوابتها الوطنية المتعلقة بخيط داخل ثوب فلسطيني . يشهد على فلكلورية التراث التشكيلي المرتبط بوجودية فنية، لشعب يعاني من الاضطهاد. اذا ان الخيط يعانق الابرة كما يعانق اللون ريشة تبحث عن ذاتية متمسكة بكل تفاصيلها الفنية التي تؤكد على متانة خريطة تمثل السكن برمزية ثوب او كوفية او اكمام ذات تطريزات قديمة، تجعلنا نتساءل عن ماهية الثوب وارتباطه بوجودية وطن متناحر عليه ؟ فهل يمكن تأكيد هوية الفن التشكيلي من خلال اعمال ابداعية تقترن بمبادىء الفن التشكيلي من حيث المعنى والمضمون والاسلوب . انما هنا من خلال الخيط والوانه؟.
عمق تخيلي ترميزي تفرضه الفنانة " بثينة ملحم" على لوحاتها الابداعية، وما يلفها من غموض البداية والنهاية حيث الخيوط النافرة او الخيط الذي لا نهاية له، وكانها تشير إلى طريق لن ينتهي سيقود حتما إلى تأليف خارطة مسير. محاولة زرع الامل من خلال قطع قماش تطرز عليها بخيوطها التقليدية معالما جديدة ذات رمزية تؤكد من خلالها على تمسكها بكل نسيج تحيك منه رؤيتها الفنية، المتعلقة بالمرأة ، والارض والجسد ، وترابية تخيلية منحتها للثوب الممزوج بخيوط كوفية نفشت خيوطها داخل الثوب او قطعة قماش ممدودة على مساحات محدودة. لكنها غير متناهية من حيث الفكرة المفتوحة نحو كل الاتجاهات، والمسارات التي تتركها لفراغ تخيلي. يعيدنا في كل مرة نجدد رؤية اعمالها الى البحث عن البداية والنهاية في اعمالها الابداعية.
تتسم اعمال الفنانة " بثينة ملحم " بتضاد يؤكد على جوانب حياتية مشابهة . لخريطة وطنها فلسطين ، فتصويراتها التطريزية تمنح الثوب هوية خيط نراه في كل تراثيات الثوب الفلسطيني او الكوفية، وحتى الكلمات التي تنثرها على الاثواب هي اظهار قوة الكبت الموجودة داخل نفس كل فلسطيني يرفض الواقع الاحتلالي لوطنه ، ويحلم بالطمأنينة والسلام. ليحيا في بلاده متناغما مع ترابه . مما ينعكس على لغتها التعبيرية وفواتح الوانها المشرقة، وكأنها تنادي بالأمل رغم تمزق الثوب حينا، وتماسكه أحيانا، فهي تجعل من القماش وطنا له ملامح التعرية. ليسكن الخيط جوانبه ويؤلف تاريخا جديدا له تصويراته الجمالية .
دقة وأناة لا تخلو من وخز يحتاج لصبر فني. يؤدي الى انتاج الافكار الهادئة التي تمثل الاصرار والتأكيد على الهوية التراثية، لثوب تمزق، ولكن بقى صورة لوطن عانى من الويلات، وفي كل مرة يعاود الظهور. ليمنح الارض صفة البقاء، والشعب قوة الاستمرار . كما تبقى لوحاتها تشهد على متانة النسيج، وجمال التطريز الموحي بارادة المرأة الفلسطينية وحبها لذاتها، ولوطنها ، ، ولارضها ولجمال ينبعث من قدراتها على التمسك بارادتها الوطنية، فالاعمال اليدوية التي اشتهرت فيها الجدات في فلسطين تعيد اليها " بثينة ملحم" جمالية تشكيلية تنافس فيها كل عنف قد مارسه الاحتلال الغير قادر على سلب الجمال من المرأة الفلسطينية، المحافظة على تاريخها وتمسكها بثوبها وعلمها ، وارضها وكوفية استشهادي حي في وطن يصارع الشر.
تنتمي اعمالها الابداعية الى اتجاهات فكرية وطنية، تحقق من خلالها وجوداً فنيا سيميائيا له ايحاءاته ودلالاته، وجمالياته التي تقود البصر الى عمق رؤيتها المتصلة بعروبتها الشرقية، فالالوان الحادة كالاحمر، والاسود تتناقض مع الالوان الفاتحة التي تقترب من الابيض المعتق او المصفر بدرجات خفيفة، وكأنه ذلك الجسد القديم والمتجدد مع الاجيال الحالية، والمستقبلية، والمتطور فنيا من حيث التطريزات المعاصرة ، والخيوط العبثية التي تؤلف كثافة في زوايا ضيقة. لتبقى الزوايا الأخرى فارغة، وكأنها تؤكد على اتساع الخارطة العربية الفلسطينية ، وجمال رؤيتها من خلال قطع النسيج المجعلكة، وكأنها مطوية منذ زمن اختبأت فيه هذه الرسوم التراثية داخل كل ثوب احتفظت فيه امرأة أو طفل أو رجل في ذاكرته بهوية فلسطينية ما زال يرى فيها الماضي المتعلق بالحاضر، وبمستقبل مزهر مشرق يتحقق فيه النصر من خلال المفاهيم الثقافية والفنية المتمسكة بأصولها العريقة.
نسج ، قص، لصق، كتابة بخط اليد، تأليف اثواب ممزوجة بالقديم والجديد، مسمبات لا تقود المتأمل اعمالها الا الى الغوص في تفاصيل العمل الفني ، وجماليته الرمزية التي تؤكد على الحضور الفلسطيني في كل المجالات الحياتية المختلفة، والابداعات الفنية بمختلف مستوياتها، ورمزيتها المرنة في ادراك كل ما هو غير مألوف. لجعله صورة فنية تترجم قدرات شعب ما زال يحاول تحقيق ذاته بشتى المجالات الادراكية الفعلية الكامنة في الافكار الابداعية التي تترك بصماتها من خلال الفن كالشعر، والرسم، والقصة، والرواية، وما الى ذلك .
تحاول " بثينة ملحم " تعديل الرؤية المستقبلية بمنحها قدرة المزج بين الماضي والمستقبل الفني معتبرة الثوب والكوفية بداية للفن الابداعي الفلسطيني من الماضي وحتى الآن وصولا للمستقبل، وما يحمله من تحديات وجودية تجعل الفن في صراع له تصورات، وتحديات فكرية تتوازن من خلالها قدرات شعب على تحديد مصيره ، فمنذ اللباس الاول للانسان ولد مفهوم الفن ليصبح لكل مجتمع او لكل وطن تراثه وفلكلوره وهويته الانتمائية التي يستمد منها قدرته التأملية . ليحقق الجمال الداخلي قبل الخارجي معتمدا على الابداع العقلي في كل عمل يتخذ صفة الهوية الذاتية او الوطنية
الاعمال الابداعية للفنانة بثينة ملحم من مجموعة متحف فرحات
بقلم ضحى عبدالرؤوف المل
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث