الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القوافي والكلمات تليق بكَ أيها العم نوري سواري

محمد سليم سواري

2013 / 11 / 22
الادب والفن


إلى روح عمى المرحوم

كم هو صعب بعد أكثر من أربعين سنة من رحلتي مع الكلمات والقوافي أن تخونني وتضيع مني الكلمات وأن تهرب القوامي مني وتختفي في مناسبة وأنا أستنجد بالكلمات والقوافي لتكون لي المعين لأعبر من خلالها عن حبي ومودتي ووفائي وصدق مشاعري لإنسان كان ديدنه الحب والتسامح ونهجه المودة والنصيحة وغايته الكرم والوفاء ، كم كنتُ أفكر ومنذ سنوات وأخشى وأتهيب من مجيء هذه اللحظة ، لحظة وداعكِ لنا ورحيلكَ الأبدي عنا أيها العم الغالي ( نوري ) وأحسب لها مع نفسي ألف حساب وحساب ، كلما كان يرحل ويغيب وجه كبير من وجوه العائلة والعشيرة كان لنا عزاء بمن سيخلفه في تحمل مسؤولية الأب الكبير للعائلة والعشيرة ، ولكن عندما رحلتَ عنا عند ظهيرة السادسة عشر من هذا الشهر بعد أن تحملت تلك المسؤولية بكل جدارة أكثر من أربعين سنة ، ليس لنا عزاء بفقدانك إلا رحمة الباري عزوجل وكرمه ، لقد كنتَ الوالد لكل العائلة والعشيرة عندما كان يتنصل أكثر الآباء عن شرف مسؤولية الأب الحقيقي ، لقد كنتَ الأخ الكبير في مواقف كان الأخ ينكر أخاه ويدير له ظهره ، لقد كنت نعم الصديق في عصر فقدت فيه معظم شيم الصداقة ، لقد كنتَ البلسم لأنفسنا عندما يعجز علوم الأطباء .
أيها الرجل .. كنتَ الصبر في لحظات لم يسعفنا الصبر ، كنتَ الأمن والسلوان في أيام تَهجُم علينا عواقب الوهن والضعف من كل حدب وصوب ، كنتَ فينا نفحات الإيمان في وقت كانت أمواج الشك والقلق تجحفل وتعسكرعلينا بكل قواها ، كنتَ بإسمك الوسام على صدورنا عندما كان الآخرون يعتزون ويفتخرون بأوسمة معدنية على صدورهم .
أيها العم .. كلماتك ِ سوف تبقى ترن في كل كياني عندما أطلعتكَ بنيتي في الخروج من الوطن فقلت لي ( سعادتي تكمن في أن تبقى هنا بجانبي ) ولكن كان علي الوداع وحَرمتُك من تلك السعادة والأُمنية لأحسب لذلك الوداع ألف حساب وكان حدسي مع نفسي إنها ساعة الوداع ، فقررت أن تكون أنتَ آخر من أودعه من أقربائي وعائلتي ووضعت رأسي على كتفك لأجهش بالبكاء ورفعتَ بيديكَ الحنونتين رأسي لأرى وجهك ويبقي الصورة مرسومة في ذهني وهابني منظر الدموع وهي تنحدر من مآقي عينك بهدوء معهود ، كم هو صعب أن تنحدر الدموع من عيون شيخ تجاوز الخامسة والثمانين من عمره ورأى من آلام الحياة وقسوتها ما لم يراها الآخرون وراهن مع الموت على الموت دون أن يرتد له طرف أو جفن عند الشدائد والمحن .
والآن تهرب مني الكلمات وأنا أتذكر آخر جملة من آخر حديث لي معك عبر القارات والمحيطات لأهنئك بسلامة الوصول إلى أرض الوطن بين أهلك ورجالكَ ومريديكَ ، فكان كلامك وطيبة قلبك أكبر من كل مرضكَ وآلامك ومعاناتك من رحلة السفر والعلاج الطويلة فقلت لي ( رجائي أن تسمح لولدكَ روان بالعودة إلى الوطن ولا تهتم سأكون أنا والده هنا .. ) ، نعم لقد رحل عنا جسدك بعد ان غرست فينا كل قيم الرجولة من شموخ وإباء وحكمة وصبر وإقدام .
أيها العم .. في هذا اليوم القلم الذي لا يرثيك سوف لن أُزامله ، والكلمات التي لا تُذكركَ سوف لن أُصادقها ، والعيون التي لا تدمع لك فما لي ولتلك العيون ، والقلب الذي لا ينصب خيمة عزاء في كل خلية من كياني فما هو بقلب ، والأذان التي تَصم عن كل كلماتك فهي من الصخر جلمود .
أيها الرجل.. لم تكن خريجَ جامعة أو كلية أكاديمية ولكنك جاوزتهم لأنك خريج مدرسة الحياة وتعلمت من معاناة ومبادئ ( ريبه ر القدوة وشيرو الأب و عه زو العم ) الكثير ، حيث القرية والديوان والوفاء والنبل والمبادئ الأصلية النابعة من كل قيم الآباء والأجداد وقول الحق عندما كان يقتضي ذلك وأمام كائن مَن كان ويكون ؟؟
وأخيراً ليس لنا إلا أن نقول ( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَتي ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه


.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز




.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال