الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شروخات المعـارضة السورية

عماد يوسف

2005 / 6 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


’يمكن الحديث اليوم عن نضوج الشرط الموضوعي والسياسي في المجتمع السوري للتأسيس لتيارات سياسية متنوعة في عمل المعارضة السورية، تلك التي بقيت حتى زمن قريب بعيدة عن توصيفها ، من حيث أنها تفتقد إلى الأسس المنهجية لهذا التوصيف ، فهي لا تمتلك أدواتها كعمل معارض، وتفتقد للقواعد الشعبية بسبب الفجوة الكبيرة بينها وبين الشارع السوري، كما أنها تفتقد الكوادر والبرامج اللازمة، التي تلّبي من خلالها متطلبات هذا الشارع الذي يعيش البؤس المجتمعي والاقتصادي بالدرجة الأولى ، أكثر ما يعيش حرماناً سياسيأً يندرج في إطار المطالبة بحريات عامة وديمقراطية وغيرها . يتجلّى هذا واضحاً في مطالب غالبية الناس التي تندرج دوماً تحت بند تحسين مستوى المعيشة والدخل، وتأمين بعض رفاهيات الزمن المعاصر، هؤلاء الذين ابتعدوا ردحاً كبيراً من الزمن عن المتطورات العصرية( تقانة،اتصالات،ركوب السيارة، الأجهزة الألكترونية الحديثة، السياحة،السفر) وغيرها من الاحتياجات التي ’حرم منها الشعب السوري لفترة تزيد عن الخمس وعشرون عاماً ربما، وكانت حكراً لبعض موظفي الدولة والمسئولين الكبار، حيث كانت هذه المزايا الهامة،أحد دوافع هؤلاء الناس في التصفيق والتهليل والتكبير، و’تمنح للموالين والأعوان وغيرهم دون حساب. من هنا جاءت توافقات الشارع السوري على شخص الرئيس بشار الأسد بالإجماع،حيث وجدوا فيه منقذاً، وحاملاً لمشروع اصلاحي يصل سوريا ومجتمعها بعالم اليوم المتطور، من خلال ردم هذه الفجوة الهائلة بين الاثنين، وهذه مسألة لا يمكن الشك فيها ؟! وظلّت المطالب الأخرى من قوانين أحزاب وحريات رأي وتعبير وإلغاء حالة الطوارىء وفصل السلطات وتعديل المادة الثامنة من الدستور وغيرها، بقيت جميعها مطالب تندرج في إطار حراك ثقافي فكري نخبوي ، أكثر منه عمل سياسي منهجي وذلك طيلة الخمس سنوات التي مرّت من عمر هذا الحراك ..
كان لذلك الحراك البعيد عن توصيف العمل السياسي المنهجي ما يبرره، الأحزاب الموجودة هي بقايا أو أشلاء أحزاب منذ السبعينات، تآكلتها الأزمات في بنيتها التنظيمية والفكرية والنظرية، فتحول حراك ما تبقى من كوادرها في مرحلة ما بعد العام 2000 إلى جملة من المطالب، دافعها في ذلك سنوات القمع والسجن التي تعرضت لها ، وليس مبدأ العمل السياسي بعينه،وكان خطأها أنها تنطحت للمشاركة بالعمل السياسي النخبوي، الذي طرحه بعض مثقفي الشارع السوري ، والذي ينتمي قسماً كبيراً منهم إلى هذه الأحزاب نفسها،وذلك بدلاً من أن تقوم بمراجعة نقدية شاملة لبنيتها الحزبية والتنظيرية والسياسية، فتخرج برؤيا جديدة تستطيع أن تتقدم بها إلى الشارع السوري، فتعيد بذلك جذورها الشعبية وقواعدها التي ضاعت ؟
ساهم سقوط بغداد كثيراً في إنضاج شروط تحول المعارضة السورية إلى العمل السياسي المنهجي، فبعد أن إجتمعت هذه المعارضة على مجموعة من المطالب في التحول إلى نظام الدولة الحديثة، وجدت نفسها في مواجهة إستحقاقات شرطية لمواصلة عملها كقوى سياسية تسعى إلى الاستمرارية، وإلى تشكيل البديل السياسي لنظام أفرغ المجتمع السوري منه، خلال سنوات حكمه التي تزيد عن الأربعين عاماً، ما أدى بالضرورة إلى تحول منهجي، ونظري ، وتطبيقي بإتجاه خلق تيارات سياسية تواكب التحولات الكبرى في عالم أمريكا اليوم، ما باعد بين جيل سياسي قارب الشيخوخة وينتمي بغالبيته إلى التيارات اليسارية القومية والقليل منهم إلى الماركسية، وبعض التيارات البينية بين الدينية والقومية، وبين جيل هرم ينتمي بغالبيته إلى اليسار الماركسي، والذي حصل عند بعضه تحول غريب بإتجاه الليبرالية الأمريكية الطاغية على المنطقة في تجلّيات مشروع الشرق الأوسط الكبير( مع عدم ذكر لهذا التحول في أدبياتهم،بل على العكس، ما هو مذكور يناقض تماماً الطرح النظري لهم في جلسات الحوار والمماحكات العامة) وكان حزب الشعب الديمقراطي السوري ( المكتب السياسي سابقاً) خير مثال على هذا التحول الغريب وغير المفهوم،فهو الذي كان ’يطالب بالاصلاح بداية، تحول إلى التغيير ولو كان عن طريق الإستقواء بالخارج ( ممثلاً بأمريكا) . وحتى دون أن يتبنّوا طرح البديل السياسي غير الموجود في الساحة السياسية السورية في الوقت الراهن،وأي قارىء متواضع للحراك السياسي السوري، سيعلم أن البلاد تحتاج إلى مرحلة انتقالية خطيرة ودقيقة جداً، وأن إنضاج شروط نشوء قوى سياسية بديلة مرتبط بحركة إصلاح لا ’يمكن أن ’يقدمها إلاً شخص تتوفر فيه الشروط التالية؛ أولاً أن يكون صاحب قرار، ثانياً أن يكون في سدّة السلطة حتى يتمكن من إعطاء مشروعية لعملية الاصلاح نفسها وتثبيتها وقوننتها،وثالثاً؛ أن تكون لديه نيّة الاصلاح نفسها. أمّا ما عدا ذلك فإن البلاد ستذهب بعيداً بإتجاه الفوضى والعدمية والفراغ السياسي، والفتن الطائفية والإثنية وربما حتى العشائرية، وتتحول إلى حالة تشبه كثيراً الحالة العراقية والأفغانية، يرافق ذلك طبعاً تدميراً للبنى التحتية وغيرها، هذا طبعاً إذا ما علمنا بأن أمريكا لا يعنيها كثيراً إن حصلت حرب أهلية هنا ، أو إشتعلت هناك إذا ما كانت مصالحها محققة، والمفارقة الكبيرة في الموضوع بأن هؤلاء الذين يراهنون على الخارج، يرفضهم هذا الخارج ولا يعترف بهم، وإن مدّ لهم يداً من ورق فذلك لخلق توازن الفوضى الذي يشرّعه الأمريكان في سبيل التغيير المنشود في سوريا في المراحل اللاحقة لتبعات القرار 1559.
أدت التطورات العالمية بعد 11 أيلول، والأقليمية الأخيرة، سقوط بغداد نيسان 2003، القرار 1559، خروج القوات السورية من لبنان، إنحسار الدور الأقليمي السوري، والمدّ الأمريكي الواسع في المنطقة، إنحسار مشروع الاصلاح من قبل السلطة، الاستمرار في سياسة القمع والاعتقالات للنشطاء المعارضين، أدّى ذلك كلّه إلى شق هذه المعارضة غير المتجانسة أصلاً في إتجاهات عدّة . الأول؛ العامل الخارجي، والمراهنة عليه، وأصبح التصنيف تمييزي بين من مع أمريكا ومن ضدّها، ما بدأ يؤسس لنشوء تيار ليبرالي بالمطلق، يرى في تجلّيات المشروع الأمريكي في المنطقة ملاذاً وحلماً يتحقق لأغراضه، ورافعة سياسية واقتصادية وعسكرية له، والثاني؛ هو مشكلة الأقليات في سوريا وخاصة الكردية منها ، وهذا الشرخ مازال يعيش تداعياته على مستوى قوى المعارضة السورية، ولم ينضج بعد ليشكل شقاً حقيقياً في العمل السياسي السوري، ولو أن بوادره بدأت تلوح في الأفق على عدة مستويات، بدأت بالتضامن المعنوي في الفترة الأخيرة، وخاصة بعد أحداث القامشلي ودير الزور في آذار 2004. ولم تنتهِ بعد، حتى في أدبيات بعض أطياف المعارضة السورية الذين يؤمنون بالحقوق السياسية للشعب الكردي في سوريا . ويتشابه الشرخان، أو التياران في مسألة هامة جداً ، وهي عدم ذكر هذا التوجه في أدبيات ووثائق هذه المعارضة الممثلة لهم، بل على العكس من ذلك نجد في وثائقهم عكس ما يطرحون على الصعيد الشفهي، وهذا أمر خطير جداً بالنسبة لقوى معارضة تطرح نفسها بديلاً ديمقراطياً لسلطة توتاليتارية، وفي نفس الوقت تمارس الديماغوجيا السياسية بأكثرأشكالها، والذي يتجلّى في الفارق بين الخطاب الشفهي، والخطاب المكتوب( الموثق).

عامل آخر قد يضيف شرخاً إضافياً لهذه المعارضة التي لا تتفق حتى على عقد لقاء وطني في مدينة مثل دير الزور، كما حصل مؤخراً في اللقاء الذي قاطعه التجمع الوطني الديمقراطي والذي إنعقد بتاريخ 20/5/2005، بدعوة من لجنة عمل وطنية في المدينة، بحجة أن هذا اللقاء هو تجمع لقوى أهلية، ولا تستطيع أن تنوب مكان الهيئات السياسية في سوريا كالتجمع الوطني الديمقراطي والذي يضم خمسة أحزاب لا يتجاوز عددها ربما الخمسمائة شخص في أفضل حالاته، هذا العامل الذي نتحدث عنه هو التيار الإسلامي الأصولي ( الإخوان المسلمين)، الذي شكّل قطيعة مع الحياة السياسية السورية منذ زمن طويل، تجاوز العشرين عاماً، فبين مؤيد للحوار مع هذا التيار الذي عاش صراعاً دموياً مع السلطة والشارع المدني السوري في الثمانينات، وبين معارض لهذا الحوار دون تسوية شاملة وتقديم براهين وكشوفات حساب عن التاريخ المرير الذي عاشته سوريا بسبب صراعها معه، أدى ذلك كلّه إلى إعتبار التيارات المعارضة لهذا الحوار ولو بشكل مؤقت، بأنها غير ديمقراطية وإقصائية، شأنها بذلك شأن السلطة القائمة، التي تنتهج القمع والتسلط على المجتمع .
لم يزل العامل الثاني والثالث موضع خلاف في تيارات المعارضة السورية، ولم تتحول إلى شرخ كبير بين أطيافها، بعكس العامل الأول الذي شكّل إنقسامات كبيرة، أدّت في الكثير من الحالات إلى ضعف تأثير عمل هذه المعارضة على مستوى السلطة والشارع في آن معاً، مما أفقد الكثير من كوادرها المصداقية في نهجها الذي تدّعي أنه ديمقراطي، وتتناقض في طروحاتها للسلطة ومطالباتها بالديمقراطية والشفافية، في الوقت الذي ’تمارس فيه الكثير من هذه الأمراض في أدائها الذي يفتقر إلى ألف باء الديمقراطية ومبدأ قبول الآخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا