الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في مادية ظاهرة الانتفاضات عالميا

محمد بوجنال

2013 / 11 / 22
الثورات والانتفاضات الجماهيرية




الانتفاضات ظاهرة انتشرت، بخاصة خلال العقود الأربعة الأخيرة، في مختلف مناطق العالم: في أمريكا واروبا وآسيا وافريقيا . والانتفاضة سلوك بشري به وفيه يعبر المواطنون عن رفضهم هضم حقوقهم المشروعة ماديا ومعنويا بوسائل سلمية تتمثل في رفع الشعارات أو الوقفات الاحتجاجية بالشوارع أو الإعتصامات بالساحات الكبرى.
ونظرا لأهمية ظاهرة الانتفاضات تلك، فقد تمخض عن تتبع مقارباتها في أغلبها، وخاصة في عالنا العربي الذي سيكون موضوع مقاربتنا المقبلة بصدد الموضوع، كون المقاربات تلك، في مجملها، لا تعدو كونها سطحية تتوزع بين الجاهل بدلالتها، والمتحايل عليها بهدف تدميرها، والمدعي الحياد الوهمي بصددها، والموضوي الذي يتحدد موقفه ويتغير في أي لحظة وفق الموجة السائدة، والرافض للاعتراف بها. لذا، اعتبرتها الأولى بسلوك مراهق، والثانية بمثابة تهديد، والثالثة بكونها غير ناضجة، والرابعة بكونها ترفا سرعان ما يختفي، والخامسة بكونها حدثا عابرا غير ذي جدوى. كل هذه مقاربات تجاهلت العوامل المادية التي أفرزت هذه الظاهرة في مختلف مناطق العالم لصالح العوامل الآخلاقية أو الموضوية أو العابرة وهي، في نظرهم، سرعان ما يطويها التاريخ بين ثناياه نظرا لافتقار مبررات حصولها. إلا أن نظرة سريعة تبرز لنا العلاقة القوية بين العوامل المادية وظاهرة الانتفاضات الحاصلة بفعل افتقار أغلبية المواطنين وسائل العيش المادي باعتباره مؤشر الكرامة والحرية وممارسة الحقوق والواجبات وهو وضع من العيب عزل وفصل ظاهرة الانتفاضات عنه لصالح المبررات والوصفات الأخلاقية والدينية؛ إنه أسلوب نمط الإنتاج الرأسمالي في شكله العولمي الراهن الذي اقتضى منطقه حصول المقاربات السابقة الذكر. لذا، واجهت الجماهير تلك منطق نمط الانتاج الرأسمالي العولمي ذاك بمطالب مادية واضحة تم العمل على تضبيبها وإخفاء مادية أسسها ومطالبها. لقد تطلبت الحاجة إلى تبسيطها وشيطنتها ولا أهميتها تجييش، كالعادة، مثقفي النظام الرأسمالي في شكله العولمي الذين منحهم النظام ذاك صفة الخبراء أو قل أننا أصبحنا أمام ما نسمبه بظاهرة المثقف الخبير- قارن هذا مع ما يحصل، وبشكل مشوه، في تلفزاتنا المغربية والعربية- في كذا: فأصبحنا أمام تصور فلان"الخبير" في الحركات الاحتجاجية، وفلان"الخبير" في الحركات اليسارية، وفلان" الخبير" في الحروب الطائفية، وفلان"الخبير" في الحركات الاسلامية...الخ. بهذه الأساليب الماكرة تم تحديد دلالة الانتفاضات. لكن هذا الأسلوب الرأسمالي العولمي تعرض لمواجهات تمثلت في اعتماد شكل عملي محدد تمثل في العمل النضالي الجماعي والذي أخذ شكلا عالميا أو قل أصبح ظاهرة عالمية تطرح بجدية في الشوارع والساحات الكبرى الأسس المادية لمطالبها والتي لا يمكن فصلها عن باقي قضايا الإنسان المتداخلة. هذا الوضع المادي المأساوي بدأ يعبر عن نفسه خلال الأربعين سنة الأخيرة حيث لم نعد نجد بلدا من البلدان خاليا من هذه الظاهرة اللهم الدول التي ما زالت في مستوى جد متخلف :ففي الولايات المتحدة الأمريكية نجد حركة وولت سترايت؛ وفي فرنسا احتجاجات في باريس ضد الاستحواذ على الثروة تحت شعار: هولاند هو الساركوزية الواضحة؛ وفي انجلترا الاحتجاجات ضد مشروع خطة حكومية يرمي حماية تنمية ثروة الأثرياء؛ وفي اسبانيا حركة 15 ماي بساحة بويرتا ديل سول؛ وبالبرتغال حركة جيراساو؛ وفي اليونان الانتفاضة العامة ضد الغنى الغير المشروع...الخ، ناهيك عن الوضع الذي انفجر بالدول العربية لنفس الأسباب. ومن المؤكد أن هذه الانتفاضات تتجدد وتظهر بين الفينة والأخرى حسب ما تسمح به قدراتها المتواضعة والذاتية على المستويين المادي والتنظيمي؛ كما أنه لا بد من الإشارة إلى أنها، نظرا لطبيعة المنطق الداخلي لنمط الانتاج الرأسمالي العولمي، في مجملها مرتبطة بمكان محدد هو المجال الحضري أو قل المدن خاصة الكبرى منها حيث المصانع والعقار والأبناك والخدمات. وفي المقابل، بطبيعة الحال، تقوم العولمة والدولة واللوبي الطبقي المسيطر المتمثل في البورجوازية الرأسمالية العالمية الكبرى- الشكل الجديد للإندماج بين بورجوازيات الدول الرأسمالية الكبرى مرحلة ما قبل العولمة- بمحاولات استقطابها وهضم واستيعاب عملياتها وفق آليات من قبيل حقوق الانسان والشفافية والشراكة والديموقراطية. إلا أن الانتفاضات تلك، نظرا لحدة الظلم العولمي المادي-ومعه بطبيعة الحال المعنوي-، انتشرت وما زالت، أكثر فأكثر في مختلف مناطق العالم وفق أسلوب الظهور والاختفاء نظرا لتأثير قوة القدرات المادية والتنظيمية لنمط الانتاج الرأسمالي العولمي من خلال مجمل الدول والحكومات التي هي أساسا دولا وحكومات عمل ويعمل على تأسيسها وتنظيمها البورجوازية الرأسمالية العالمية الكبرى .
فالعالم يعيش الفقر المادي على مختلف المستويات، فقر لم تعد الأوضاع تسمح بتقبله ولا بتحمله كما في السنين السابقة؛ وضع تحمل مسؤولية التعبير عنه فئة الشباب مستثمرة وسائل الاتصال الاجتماعي من انترنيت وفيسبوك وتويتر ناهيك عن أشكال الهواتف المحمولة؛ وقد دعمتها فئة عمرية أخرى تضررت ماديا هي البورجوازية الصغرى لتصبح الاحتجاجات تلك التعبير الكبير والواضح عن الوضع المادي والاجتماعي للكائنات البشرية. والدرس هنا أننا أصبحنا أمام قرب نهاية ما يسمى بالسياسة المعاصرة أو الراهنة حيث أن الملاحظ، على مستوى القارات الأربع ، بدايات ظهور إرهاصات نظام سياسي جديد وفق شروط الوجود المحلية والإقليمية والعالمية التي هي شروط رأسمالية في ثوب جديد لونه حقوق الانسان والديموقراطية. وعموما ما نريد التأكيد عليه هو أن الانتفاضات لا تختصر فقط في كونها التعبير عن الأزمة المادية للمجتمع الرأسمالي الذي منه العولمي الراهن، بل وتعبر كذلك عن الحاجة الماسة للمواطنين للحرية لتفجير طاقاتهم وإمكاناتهم وسبل تحقيق العدالة والمساواة والسلم في العالم وذلك عبر ابتكار مناهج وإمكانات جديدة لم تكن متوفرة في القوانين التي أصبحت حاليا مرفوضة؛ وهذا يتطلب البحث والتأسيس لتحديد أشكال الحوار المطلوبة بهذا الصدد، أشكال تجنب الإنسانية الاستغلال والعنف لصالح التأسيس للعدالة وامتلاك الحرية وسلطة نوعية وهي قيم يرفضها المنطق الداخلي للنظام الرأسمالي العولمي.
بناء على ما سبق ،يعيش العالم وضعا مضطربا تعمل على إظهاره بغير مظهره الحقيقي مجمل المقاربات التي سبق ذكرها باعتبارها التعبير، لا المعرفي،بل الأيديولوجي عن مصالح النظام الرأسمالي ذاك الذي عمل ويعمل جاهدا على إبعاد وطمس المحتوى المادي للإنتفاضات. لذا، نرى افتقار ظاهرة الانتفاضات إلى الدراسات الكافية والعلمية لجوانبها الثورية المتمثلة في مطالب إعادة التوزيع المادي وتحقيق العدالة ومحاربة الفساد وممارسة الاستبداد والتأسيس للشراكة في المقترحات والمناقشات والصياغات وتحمل المسؤوليات، في وتحت إطار سلطة نوعية. وهذا يطرح علينا مجموعة تساؤلات تبقى الإجابات النوعية عنها ضئيلة جدا نظرا لم أصبح للإرتزاق من انتشار وتحريف وتحليل مأجورين؛ تساؤلات من قبيل: ما معنى كون الإنسان، عالميا،كائنا ماديا؟ ما معنى الإنسان، عالميا، كطبيعة وحقوق وواجبات؟ ما درجة ومستوى التقاطع بين المطالب المادية للانتفاضات على المستوى العالمي؟ ألم يكن هذا التقاطع ،وهو الحاصل فعلا، هو الأزمة المادية التي لم تعد الطبقة المقهورة العالمية قادرة على تحملها؟ هل تمكنت هذه الانتفاضات من التأسيس لبداية إرهاصات نظام سلطة جديدة للمستقبل؟ الأجوبة المنتظرة تقتضي استحضار العوامل المادية التي لا يمكن فصلها عن غيرها وفق نظرية جدلية تضافر المكونات؛ أو قل أنه العامل المادي في جدليته بباقي العوامل، الذي دفعنا، ودفع غيرنا على قلتهم، من القول بأن العالم قد دخل مرحلة التحضير لوضع جديد انطلاقا تقريبا من عام 1990 : الاحتجاجات الجماعية ضد الفقر،ضد البطالة، ضد سوء التوزيع المادي، ضد احتكار وشطط السلطة، ضد القهر،ضد الاستغلال، ضد نهب الطبيعة وتشويهها، ضد العنف على الرغم من المسافات الكبيرة التي تفصلها عن بعضها البعض، ومدة ممارستها التي قد تكون أقل أو أكثر من بعضها البعض. إنها الحقيقة والدواعي المادية لحصول الانتفاضات في مختلف بقاع العالم التي بدونها لن تحصل العدالة ولا حقوق الإنسان ولا الكرامة. إلا أن كل هدا الوضع المادي المأساوي تجاهلته مجمل المقاربات التي عملت وتعمل على إظهار الانتفاضات العالمية بغير مظهرها الحقيقي معتمدة في ذلك نظريات الفلسفات الأخلاقية والدينية في صيغها الرأسمالية؛ وعليه فالانتفاضات التي عرفها العالم العربي وما زال،لم تخرج عن إطار المقاربات السطحية والوصفية المؤطرة بالأخلاقي والديني وهو موضوع عملنا المقبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل متظاهرين مؤيدين لفلسطين وتفكك مخيما ت


.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. بيرني ساندرز يعلق على احتجاجات جام




.. الشرطة الفرنسية تعتدي على متظاهرين متضامنين مع الفلسطينيين ف


.. شاهد لحظة مقاطعة متظاهرين مؤيدون للفلسطينيين حفل تخرج في جام




.. كلمات أحمد الزفزافي و محمد الساسي وسميرة بوحية في المهرجان ا