الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(توقيعات عزالدين المناصرة): جاذبية صوتية

جهاد الترك

2013 / 11 / 23
الادب والفن


ينطوي الاصدار الجديد للشاعر عز الدين المناصرة، على منظومة القصائد القصيرة التي وضعها بين العام 1962 و2009. وهي التسمية التي يطلقها (المناصرة) على ضرب محدد من النصوص. من هنا إقدامه على "قوننة" هذه التسمية، اذا جاز التعبير، رغبة منه، على الأرجح، في ادراجها في اطار "المصطلح" ليفتتح به منحى غير "مسبوق". يحلو له أن يطلق على هذا المصطلح اسم "التوقيعات"، ومفردها "التوقيعة" يقول (المناصرة في تعريفه للتوقيعة ما يلي: (قصيدة قصيرة جداً من نوع (جنس الحافة)، تتناسب مع الاقتصاد، والسرعة، وتتميز بالإيجاز والتركيز وكثافة التوَتُّر. عَصَبُها (المفارقة)، والإيحاء، والانزياح، والترميز. ولها ختامٌ مفتوح قاطع أو حاسم، مدهش، أي أنَّ لها (قفلة) تشبه (النَقْفَة) المتقنة، ملائمة للحالة. تحكُمُها الوحدة العضوية، أي أنها (مستقلة). أو تكون (مجتزأة) يمكن اقتطاعها من بناء القصيدة الطويلة. وهي في شفافيتها وسرعتها تشبه ومضة البرق، لكنها ليست مائعة الحدود كالومضة. وكلُّ توقيعة هي قصيدة قصيرة جداً، لكن ليست كلُّ قصيدة قصيرة... توقيعة).
وبغض النظر عن طبيعة هذا التوجه وأسبابه ومآله، فإن تصنيفاً كهذا، وإن جاء تحت مسميات مختلفة، فإنه قلما يخلّف تأثيراً مباشراً على الرؤية الشعرية ومكوناتها:
- مشوقة هي هذه التوقيعات في ايقاعها السريع، في نبضها المتدفق بغزارة في مجرى النص. يعوّل الشاعر في ذلك، على أمرين اثنين رئيسيين، هما: بنية التفعيلة من جهة، والقافية ذات الوقع القوي، وأحياناً كثيرة الوقع الحاد الذي يخطف المعنى ودلالاته الى موسيقى صاخبة. هل يحتاج النص الى هذا الصخب اللفظي ليحفظ توازنه وبريقه؟ ليبدو قادراً على الصمود أمام الصورة التي تجنح، بأشكالها الاحتمالية، الى تخطي نفسها بنفسها؟ الأغلب نعم في نصوص (المناصرة) لأسباب تتعلق مباشرة بالكيفية التي يلجأ اليها لاستدراج الرؤية الى نص مشرّع، في الأساس، على الاشتباك مع الامتدادات الظاهرة والخفية لتداعيات الصورة. من أجل ذلك، لعله من المتعذر قراءة الصورة، في استشرافاتها المختلفة من دون أن يؤخذ في الاعتبار التفعيلة والقافية على حدّ سواء. ومع ذلك، بغية تعميق الاعتبار المشار اليه، ينبغي التساؤل، في هذا السياق، عما اذا كان هذان الشرطان، التفعيلة والقافية، ينبثقان من صلب الرؤية التي تخيّم على فضاء النصوص، أم أنهما يأتيانها من خارجها لذرائع شتى. من بينها محاولة سد الثغرات الناتجة عن اعتماد المفردة، في ايقاعها الصوتي، بدلاً من اعتماد المعنى في ايقاعه المنتشر في الدلالة. لا إجابة قاطعة عن هذا التساؤل سوى أن في هذه المعادلة ما يمكن أن يشير الى أن (المناصرة)، يختار، على الأرجح، أن يقارب نصه، وهو في منزلة بين المنزلتين: يحوم حول الاثنتين معاً على قدر من انحياز واضح، على الأرجح، الى "المكاسب" الايقاعية التي يجنيها من التشديد على القافية والتفعيلة. وهذه أقرب الى متناول اليد من مثيلتها الكامنة في الدلالة الشعرية البعيدة للصورة المتحولة. ولا غرو في ذلك، فالايقاع المتضمن في هذه الأخيرة هو من الجنس الضبابي الذي يصعب تعقّبه إلا في السياق الافتراضي للصورة. أما نظيره المتضمن في التفعيلة والقافية، فلا حاجة لتعقبه في الأساس، لأنه يتصدر المشاهد في النص على نحو بارز.
- وقد يأخذ النص، في اللحظة المناسبة أو الحرجة الى حيث ينبغي هو، نظراً الى جاذبيته الصوتية العنيفة. بالمثل، قد لا يجد الشاعر مفراً من الانقياد لهذا المنحى لأنه يشرّع له أبواب النص على مصاريعها فلا يعود ملزماً بانتظار اللحظة المتفتّحة على المخاض المتحول للصورة فقط. ثمة في هذه الحال ما قد يغني عن ذلك. القافية والتفعيلة، في هذا السياق، وما يتفرع منهما من ايقاعات منضبطة قد تفيان بالغرض المطلوب. وقد تنطويان، في الوقت عينه، على ايحاءات قوية، خافتة أو ساطعة، ذات صلة ما بالدلالات المكونة للصورة.
وعلى الرغم من سعي الشاعر الى اختياره منزلة بين المنزلتين، كما ورد آنفاً، فإن النصوص الواردة في الكتاب، تبدو أكثر التصاقاً وانجذاباً لكرنفال الايقاعات الصوتية التي تشيعها التفعيلة والقافية، في سياقهما المكرر كما يتطلب الايقاع في هيمنته على النص أو مصادرته له، اذا جاز التعبير. وقد يذهب (المناصرة) بعيداً في تجواله في هذا الفضاء الصوتي بالتحديد، ليغدو النص مقوداً الى نقطة الجاذبية هذه. وكأن هذه الأخيرة باتت القضية المركزية التي تدور في فلكها الرؤية الشعرية. مركزية تستدعي مزيداً من (التدفق الايقاعي) للصوت لتغدو، بشكل أو بآخر، منفذاً ضرورياً يتطلع اليه الشاعر ليحمل نصه الى خارج الاختناق الذي قد يصيبه أو يتعرض له أو يعاني في اسوأ الأحوال. هل يبدو النص مضطرباً، فعلاً، أو عرضة للاهتزاز أو التشرذم، أو حتى التفكك، في ما لو لم يقدم الشاعر على توظيف هذا المنفذ في هذا المنحى، على وجه التحديد.
الأرجح نعم، بدليل أن القافية، بالايقاع الذي تظهر فيه في النصوص، جاهزة على الدوام وحاضرة لمواجهة اللحظة المناسبة من أجل أن تتلقف النص حيثما تخونه الدلالة، أو تتنكر له نتيجة لخلل بنيوي في تكوين الصورة المتحولة. ولأن القافية لا تخلو، في طبيعتها الداخلية، من قدرة على استقطاب الأذن لمصلحتها، فإنها تتمكن، في الوقت عينه من تعويض النقص الحاصل اذا وُجد، في قدرة الدلالة الشعرية على تطوير ذاتها بذاتها. لعل المأزق الكبير الذي يتربّص بشعرية التفعيلة والقافية، هو أن الايحاء يبقى محصوراً في المدى القصير الذي تحتمله القافية في فضائها الصوتي. يبدأ الايحاء بالتلاشي ما إن يتبعثر ايقاع القافية. الايقاع الخفي للدلالة الشعرية المتمثل في تفكك الرؤية الى ظلالها المحتملة، لا يتعرض لهذين التلاشي والتبعثر.
- إيقاع محدد لا يخضع البتة لصوتية القافية بقدر ما يبدو مأخوذاً بانفتاح الدلالة على أقدارها الواسعة في عالم الظلال. كلما تمددت هذه الأخيرة تشعب الايحاء وتمدّد. يتعذر ذلك في الرؤية المشدودة الى تقنية التفعيلة والقافية نظراً الى الارتباط المحكم لهاتين بنمط من الايحاء مرده الى الايقاع الصوتي، على الأغلب. الصوت قد يسقط في منتصف الطريق. الرؤية الذاهبة الى الظلال تسقط في الظلال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شعر الشاعر المناصرة أكثر عمقا
جينيفير عبدو.... باريس ( 2013 / 11 / 25 - 17:45 )
مقال عميق لكن شعر الشاعر الفلسطيني العالمي (عزالدين المناصرة ) أكثر عمقا مما ذكر كاتب المقال لأن الشعر ليس مجرد بنية صوتية.

اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-