الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في قانون التكافؤ بين قوى الجاذبية وقوى التسارع

جواد البشيتي

2013 / 11 / 24
الطب , والعلوم



ثمَّة خَلْطٌ، عند بعض الناس، بين "الجاذبية" Gravitation و"التسارع" Acceleration؛ فقانون "التكافؤ (التساوي، التماثُل)" بين "قوى" الجاذبية و"قوى" التسارُع" فُهِمَ بما يَجْعَل المرء يَنْظُر إلى "الجاذبية" و"التسارع" على أنَّهما شيء واحد، أو اسمان مختلفان لشيء واحد؛ مع أنَّهما شيئان مختلفان؛ فالجاذبية "تُفَّاح"، والتسارع "برتقال"؛ و"التُّفَّاح" غير "البرتقال"، و"البرتقال" غير "التُّفَّاح".
ورُبَّما يكون سبب الالتباس هو كلمة "قوى" Forces؛ وجلاءً للأمر، لا بدَّ من توضيح أنَّ "قوى" تعني "تأثيرات (مفاعيل)"؛ وعليه، نَفْهَم قانون "التكافؤ" بمعناه الحقيقي الآتي: إنَّ "الجاذبية" و"التسارع"، وهما شيئان مختلفان كاختلاف "التُّفَّاح" و"البرتقال"، يتماثلان في "التأثيرات (والنتائج، والمفاعيل)"؛ فالمستحيل بعينه هو "تمييز تاثيرات الجاذبية من تأثيرات التسارع".
ولمزيدٍ من التوضيح، نقول إنَّ "التسارع" هو جسم، أو جسيم، تزداد (أو تقل) سرعته، كل ثانيةٍ، أو يَخْرُج (أيْ يُخْرَج) عن الاستقامة في خطِّ سيره (كأنْ ينعطف يميناً، أو يساراً، أو يُدْفَع إلى أعلى، أو يُسْحَب إلى أسفل، أو يُسيَّر في مسارٍ مُنْحَنٍ، أو دائري).
وهذا "التسارع" يجب أنْ يأتي من "قوَّة خارجية"؛ فالجسم المتسارِع هو الذي "تَدْفَعه"، أو "تَسْحَبه"، "قوَّة خارجية ما"؛ ولا بدَّ لنا من أنْ نَسْتَثْني "الجاذبية" من مفهوم "القوى الخارجية"؛ لأنَّ "الجاذبية" ليست بالشيء الذي يَدْفَع، أو يَسْحَب، الجسم، أو الجسيم.
تَخيَّلْ أنَّكَ موجود في داخل حجرة صغيرة "مُغْلَقَة"، فلا ترى شيئاً مِمَّا في خارجها، وأنَّ هذه الحجرة موجودة على سطح الأرض (أيْ ثابتة، لا تتحرَّك من مكانها).
إنَّكَ ترى في عالَمك الصغير المُغْلَق هذا كل "تأثيرات" ما يُسمَّى "الجاذبية"؛ فأنتَ لكَ "وزن"، وتستطيع قياسه بالميزان، وإذا أفْلَتَّ من يدكَ حجراً فإنَّه يسقط (سقوطاً حُرَّاً) نحو (أو إلى) أرضية الحجرة، وتستطيع أنَّ ترى سرعته تزداد، كل ثانية، في أثناء سقوطه، كما تستطيع أنْ ترى شعاع الضوء (الذي يسير في مسارٍ أُفقي) يَنْحَني قليلاً في اتِّجاه أرضية الحجرة.
ولو فجأةً تضاعَفَت كتلة كوكب الأرض، لزاد وزنكَ، ولأصبَحَت الزيادة في سرعة سقوط الحجر أكبر، في الثانية الواحدة، ولرَأَيْتَ شعاع الضوء يَنْحني أكثر في اتِّجاه أرضية الحجرة.
وتستطيع الحصول على النتائج نفسها لو أنَّ حجم كوكب الأرض تقلَّص (وزادت كثافته، من ثمَّ) بدلاً من تَضاعُف كتلته.
والآن، تخيَّلْ أنَّكَ مع حجرتك نفسها قد نُقِلْتَ إلى فضاءٍ بعيدٍ عن كل مصادِر وحقول الجاذبية (أيْ بعيد عن الكواكب والنجوم..) وأنَّ قوَّة خارجية ما، لا تراها، ولا تَعْلَم بوجودها، قد شرعت تَدْفَع حجرتكَ إلى أعلى (مثلاً) جاعلةً سرعتها تزداد كل ثانية بمعدَّلٍ مساوٍ لمعدَّل التسارُع الخاص بجسم يسقط سقوطاً حُرَّا نحو سطح الأرض، من نقطة لا تَبْعُد كثيراً عن هذا السطح.
إنَّكَ لن ترى من التأثيرات (والنتائج والمفاعيل) في داخل حجرتكَ إلاَّ كل ما يَجْعَلَكَ تَعْتَقِد أنَّ حجرتكَ ما زالت على سطح الأرض؛ فوزنكَ هو نفسه، والحجر يتسارع في سقوطه بالمعدَّل نفسه، وشعاع الضوء ينحني الانحناء نفسه؛ إنَّكَ لن تستطيع أبداً تمييز "تأثيرات التسارع" من "تأثيرات الجاذبية".
مِنْ أين أَتَت هذه "التأثيرات"؟
إنَّها لم تأتِ من كتلة الحجرة وحدها، ولا مِنْ قوَّة الدَّفْع الخارجية وحدها؛ لقد أَتَت من "المقاوَمَة"؛ فالحجرة (أو الكتلة الصغيرة للحجرة) قَاوَمَت (بفضل خاصية "القصور الذاتي" التي تَمْلك) فِعْل تلك القوَّة الخارجية؛ وبمقاوَمتها لكلِّ زيادة في سرعتها (متأتية من ضغط تلك القوَّة الخارجية) تولَّدت في داخلها كل تلك "الظواهر"، أيْ "تأثيرات التسارُع" التي تُماثِل تماماً "تأثيرات الجاذبية".
التأثيرات (والنتائج والمفاعيل والظواهر) نفسها تراها (في داخل حجرتك) إذا ما قامت القوَّة الخارجية نفسها بتسيير حجرتكَ في مسارٍ دائري (وبسرعة ثابتة، لا تزيد، ولا تنقص).
الآن، سنَجْعَل حجرتكَ (المتسارعة في هذا الفضاء عديم الجاذبية) شَفَّافة، وسَنَضَعْ في الفضاء نفسه، وعلى مقربة منك، حجرة ثانية شَفَّافة، يقيم فيه توأمكَ؛ ولتَكُنْ حجرة توأمكَ ساكنة، أو تسير بسرعة ثابتة (10 أمتار في الثانية الواحدة) وفي خطٍّ مستقيم.
توأمكَ هذا لن يرى في داخل حجرته ما تراه أنتَ في داخل حجرتكَ؛ إنَّه يرى ظاهرة "انعدام الوزن"، ويرى الحجر الذي أَفْلَتَهُ من يده لا يسقط، ويرى شعاع الضوء لا ينحني في خطِّ سَيْره).
لو ظلَّت القوة الخارجية تزيد سرعة حجرتك كل ثانية بما يَعْدِل زيادة سرعة الحجر، كل ثانية، في أثناء سقوطه الحر نحو سطح الأرض، من نقطة لا تَبْعْد كثيراً عن هذا السطح، لرأى توأمكَ، بعد مرور سنوات، أنَّ حجرتكَ، وفي ثانيةٍ ما، قد سارت بسرعة 100 ألف كيلومتر في الثانية.
ولسوف يرى، أيضاً، أنَّ كتلتها (وكتلتكَ) قد تزايدت، وأنَّ طولها قد انكمش وتقلَّص في اتِّجاه حركتها، وأنَّ الزمن عندكَ يتباطأ، فالثانية الواحدة عندك أصبحت تَعْدِل، مثلاً، 100 ثانية عنده، وأنَّ كل شيء (وكل حادث) عندك يَحْدُث في زمن أطول كثيراً من الزمن الذي يستغرقه حدوثه عنده.
دَعونا نَفْتَرِضْ الآن أنَّ القوة الخارجية قد توقَّفت عن دَفْع حجرتكَ؛ فماذا ترى أنتَ، وماذا يرى توأمكَ؟
حجرتكَ الآن لا تتسارع؛ فهي تسير بسرعة ثابتة (100 ألف كيلومتر في الثانية) وفي مسارٍ مستقيم. إنَّكَ تشعر بانعدام الوزن، وترى الحجر الذي تُفلته من يدكَ لا يسقط، وترى شعاع الضوء لا ينحني في خطِّ سيره؛ أمَّا توأمكَ فيرى أنَّ التزايد في كتلة حجرتك قد توقَّف، وأنَّ الانكماش في طولها قد توقَّف عن الزيادة، وأنَّ الثانية الواحدة عندكَ ظلَّت تَعْدِل 100 ثانية عنده، ويرى، أيضاً، أنَّكَ تَصْغُرُه الآن بعشر سنوات مثلاً.
الآن، سننهي رحلتكَ؛ سَنَجْعَل حجرتكَ "مُغْلَقَة" مرَّة أخرى، وسنعيدها إلى الغلاف الجوي لكوكب الأرض، وسنَتْركها تسقط سقوطاً حُرَّاً نحو سطح الأرض من ارتفاعٍ معيَّن؛ فماذا ترى؟
لن ترى في داخل حجرتكَ إلاَّ كل ما يجعلكَ تَعْتَقِد أنّهاَ ما زلت في الفضاء عديم الجاذبية، وأنَّها ساكنة، أو تسير بسرعة ثابتة، وفي خطٍّ مستقيم؛ مع أنَّكَ ضِمْن حقل الجاذبية الأرضية.
إنَّكَ تشعر بانعدام الوزن مع أنَّ وجودك ضِمْن حقل الجاذبية الأرضية يُكْسِبكَ وزناً؛ وهذا الوزن لن يَظْهَر، ويُقاس، إلاَّ إذا أَوْقَفَ سقوطَكَ الحر شيء ما.
تخيَّل أنَّ يداً عملاقة قد امتدت من سطح الأرض إلى أعلى، فأَوْقَفَت السقوط الحر لحجرتكَ وهي على ارتفاع معيَّن. عندئذٍ، تشعر بالوزن، وتستطيع قياس وزنكَ. حُجرتكَ "المُغْلَقَة" هي الآن واقفة على سطح الأرض؛ وإنَّكَ قد تَظُن أنَّها تتسارع في فضاء عديم الجاذبية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحيّه
عبد الله خلف ( 2013 / 11 / 24 - 15:27 )
ألف تحيّه للكاتب , و نشكره على جهوده العلميّه و الفكريّه .


2 - قال المؤلف
أبو قتادة السلفى ( 2013 / 11 / 25 - 21:47 )
قال المؤلف رحمه الله تعالى
ثمَّة خَلْطٌ، عند بعض الناس، بين -الجاذبية- و-التسارع- فقانون -التكافؤ (التساوي، التماثُل)- بين -قوى- الجاذبية و-قوى- التسارُع- فُهِمَ بما يَجْعَل المرء يَنْظُر إلى -الجاذبية- و-التسارع- على أنَّهما شيء واحد، أو اسمان مختلفان لشيء واحد؛ مع أنَّهما شيئان مختلفان

ونقول وبالله التوفيق
متى يخرج الناس من عباءة آينشتين ؟
لابد من كسر لهذا الجمود أو على الأقل السماح بهذا الكسر حتى تفشى الطبيعة بأسرارها ويتدفق عطاؤها من جديد
أتمنى لو أن المؤلف استغل منبره هذا فى إعلان وجهة نظره الشخصية على الناس - فلعلها تكون بذرة لتحول قريب .. على أن يحذر القارىء من أنها وجهة نظره كمؤلف وليست من أصول العلم المقررة

شكرا للمؤلف

اخر الافلام

.. بسبب نفاد الوقود.. انقطاع التيار الكهربائي في مجمع ناصر الطب


.. وسائل التواصل الاجتماعي أدت لأزمة في الصحة العقلية بين الشبا




.. جمال الطبيعة ورهبتها في آخر ثوران لبركان إتنا


.. تفاعلكم | مفاجأة.. هذه عمليات التجميل التي أجراها بايدن وترا




.. أوكرانيا تعلن نجاحها في مراقبة وتتبع وضرب القوات الروسية من